الأحد: 28/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

الكتاب المقدس أدق من علماء الاثار

نشر بتاريخ: 11/11/2015 ( آخر تحديث: 11/11/2015 الساعة: 10:06 )

الكاتب: إبراهيم فوزي عودة

من حقنا أن نقرأ الكتب وأن نتعمق في فهمها وأن ننتقد اذا صدرت أخطاء وخاصة عندما يكون الكتاب يتحدث عن حضارة وتاريخ شعب . لقد اطلعت على كتاب أريحا تاريخ حي عشرة ألاف سنة من الحضارة وهنالك معلومات جيدة عن تاريخ وحضارة أريحا . ولكن ما لفت نظري واستوقفني مقدمة الكتاب ،حيث هنالك أخطاء ذات أهمية دينية وتمس بالديانات اليهودية والمسيحية حسب ما جاء في التوراة والانجيل وهو تكرار وتأكيد مقولة عالمة الأثار البريطانية كاثلين كينيون ، أن أبحاثها في تل السلطان أريحا القديمة تناقض ما جاء في التوراة اذ أنها لم تكن مسكونة زمن استيلاء يشوع بن نون على مدينة أريحا ولم تسقط أسوارها على وقع قرع الطبول ونفخ الابواق كما تفيد الرواية التوراتية ، هذا حسب التحليل الأثري الذي اعتمدته هذه العالمة . ولكن هنالك سيرة مجموعة كبيرة من علماء الأثار السابقين والحاليين علينا أن نقرأ كتبهم واستنتاجاتهم بهذا الموضوع.وللرد على ذلك لدي بعض الملاحظات في هذا الموضوع :

1 - ان عالمة الاثار البريطانية كاثلين كينيون وأبحاثها في تل السلطان أريحا القديمة أنها كتبت رأيها الخاص بها فيما يتعلق حول الأثار التي وجدتها في تل السلطان وأنها وقعت في الخطأ لأن الحقائق الاثرية والدينية تثبت عكس ما قالت .

2 – ان شعب العبرانين الذي خرج من أرض مصر ابان حكم فرعون رعمسيس وتحتمس كان يقدر تعداده (603550 )ستمائة وثلاثة ألاف وخمسمائة وخمسون انسانا ( نسمة ) الذين كانوا برفقة النبي موسى عليه السلام وأخيه هارون عليه السلام وقد تاهوا في برية وصحراء سيناء مدة أربعين عاما حسب ما جاء في الكتب المقدسة ( التوراة والانجيل والقرأن ) وقد مات جميع اللذين خرجوا من مصر بسبب تذمرهم على الله بين الحين والأخر حتى بروز جيل جديد من احفادهم اللذين قادهم يشوع بن نون للاستيلاء على فلسطين ويقدر تعدادهم بأربعين ألف رجل حرب عدا النساء والاطفال والشيوخ .

وليفهم القارئ لو فرضنا أن مساحة تل السلطان حسب ما جاء في شرح هذا الكتاب (10 ) عشرة هكتارات وفي هذه المساحة للهكتار الواحد من المفروض والتقدير أن يعيش فيه مائتي (200) شخص ضرب 10 يساوي ( 2000) الفين شخص في العشرة هكتارات وهذا عدد الناس اللذين كانوا موجودين أثناء اقتحام بني اسرائيل لتل السلطان حسب زعمهم (الاثريين) . وما جاء في التوراة أن الشعب الساكن داخل هذه الاسوار احس بالخوف والجبن عندما سمع عن قدوم بني اسرائيل بكثافة كبيرة تقدر باربعين الف محارب عدا عن الشعب الذي يسير خلفه وما جرى للشعوب التي قتلها هؤلاء المحاربين في طريقهم الى فلسطين وشرق الاردن وليفهم القارئ أن سيلا بشريا قوامه هذا العدد الكبير يتقدمهم قارعوا الطبول ونافخي الابواق ومستلي الرماح ، فما هو مصير هؤلاء الألفين من الناس المتمترسين خلف حجارة الأسوار القديمة الأيلة للسقوط والسؤال هنا الا تسقط المدينة الصغيرة تحت أقدامهم وهل يبقى حجر على حجر من هذه السناسل ؟ ألا تتبعثر هذه الحجارة وتنتقل الى أماكن أخرى لبنائها في مواقع جديدة.

