الثلاثاء: 15/10/2024 بتوقيت القدس الشريف

أزمة الخريجين بين مطرقة الانقسام وسندان الحصار

نشر بتاريخ: 03/01/2016 ( آخر تحديث: 03/01/2016 الساعة: 10:42 )

الكاتب: صالح زيدان

1. يعتبر العام 2015 الأسوأ في الاقتصاد الفلسطيني وخصوصاً في قطاع غزة وذلك كأثر مباشر وغير مباشر لتبعات الحصار والحروب الإسرائيلية ضد قطاع غزة خاصة الحرب الثالثة في يوليو– أغسطس للعام 2014 .
وتعد مشكلة الخريجين من المشاكل المستعصية التي يعاني منها قطاع غزة حيث أن هناك ارتفاع كبير وحاد لأعداد الخريجين العاطلين عن العمل وبلوغهم لنسب كبيرة إذ تعتبر الأعلى عالمياً وفقاً لتقارير دولية .

إن الشباب الفلسطيني من سن15 إلى 29 سنة وفي قلبهم الخريجين يمثلون ثلث المجتمع وهم أبطال الانتفاضات الفلسطينية وفي مقدمتها انتفاضة الشباب المتواصلة للشهر الثالث على التوالي، أنهم بحق صناع التغيير وبناة المستقبل.
التحديات التي يجابهها الشباب الفلسطيني وخاصة الخريجين وفي مقدمتها البطالة والفقر تضغط بقوة لمضاعفة الجهود لمعالجة هذه المعضلة الخطيرة والاهتمام بتطلعات وطموح الشباب الفلسطيني من اجل مزيد من استنهاض طاقاته للخلاص من نير الاحتلال واستيطانه وإرهابه.
وتعتبر بطالة الخريجين وخاصة خريجو غزة أحد أهم العناوين الخطيرة للكارثة الإنسانية التي يعاني منها القطاع الصامد، والتي تبلغ حسب إحصائيات الربع الثالث للمركز الفلسطيني للإحصاء 45.5%، بينما تبلغ نسبة البطالة العامة في غزة 42.7% وتتجاوز البطالة في صفوف النساء 63.3 %. في حين تزيد نسبة الفقر عن 40% .

2. مشكلة بطالة الخريجات والخريجين في غزة ناجمة عن ضآلة فرص العمل نتيجة الضعف الشديد لقدرة القطاع الخاص على استيعابهم، وإغلاق باب التوظيف في القطاع في وجوههم منذ حزيران (يونيو) 2007. وتتفاقم المشكلة مع ازدياد عددهم السنوي في غزة والذي بلغ في العام 2014 – 2015 18815)) خريجاً مناصفة تقريباً بين الإناث والذكور، وذلك من أصل أكثر من 40 ألف خريج في الضفة وغزة.
لكن مأساة الخريجين لا تبرز فقط بقلة وندرة فرص العمل وإنما كذلك فيماً يضطرون للعمل في غير تخصصهم أو في تلقيهم لأجور أقل من الحد الأدنى للأجور. ولعل فداحة الأزمة تظهر في عدد المتقدمين لطلبات وظيفة مدرس للأونروا عندما أعلنت عن حاجتها لـ200 وظيفة للمعلمين لسنة 2014 – .2015 فتقدم لها أكثر من 27000 طلب توظيف، وعدد من انطبقت عليهم المعايير بلغ 22205 متقدم منهم 17500 من الشابات.

