الخميس: 25/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

بنيامين نتننياهو .. لا جديد تحت الشمس

نشر بتاريخ: 18/05/2015 ( آخر تحديث: 18/05/2015 الساعة: 20:11 )

بقلم: عمر شحادة
استبق بنيامين نتنياهو تشكيل حكومته بالافراج عن اموال الضرائب المستحقة للسلطة الفلسطينية، في رسالة تعبر أفضل تعبير عن حقيقة سياسته المنتظرة والقائمة على ما يسميه بالسلام الاقتصادي والامني ورغبته بأن لا تتوقف "محطة الهدى" للمحروقات في رام الله عن ملء خزانات مركبات الاجهزة الامنية.
تلك الحكومة التي اسفرت ولادتها المتعسرة عن مخلوق سياسي مشوّه، نتيجة لتزاوج عتاة اليمين والتيارات الدينية المحافظة، وهي نتيجة بقدر ما طوحت بأحلام اليقظة للبعض الذي مضى في الرهان على فوز ما سمي باليسار الصهيوني التوأم السيامي لليمين الليكودي، فهي كشفت ايضاً عن حقيقة الانزياح المتواصل نحو أقصى اليمين في مجتمع الاحتلال والاستيطان والعنصرية، وعن عمق المأزق الفلسطيني السياسي التفاوضي واستفحال ازمة خيار واستراتيجية اوسلو.

لقد أكدت الخطوط العريضة لهذه الحكومة التوقعات المبكرة، بأن يستغل بنيامين نتنياهو التقدم الذي شهدته المفاوضات بخصوص الملف النووي الايراني، للذهاب الى ما يشبه السياسة الاستباقية التي تتذرع بتغير الظروف وتفاقم ما يسميه بالمخاطر الامنية والارهاب الاسلامي المتطرف، للتراجع حتى عن مزاعم سابقة في خطابه عام 2009 في جامعة "بار ايلان" حول اقامة دولة فلسطينية مشروطة، رغم المطالب والدبلومسية الدولية الداعية للحفاظ على أنشودة "حل الدولتين" الخادع واستراتيجية ادارة الصراع طويلة المدى.
لا جديد تحت الشمس ما قبل انتخابات الكنيست وما بعدها، فما يسمى بأمن اسرائيل والدولة الفلسطينية المستقلة أمران متناقضان جوهريا وخطان متوازيان لا يلتقيان ابداً، هذا ما يريد قوله لنا بنيامين نتنياهو، الذي وصل بلادنا قادما من بلاد "العم سام" بحثا عن "مكان تحت الشمس"، فضلا عن ما قالته رسائله التي أعقبت خطابه في الكونجرس المتعالي على الرئيس الامريكي باراك اوباما في نهاية ولايته الثانية والاخيرة، بأن "الدولة اليهودية" ليست دولة اجنبية فيما يتصل بعلاقتها مع الولايات المتحدة، بل الحليف الافضل والأشبه بولاية امريكية منقسمة بين حزبي الحمار الديمقراطي والفيل الجمهوري، تماما كما ينقسم اعضاء الكونجرس الامريكي بين حزبي العمل الصهيوني الليبرالي والليكود الصهيوني المحافظ.
وهي حقيقة يجب ان تكبح جماح المراهنين على الاختلاف فيما بين بنيامين نتنياهو و الرئيس اوباما، حول أفضلية تصفية الدولة الايرانية اولاً أم مشروعها النووي، وتلقي الضوء على ثوابت الدعم الامريكي المطلق والمستدام لدولة الاحتلال وأمنها وتفوقها العسكري النوعي وعلى "مكارثية" نتنياهو الزاحفة وشبح الفاشية الذي يحوم فوق رؤوسنا.
كما توضح ماهية حكومة بنيامين نتنياهو الجديدة المتمسك بترسيخ الاحتلال وإشاعة الاستيطان واستقدام آلاف المستوطنين الجدد والتطهير العرقي في كل فلسطين التاريخية وبخاصة في القدس والاغوار والجليل والنقب، والمتذاكي على القادة العرب بزعمه "ان المصالح المشتركة لاسرائيل والدول العربية امام ايران تخلق فرصة لدفع تحالفات وربما لتحقيق السلام"، سعيداً بالقمة العربية الحوْلاء التي تبنت "التحالف العربي" العسكري في اليمن، الذي بات يرى كثير المراقبين فيه، انزلاقا ينطوي على المزيد من انقسام وتفتيت البلدان العربية، واجهاضا مسبقا للدور المصري والامن القومي العربي المأمول.