3 – ان عالمة الأثار البريطانية كاثلين كينيون لم تقدر أو تخمن بوجه الخصوص المعطيات التاريخية والدينية للحقائق وعلى هذا أقول ان بناء أسوار وتحصينات في تل السلطان في العصر البرونزي الوسيط والوسيط الثاني ( 1800 – 1550 ) ق.م حسب التنقيبات لهو دلالة قوية على وجودها وأنها كانت مسكونة في الفترة التي استولى فيها يشوع بن نون عليها في الفترة الواقعة بين ( 1500 ) الى ( 1250 ) ق . م وللتعليق نقول : هل تريد هذه الباحثة الاثرية أن تهدم هذه الاسوار لان تقسيم مراحل التطور الاثري لا يتوافق مع هذا التاريخ .وهل من المفروض أن يقوم السكان الجدد بهدم هذه الاسوار وبناء أسوار جديدة مغايرة للواقع القديم. والاصح للواقعة أن هذه الاسوار بقيت على حالها ومن المفروض أنهم ( في العصر البرونزي الحديث الأول والعصر البرونزي الحديث الثاني ) قد أكملوا بناء الأسوار ورفعوها الى ارتفاعات عالية مما مهد لانهيارها بسبب ضعف الأساسات القائمة عليها وعلى قوة الاحداث التي جرت عليها من الاحتلال الجديد وقوامه يزيد عن نصف مليون نسمة بين محاربين وشعب .

وهنا لا بد من ملاحظة ، لنأخذ مثلا أسوار مدينة القدس التاريخية فانما قد هدمت عدة مرات وتغيرت مواقعها حسب الحاجة والتطورات البشرية وكانت الاسوار تبقى على حالها لمئات السنين والعصور التي شهدتها وكانت في كل مرة تحصل حروب ودمار كان الشعب الساكن فيها يعود ويقوم باضافة أو ترميم على الأسوار حسب شهادات الكتاب المقدس والاثار .وأخر هذه الاسوار السور الحالي لمدينة القدس الذي بناه الخليفة سليمان القانوني والذي شهد من المحررين والغاصبين المحتلين الكثير . وفي عهود مختلفة وهو كما هو لم يتغير فمن الفرنجة ،المماليك ،الايوبيين ،الاتراك ، المصريين ،الانكليز،الاردن ،والاسرائيليين ولم يتحرك أو يهدم طيلة فترة طويلة من الزمن تقدر بمئات السنين . فهل كان من الواجب هدم هذا السور كلما جاء محتل جديد أو محرر جديد .

4 – ان منطقة أريحا القديمة عند الاستيلاء عليها لم تكن مرتبطة بمنطقة مأهولة واحدة بالسكان ولعلماء الاثار الذين قاموا بالبحث الاثري سابقا لم يتوصلوا الى حقائق ثابتة معينة ولم ينكروا أو يكتبوا بما يخالف الكتب المقدسة ، ولكن الأكثرية منهم بحثوا في منطقة تل السلطان لسببين اثنين ، الأول لأن تل السلطان في البداية ظهرت فيه بعض الأثار المكشوفة على وجه الأرض والسبب الثاني وجود نبع مياه صالحة للشرب وهو نبع عين السلطان لهذا السبب اعتقد بعضهم أي الأثريون أن هذا الموقع هو مدينة أريحا القديمة . وذهب هؤلاء الاثريون وكتبوا ما كتبوا ولكن المستور لم يكشف بعد وأن ظهر جزء بسيط كتل السلطان فلا يعني أن هنا نهاية المطاف .واعتقد أن الاكتشافات الحديثة تبرز تاريخ جديد لأريحا نستطيع من خلاله أن نقول أن الاكتشافات الحالية لا تمثل الا الجزء اليسير من أريحا القديمة والمعطيات كثيرة ففي أريحا عدة ينابيع للمياه الصالحة للشرب لاقامة الحضارة الانسانية فمنها عين السلطان ،النويعمة ،الديوك ،العوجا ،القلط ،الفوار ،فارة ،بيت حجلة ،مجاري نهر الاردن ،فصايل وعين الفشخة وغيرها مما يعطينا ترابط تاريخي بين هذه الينابيع والحضارة التي قامت عليها . فاكتشافات خربة قمران ومسعدة وتلال ابو العلايق ( قصور الحشمونيين وهيرودس وكليوباترا ) والدور القادم هو مكتشفات وادي القلط والحضارة التي قامت عليه وكذلك منطقة دير حجلة ومصب نهر الاردن ووسط أريحا الحديثة ، ومخيم عقبة جبر. اذا لماذا نقع في أخطاء فرد واحد ونضلل أجيال بأكملها في تزوير التاريخ لمجرد رأي خاص لعالم أثار أو مجرد كتابة مقدمة لكتاب . .