إن خطورة هذه المشكلة تتلخص في أن التحصيل العلمي المرتفع لا يحمي من البطالة وأن الشهادة ليست مفتاح العمل. وهو ما يجعل البطالة بشكل عام وبطالة الخريجين بشكل خاص أشبه بالقنبلة الموقوتة، نظراً للتداعيات السلبية لوجود مئات الآلاف من الشابات والشبان دون عمل وإنتاج.
إن مكافحة البطالة والفقر، ومن ضمنها بطالة الخريجين تتطلب على المستوى الفلسطيني خطة اقتصادية واجتماعية متكاملة وبديلة، تسعى لتحقيق أقصى درجة ممكنة من التقدم الاجتماعي، مع الأخذ بعين الاعتبار افتقاد السلطة الفلسطينية للسيادة وتواصل الحصار والصراع مع الاحتلال والاستيطان.
طبعا هذه الخطة البديلة ينبغي أن تأخذ بعين الاعتبار التدمير الاحتلالي للبنية الأساسية للاقتصاد الوطني والقيود المجحفة لاتفاق باريس الاقتصادي والسياسة الإسرائيلية التوسعية والعدوانية وحالة الحصار وعدم الاستقرار الناجم عن استمرار الاحتلال والاستيطان والعدوان .
ولكن إلى جانب هذا، هناك عوامل ناجمة عن سوء السياسات الفلسطينية هناك إمكانية وضرورة لتصحيحها وبشكل خاص ضرورة التقليص المتواصل للاعتماد على العون الخارجي وهو ما وصلنا له عام 1999 عندما كانت الإيرادات المحلية كافية لتغطية النفقات الجارية، بينما وجهت المساعدات لدعم الموازنة التطويرية.

والمسألة الثانية والأهم هي إنهاء الانقسام المدمر في 14 حزيران (يونيو) 2007 والذي نجم عنه انفصالاً سياسياً ومؤسساتياً بين جناحي الوطن، وأدى إلى تشديد الحصار على قطاع غزة وبطء عملية الاعمار الذي يفاقمه نقص التمويل. حيث لم تتلق 47000أسرة الدفعة الأولى من مستلزمات الاعمار، ولم تتمكن حتى الآن 7200 أسرة من البدء باعمار مساكنهم المدمرة كلياً. ويفاقم كارثة الحصار تداعيات الحروب الإسرائيلية الثلاثة المدمرة على قطاع غزة. فالانقسام والحصار والعدوان قاد إلى انهيار اقتصادي ومعاناة إنسانية تفوق الوصف، وشلل واسع في الأجهزة الإدارية الحكومية في قطاع غزة وتراجع حاد في خدماتها رغم استهلاكها لحدود 43% من مجموع الإنفاق العام للسلطة.
كما أدى الانقسام إلى اشتداد حدة التجاذبات السياسية على المرافق والخدمات العامة ليزيدها تدهوراً وسوءاً وتردياً.

3. سلطة الحكم القائم في غزة لا تملك رؤية للتنمية تخرج عن الإطار العام للسياسة الاقتصادية للسلطة الفلسطينية والقائمة على اقتصاد السوق والتجارة الحرة والتي لا توفر حماية للمنتج المحلي عبر تشجيع وتطوير المقاطعة الرسمية والشعبية الشاملة للمنتجات الإسرائيلية، وبالتالي لا تعطي القطاعات الإنتاجية فرصاً للتطوير، وتدفعها للتراجع المضطرد والتدهور والشلل وتولد اقتصاداً استهلاكياً. وخاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن حجم البطالة غير المسبوق في غزة يفوق حجم البطالة العالي أصلاً في الضفة والبالغ 18.8% . كما أن بطالة غزة هي من أعلى مستويات البطالة في العالم.

ومع ذلك يعاني القطاع من ارتفاع جنوني للأسعار بلغ ثلاثة أضعاف مستوى ارتفاعه المرتفع أصلاً في الضفة في العام 2014 وذلك نتيجة الارتفاع الحاد للضرائب من سلطة حماس والتي بلغت مع إغلاق الأنفاق وفرض ضريبة التكافل الذروة. وهي ضرائب لا يقابلها خدمات بل تستخدم لتمويل الأجهزة الأمنية والإدارية لسلطة حماس على الأرض نقيضاً لكلامها عن ترك حكومة التوافق والتي لا وجود لها على أرض غزة .
ووصل الأمر من اجل الحفاظ على السلطة وجهازها إلى حد توزيع الأرض الصغيرة أصلا في قطاع غزة مقابل مستحقات الموظفين، بدلاً من حل مشكلة الموظفين المحقة من خلال العمل على تطبيق اتفاقات المصالحة.

