الأربعاء: 24/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

نتانياهو بين الدولة واللادولة !

نشر بتاريخ: 31/03/2015 ( آخر تحديث: 31/03/2015 الساعة: 10:11 )

الكاتب: دكتور ناجى صادق شراب

نتانياهو لم يتناقض مع نفسه وفكره الليكودى المتشدد الذى يؤمن به، والذى يقوم أساسا على رفض فكرة الدولة الفلسطينية ، والإيمان بفكرة الوطن البديل فى ألأردن، وليس معنى ذلك قيام دولة فلسطينية على حساب الأردن كدولة ، ولكنه يقصد أن لهم دولة .ولقد جاءت تصريحاته أثناء معركة الإنتخابات معبرة ومجسدة لهذا الفكر،والذى صاحبه حالة من العداء والكراهية لكل ما هو عربى وفلسطينى . وكان واضحا وصريحا عندما قال لا للدولة الفلسطينية ، فهو يؤمن بمقولات الفكر الصهيونى الذى يتحدث عن أرض اسرائيل الكبرى ، والأرض الموعودة ، وارض ألأجداد والآباء ، ولذلك ليس غريبا ما قاله والده عنه ان إبنه اى نتانياهو لا يؤمن بفكرة الدولة الفلسطينية ، وان هذا يتناقض مع نفسه، فالدولة الفلسطينية فى فكره وفى الفكر الليكودى تلغى فكرة إسرائيل الدولة والدولة الكبرى، بل تلغى فكرة دولة لكل اليهود.

وبمتابعة وقراءة فكره عبر التصريحات المختلفة ، وقراءة خطبه فى مؤتمرات هرتسليا وخصوصا مؤتمر هرتسليا عام2009 اخلص ان نتانياهو كان واضحا فى رفض فكرة الدولة الفلسطينية ، وإذا كان هناك قصورا فالمسؤولية تقع على الفلسطينيين. وهو عندما يصرح بقبوله بالدولة الفلسطينية فهو يعنى أيضا رفضا لها ، وهنا الشروط اللامتناهية التى يضعها على قيام هذه الدولة ، فهو يشترط دولة منزوعة السلاح بالكامل، وهو ما يعنى سلب الدولة من أهم عناصرها وهو عنصر السيادة ، والتحكم فى كل المنافذ البرية والجوية لهذه الدولة ،اى دولة بلا منافذ ومخارج، ويشترط ان هذه الدولة ليس من حقها ان تعقد إتفاقات مع اى دولة من الدول، والتحكم فى مواردها الطبيعية والمالية وقدراتها الإقتصادية ، ولا يكتفى بذلك بل يضيف شرطا بإعتراف حماس بهذه الدولة ، وإعتراف الفلسطينيين بإسرائيل دولة للشعب اليهودى فقط، وهو ما يعنى التخلص من كل سكان الداخل ، وعبر عن هذا فى التصريحات العدائية ضدهم،وخلق حالة من الخوف والتخويف لدى الناخب الإسرائيلى وتصويرهم أنهم يريدون ان ياخذوا منه دولته مستخدمت كلمة حيالت أى النجدة .

 ولم يكتفى نتانياهو بتساوق بين ما يؤمن به من فكر وبين الممارسة السياسية ، فلقد سخر فترات حكمه الثلاث كلها على ترجمة هذا الفكر إلى واقع على الأرض من خلال التسريع فى عمليات الإستيطان التى قد إلتهمت كل الأرض الفلسطينية التى يفترض أن تقوم عليها الدولة الفلسطينية ، وبمحاولة فصل اى إمتداد لها مع الأردن من خلال التمسك بمنطقة ألأغوار ، وإقامة المستوطنات عليها وبإقامة الحواجز والفواصل الإستيطانية بين المناطق السكانية الفلسطينية ما بين شمال وجنوب وشرق وغرب بكتل إستيطانية يصعب إزالتها. وقد نجح فى الواقع فى قيام دولة إستيطان على حساب الدولة الفلسطينية .

والسؤال ما هى رؤيته للدولة الفلسطينية ؟ وكيف يرى قيام هذه الدولة ؟ اولا تصريحاته لا تعدو ان تكون تصريحات تهدئة للولايات المتحدة لأنه حريص على عدم الدخول فى علاقة تأزم وتوتر مع الرئيس اوباما ، فهو يعرف ان الرئيس الأمريكى يملك مفاتيح تاثير كثيرة لا يمكن لإسرائيل مواجهتها ، ورسالة تهدئة للأوروبيين ، وفى الوقت ذاته رسالة خداع جديدة للفلسطينيين حتى لا يذهبوا بعيدا فى ردود فعلهم، وفهو يدرك ايضا ان الفلسطينيين يملكون خيارت كثيرة يمكن ان تقلب كل خياراته، واما رؤيته تقوم على انه يرى من حوله ومن داخله عنصر الشعب الفلسطينى الذى لا يمكنه تجاهله او التخلص منه، وان هذا الشعب نجح فى تثبيت هويته القومية والوطنية ، ونجح فى إنتزاع إعترافات دول كثيرة ، وإنتزاع إعترافات الأمم المتحدة بحقه فى تقرير مصيره، وقيام دولته على حدود معترف بها ، ونجح ايضا فى فرض بدايات عزلة ومقاطعة على إسرائيل. 

ولذلك هو يتعامل مع فكرة الدولة من هذا المنظور السكانى فقط، فالدولة لديه ليس لها سيادة ، وليس لها جيش وسلاح يدافع عنها ، كل هذه الوظائف تقوم بها إسرائيل الدولة ، وهنا هو يحاول ان يفصل بين فكرة الشعب والذين يعتبرهم أو ينظر إليهم على انهم مجرد كتل سكانية ليس لها حقوق سياسية ، بل حقوق معيشية اكل ومشرب ومسكن ، وغير ذلك ، وتقوم عليهم سلطة حكم ذاتى ترعى أمورهم وتنسق مع إسرائيل فى المسائل السيادية وألأمنية التى هى من سلطة إسرائيل المطلقة ، وأقصى ما يمكن ان يقدمه سلطة أعلى من حكم ذاتى وأقل من دولة سيادية .هذه هى صورة الدولة التى يصرح ويقبل بها . نتانياهو يريد ان يدخل تاريخ زعماء يهود التاريخيين من هذا الباب الواسع، وهو فعلا قد دخله من خلال انه الوحيد الذى حكم أربع فترا ت لم يسبق لأحد أن منح هذا التفويض. لكن ما لم يدركه نتانياهو انه قد فشل خلال حكمه ان يحقق لإسرائيل ألأمن والبقاء، وانه خلق حالة من الكراهية والتحريض غير مسبوقة ، وان حالة الرفض قد زادت ، وانه الوحيد الذى عمل على تشوية صورة إسرائيل ، وليدرك انه لا امن وبقاء لإسرائيل إلا بقيام دولة فلسطينية ديموقراطية مسالمة ، وان هذه الدولة هى حتمية تاريخية وسكانية قصر الوقت أو طال ، ولو أراد نتانياهو أن يسجل له أنه حافظ على إسرائيل فيكون ذلك ان يطرق باب السلام مع الفلسطينيين، ليحل السلام محل الحرب، والتعايش محل الكراهية ، والتكامل محل التنافر.