5 – اذا كانت هذه الحادثة غير صحيحة كما تدعون فهل يستطيع أي عالم أثري بمن فيهم كاثلين كينيون أن ينكروا الاكتشافات والقرائن التي تثبت صحة ما جاء في التوراة وأن ينكروا حملة يشوع بن نون واحتلاله لفلسطين من قبل اليهود القدامى ، اعتقد انهم لن يستطيعوا انكار ذلك لهذه الاكتشافات الكثيرة في أماكن كثيرة في فلسطين التاريخية وفي نفس الموقع ألم يجدوا قبور أريحا القديمة في الفترة التي تتحدث عنها والهياكل العظمية التي وجدت والادوات التي كانوا يستعملونها في تلك الفترة ( بالامكان مراجعة المكتشفات المصرية الحديثة والكتابات المنقوشة والمخطوطات والمسلات التي تحكي عن جميع الفتوحات لتلك الفترات من التاريخ المصري الدولة الجديدة وتل العمارنة ومسلة الاردن والشعوب في الشرق الأوسط وأكثرها فلسطين .

6 – وأخيرا لو افترضنا أن التاريخ غير صحيح وأن التوراة لم تقدم الدليل الصحيح فمن أين وصلتنا هذه المعلومات باسماء المدن والقرى والمواقع التي لازلنا لهذا اليوم ننطق باسماءها القديمة كاريحا ، اورشليم ، بيت لحم ، نابلس ، بيسان ، اشدود ، غزة ، مخماس ، جبع وحبرون وكل مدننا وقرانا الفلسطينية الحالية ، واننا اذا انكرنا هذا التاريخ الذي بنينا عليه معتقداتنا كلها فاننا ننكر وجودنا كفلسطينيين على هذه الأرض التي وقفنا ندا صامدا طوال تاريخنا الطويل أمام الاحتلال الاسرائيلي القديم والحديث ،وللتاريخ حق علينا أن نذكره بحسناته وسيئاته، لأن علم الأثار والحفريات يقدم لنا كل يوم مفاجأت علمية سارة ، فربما يقدم لنا المستقبل حلا سليما ومنطقيا لهذه الأراء المفترضة من قبل بعض التائهين في بطون الارض وحجارة التاريخ .والاكتشافات الحديثة لمنطقة اريحا القديمة قد اظهرت الحقائق الجديدة شرق نهر الاردن بوجود الحقائق الدينية في هذه المنطقة . ويستطيع كل عالم وباحث اثري ان يطلع ويزور المواقع ليتحقق من صحة هذا الحديث .

وكما قال المؤرخ حنا جرجس الخضري في كتاب( تاريخ الفكر المسيحي) : ليعرف الاثريون والعلماء انهم يحتاجون الى الله أكثر من حجارة الأرض وأثارها وأن الله لا يمكن أن يترك نفسه بلا شاهد في أي عصر من العصور ، ولا بد أن يعلن ذاته بطريقة أو باخرى .وعلى ذلك فان كثيرين يعتقدون بأن هذه الفترة التي تدعى فترة الصمت لم تكن في الحقيقة فترة صمت بل فترة صلاة وحركة نضال وحرب وسفك دماء وكفاح ونجاح واستقلال وحرية .
وللامانة العلمية طلبت من الباحت يعقوب الياس الاطرش مساعدتي في النواحي الاثرية للموضوع ، فهو باحث ومطلع على العديد من الكتب التاريخية والاثرية. كذلك استشرت اهل الرأي وأكدوا أنه مهما تواجدت أدلة من التنقيبات ( وهي غير موجودة ) لا يجوز تكذيب الكتب المقدسة .