حكومة ستمضي في مناوراتها بدعوة السلطة الفلسطينية لاستئناف المفاوضات المباشرة، وبتحميل الفلسطينيين مسؤولية غياب عنوان واحد للتفاوض معه، وفي استبدالها لمعادلة مؤتمر مدريد الافتراضية - الارض مقابل السلام، بمعادلة - أموال الضرائب مقابل الامن في الضفة الغربية وتخفيف الحصار مقابل الامن في غزة، لتلوح من جديد دوامة مفاوضات مسقوفة بسلام نتنياهو الاقتصادي والامني وبدولة الحكم الاداري الذاتي السكاني في قطاع غزة ومعازل الضفة الغربية.
فيما يتسابق كثير من المسؤولين والواعظين الفلسطينيين في تحديد ما ينبغي على غيرهم ولا ينبغي ان يقوموا به رداً على نتائج انتخابات الكنيست وحكومتها الدموية الاستيطانية ويكتفون بوصف الواقع بدلا من تغييره، حريٌّ بنا التحرك اولاً للالتزام بمرجعية المؤسسات، كي لا تبقى قرارات المجلس المركزي الفلسطيني الأخير حبرا على ورق، والتي استبقت نتائج انتخابات الكنيست، برفضها مقايضة الحرية وتقرير المصير بالطحين الامريكي وسلام نتنياهو الاقتصادي والتسهيلات المزعومة في التنقل واستيعاب العماله، وأكدت على النهوض بمقاومة شعبنا الشاملة وملاحقة مجرمي الحرب في المحكمة الجنائية الدولية وعقد الاطار القيادي المؤقت لتنفيذ اتفاقية المصالحة، سبيلا لتغيير ميزان القوى المختل لصالح المحتل، وعلى وقف التنسيق الامني الذي تسعى دولة الاحتلال عبره الى تكريس وظيفة السلطة وكيلا امنيا وادارة مدنية بإمرة قائد المنطقة الوسطى في "يهودا والسامرة" تسهر على خدمة عدوها وحماية امنه.
لا حاجة لنا في سلطة لا تغدو مهمتها الحصرية، الدفاع عن شعبها وحماية أمنه ومصالحه الوطنية العليا، وما لم تكن جزء لا يتجزأ من مقاومته واستراتيجيته الوطنية البديلة لاستراتيجية المفاوضات المتداعية، في التصدي لإرهاب حكومة المستوطنين الدموية ومخططاتها الجهنمية، و مَن لا يدرك ضرورة ذلك وأولوية انهاء الانقسام ويفتقر لإرادة الاستجابه لنداء الوحدة، واستعادة مكانة منظمة التحرير ممثلا وحيدا وقائدا لشعبنا في هذه اللحظة السياسية الفارقة والانعطافية، مشكوك في أهليته ليكون في قيادة الشعب الفلسطيني وغير مؤتمن على مصالحه.
لا بديل عن انقاذ النظام السياسي الفلسطيني من الانفجار والتشظي، ولا مهرب من ان ينتفض الشباب والشعب الفلسطيني ليعرب عن رفض شرعية قوى الانقسام وسلطات الامر الواقع درءاً لنكبة أخطر وأكبر، ومن أن تقال كلمة الفصل دون تردد وتسويف: وداعا للمفاوضات والحلول الثنائية، ونعم لمؤتمر دولي فعّال بديلاً لها تحت اشراف الامم المتحدة لتنفيذ قراراتها ذات الصلة وليس التفاوض بشأنها في مجلس الامن الدولي من جديد، ولا مفر من تنفيذ اتفاق المصالحة دون تسويف او انتقاء، وتشكيل المجلس الوطني الفلسطيني على اساس ديمقراطي بوصفه برلمان الشعب الفلسطيني ومنظمة التحرير ودولة فلسطين، ومن انتخاب قيادة وطنية واحدة موحدة لمنظمة التحرير ونضال شعبنا، بوصفها الشرط الحاسم لتتويجه بدحر الاحتلال والظفر بالحرية والاستقلال والعودة.
لن ينجح بنيامين نتنياهو فيما فشل فيه آبائه واجداده وفشلت فيه مذابحهم خلال سبعة وستين عاما من النكبة، بطمس هوية شعبنا وحقوقه الثابتة غير القابلة للتصرف، فشمس حرية فلسطين قادمة لا محالة، مهما توهم واركان حكومته بأن لا جديد تحت الشمس، وجمح بهم الخيال في قدرتهم على الجمع بين الاحتلال وجرائم الحرب والمفاوضات، ووعود الرخاء الاجتماعي لناخبيهم ببركة الليبرالية الجديدة واقتصاد السوق، في كنف ما يسمونه بالدولة اليهودية في بلاد اسرائيل.