الأحد: 28/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

أبو عمار رجل يختصر قضية و قضية تختصر تاريخ

نشر بتاريخ: 11/11/2015 ( آخر تحديث: 11/11/2015 الساعة: 14:21 )

الكاتب: د. نزهة محمد جادالله

عندما يحين وقت رثاء القادة العظام تتوقف قلوب محبيهم عن الخفقان كيف لا و المرثي أعظم من الكلمات و أشمل من حدود العبارات يوم رحيلك سيدي يوم بكت فيه القلوب قبل العيون و السماء قبل الأرض فالتاريخ يحتاج لوقت طويل لترتيب اوراق ياسر عرفات و يتوجب علي أن اجتهد كثيراً لكتابة رثاء في طائر العنقاء الذي ملأ الدنيا و شغل أربع جهات الأرض لأنك لم تمت سيدي لقد غادرنا جسدك فقط أما روحك الطاهرة فقد انطلقت من جسدك لتسكن ملايين الأجساد و تبث فيها روح الصمود و النضال و كأنك وهبت الحياة للآخرين و من يهب الحياة لغيره لا يمت سيدي.

أذكر أنني رأيتك للمرة الأولى في حياتي في تونس عندما كنت في العاشرة من عمري كان ذلك اليوم بالنسبة لي حلم و تحقق كنت من الزهرات مرتدية بدلتي العسكرية وأتلفح بكوفيتي الفلسطينية تقدمت بخطواتي تجاهك و كلما اقتربت كنت أشعر سيدي كم أنت قوي كالبحر عميق كشجرة الزيتون و سلمتك باقة الزهور لتضعها على ضريح الشهداء و بعدها أخذت معك صورة تذكارية زينتها لي بتوقيعك و خطك الاحمر كاتباً (معاً وسويا حتى القدس بعونه تعالى) و الآن و بعد مرور عقدين على هذه الصورة و قد رحلت جسداً الا أنني مازلت أستلهم من روحك الباقية فينا أعظم المعاني التي علمتنا اياها في حب الوطن و الاخلاص للقضية و عشق الأرض.

نعم انت ابوعمار الذي شغل العالم وحير كبار القادة و المفكرين و السياسيين انت الرقم الصعب صاحب البزة العسكرية بلون زيت الزيتون و الكوفية السمراء التي اصبحت الدليل المعنوي و السياسي لفلسطين و رغم رحيلك الا أنك أصبحت اليوم أكثر حضوراً فينا من أي وقت مضى فالعظماء سيدي يرحلون جسداً و يبقون مخلدين فكراً و منهجاً .
سيدي أبو عمار: أتذكر كم مرة انحنى الموت أمامك؟
حتى الموت كان يرتعد خجلا و ارتباكاً منك لانك عظيم انت في مماتك كما كنت في حياتك.

لقد كان الموت خجولاً كيف يتصرف معك هل يستقبلك أم يهرب منك؟ لكنه اطمئن حينما رأى في استقبالك شرفاً له يزين به صفحات الخالدين لديه .
غادرتنا مبتسماً فبدا لك الموت صاغراً مرتبكاً و نلت الشهادة التي كانت مبتغاك و استقبلتك الملائكة مهللة خاشعة لترتيلك نداء الحق و رغم أنك هيأتنا مرات عدة لمشهد وداعك سيدي الا أنه تبقى للحظة الفراق لوعة حينما ألقيت علينا نظرتك الأخيرة مودعأ تشير بعلامة النصر لتعطينا الأمل حتى في أحلك الظروف
استثنائياً كنت في حياتك و في مماتك
أيها الجبل الذي لا تهزه الريح رحلت و لكن روحك ترفرف حولنا
يا قنديلاً لا ينطفىء نوره لأن زيته من شجرة الزيتون التي باركها الله في كتابه العزيز.
أنا يا سيدي لا استطيع التحدث عنك كشخص غائب فأنت يا أبو عمار ماثلاً أمامنا و حاضراً معنا ابداً مشتبكاً مع الواقع و لا زالت روحك دائمة التحليق في فضاء فلسطين تبعث الامل المتجدد بالنصر و الحرية .
عاشت ذكراك حية باقية في قلوبنا ما دام الليل و النهار و لانامت أعين الجبناء
ان العين لتدمع و ان القلب ليجزع و انا على فراقك يا ياسر لمحزونون