السبت: 20/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

داعش وتحطيم الآثار ... خُلاصة الجهل والتطرف والهمجية

نشر بتاريخ: 02/03/2015 ( آخر تحديث: 02/03/2015 الساعة: 11:20 )

الكاتب: د. وليد القططي

في قصة " أرض النفاق " للروائي المصري الكبير " يوسف السباعي " التي تحوّلت إلى فيلم سينمائي بطولة الفنان " فؤاد المهندس " كان هناك كيس من الدواء مكتوب عليه " خُلاصة الأخلاق " التي تشمل خليط من اخلاق الصدق والشجاعة والأمانة وغيرها من الأخلاق الخيّرة , يقوم فؤاد المهندس بسرقة هذا الكيس من محل الأخلاق وإفراغه في نهر النيل لكي يكتسب الناس الأخلاق الحميدة . ويبدو أن هذه القصة الخيالية تكررت مع داعش ولكن بصورة عكسية حيث انهم شربوا من كيس دواء مكتوب عليه " خُلاصة الشر " التي تشمل خليط من الجهل والتطرف والهمجية وغيرها من الصفات الشريرة . وهذا ربما السبب الوحيد الذي يفسّر ارتكابها أبشع الجرائم بحق الإنسان عندما قتلته كإنسان ذبحاً وحرقاً , وقتلته كتراث تحطيماً وهدماً , وآخر هذه الجرائم تحطيم متحف الموصل بما فيه من آثار وتحف وتماثيل .

وهي عندما تقوم بذلك العمل من تحطيم التماثيل والتحف والآثار تزعم انها تقضي على أصنام تُعبد من دون الله , مستحضرة مشهد تحطيم الأصنام في مكة المكرمة على يد الصحابة – رضوان الله عليهم – بأمر الرسول – صلى الله عليه وسلم – جاهلة أو متجاهلة الفارق الشاسع بين ما فعله المسلمون الأوائل في مكة المكّرمة بالأصنام التي كان كفار قريش يعبدونها من دون الله أو يعبدونها زلفى تقرباً إلى الله , وبين ما يفعلونه هم من تحطيم آثار لا علاقة لها بالعبادة أو التقديس , حتى وإن كان يُعبد بعضها سابقاً أو يُقدّس , فقد انتهت هذه المرحلة وأصبحت من التاريخ القديم بل والقديم جداً ولم يُعد أحدٌ يقدّسها أو يعبدها , فالعلة التي تربط بين الحدثين والفعلين غير موجودة .

كما أنهم يتجاهلون موقف الإسلام وتطبيقات صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من التماثيل والصور المجسّدة حيث أنهم يحرمّونها ويعظمونها عندما تكون مصدر شرك أو شبهة تدنيس لعقيدة التوحيد ويتركونها إذا كانت مجرد زينة أو أثراً من آثار التاريخ , وهذا ما يؤكده الدكتور " محمد عمارة " رداً على قيام طالبان في افغانستان بتحطيم تمثالي بوذا " ... في الوقت الذي أزالوا فيها التماثيل المعبودة وحطموها , تركوا التماثيل في البلاد التي فتحوها عندما لم تكن معبودة من دون الله , صنع ذلك في مصر فاتحها عمرو بن العاص , ومعه كوكبة من صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فهؤلاء الصحابة الذين فتحوا مصر , والذين سبق أن حطموا التماثيل المعبودة في شبه الجزيرة العربية , هم الذين تركوا التماثيل في مصر لأنها لم تكن معبودة ... ونفس الشيء حدث عندما فتح المسلمون بلاد المشرق وذهبوا إلى افغانستان والهند . "

أما الدكتور عبد المعطي بيومي – رحمه الله – رئيس لجنة العقيدة بمجمع البحوث الإسلامية وعميد كلية الأصول بالأزهر سابقاً فيؤكد أن القرآن الكريم ذم التماثيل التي تُعبد من دون الله , فالممنوع هو العبادة وليس الصنم في ذاته فالعلة من تحريم وجود الأصنام الرابطة بينها وبين العبادة .. وأن الرسول – صلى الله عليه وسلم – عندما دخل مكة فاتحاً حطّم الأصنام لأنها كانت معبودة من دون الله , ولكن الصحابة – رضوان الله عليهم – عندما قاموا بالفتوحات الإسلامية وجدوا في البلاد التي فتحوها تماثيل وآثارا لم يلتفتوا إليها لأنها لم تكن معبودة , ولذلك تركوها مجرد تماثيل لا تعني شيئاً ولا ترمز إلى عقيدة حاضرة , مهما كانت رمزاً لعقيدة انتهت .

أما الموقف الشرعي الذي لا زال متمسكاً بحرفية النصوص دون مراعاة لروحها ومقاصد الشريعة وأصول الاجتهاد , والذي لا زال يحرّم الصور والتصوير بكافة أشكاله المسطّحة والمجسّمة إضافة إلى أنه يمثل فهماً جامداً للنص الديني , فإنه أوقع نفسه في تناقض فعلي بين ما يؤمن به وبين سلوكه الفعلي الذي يستخدم من خلاله الصور والتصوير. وقبل كل ذلك فإن تحطيم الآثار بهذه الطريقة الوحشية يثبت أنهم شربوا من خلاصة الشر التي تشمل صفات الجهل والتطرف والهمجية , التي جمعت بين جهل التكفير والهجرة , وتطرف القاعدة , وهمجية التتار .