بينما يشتد الحصار الإسرائيلي ويبقى معبر رفح مغلقاً دون حل ويتحول إلى عنوان بارز لمأساة غزة التي تضرب كل أركان حياته، وتنزل الكوارث بالعديد من فئاته وخاصة المرضى والطلاب وأصحاب الإقامات، والحاجة للسفر أو العودة لغزة لألف سبب وسبب. وتذهب أدراج الرياح التصريحات المتكررة لبعض المسؤولين عن التوصل لاتفاقات أو تفاهمات على آليات تشغيله والتي لا يتفق بها المواطن الفلسطيني.
وفي هذا السياق تأتي ضرورة استجابة حركة حماس لمبادرة معظم القوى الوطنية والإسلامية بتسليم معبر رفح لحكومة التوافق الوطني من اجل فتحه بشكل دائم ومعالجة احد المآسي الكبرى لمليونين من سكان قطاع غزة، وكذلك إلغاء الضرائب الباهظة ووقف توزيع أراضي غزة على الموظفين، وحل مشكلتهم من خلال المصالحة الوطنية.

بالمقابل وبدلاً من شق الطريق للمصالحة تم اللجوء إلى تعديلين وزاريين على حكومة التوافق الوطني، وهما لم يغيرا شيئاً على فعاليتها المعدومة في قطاع غزة وبقيت قرارات المجلس المركزي في آذار مارس 2015 دون تنفيذ، وذلك بدلاً من تطبيقها وسلوك طريق الشراكة عبر الحلول الوطنية بديلاً للحلول الثنائية الفاشلة من خلال إزالة العقبات من طريق تطبيق اتفاق القاهرة في 4/5/2011 بالتقدم نحو تشكيل حكومة وحدة وطنية تشق الطريق لطي صفحة الانقسام السوداء، ومن خلال عقد اجتماع لهيئة تفعيل وتطوير م. ت. ف واعتبارها لجنة تحضيرية لعقد دورة المجلس الوطني الفلسطيني بمشاركة الكل الفلسطيني.
لقد طال الانقسام ومعه ازدادت حدة الكارثة الإنسانية في قطاع غزة وتدهورت الأوضاع المعيشية والخدماتية ومعها انقطاع الكهرباء إلى حدود الانهيار وتفاقمت حالة التفرد لدى السلطتين، مما جعل فئة صغيرة تزداد ثراءاً بينما الأغلبية الساحقة من المواطنين تزداد فقراً. والشعور أصبح في غزة أن لا جهة مسؤولة سواء في غزة أو رام الله تهتم بشؤونهم وتعمل على حل قضاياهم ومشكلاتهم.

إن هذا يجعل من إنهاء الانقسام البغيض أولوية قصوى لانتشال غزة من الدرك الأسفل من الجحيم وكسر الحصار وإعادة الاعمار. وتحقيق ذلك لا يكون إلا باستنهاض أوسع ضغط وطني وشعبي على طرفي الانقسام فتح وحماس. وهو ما يتطلب تعاون وشراكة واستنهاض قوى الوحدة الوطنية من الفصائل وخاصة قوى التيار الديمقراطي ومؤسسات المجتمع المدني وأصحاب القضايا والمشكلات الحادة أصحاب المصلحة الحقيقية في إنهاء كارثة الانقسام. وهي قضية تأخذ أهمية خاصة على الصعيد الوطني من اجل حماية الانتفاضة الجماهيرية وتحويلها إلى انتفاضة شاملة، والتي من ضمن أبرز مقوماتها وتعزيز الصمود من خلال سياسة اقتصادية واجتماعية توزع العبء بعدالة بين طبقات المجتمع.

4. إن الإستراتيجية الاقتصادية والاجتماعية البديلة تهدف إلى معالجة ملموسة لمشكلتي الفقر والبطالة ومن ضمنها بطالة الخريجين وبتعاون القطاعين العام والخاص مع أولوية الاعتماد والتركيز على دور القطاع العام وعبر حفز النمو الاقتصادي بتشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة ودعمها المتواصل وحمايتها وإعطاء الأولوية للمناطق المتضررة من العدوان ولإعمار قطاع غزة وكسر الحصار.
إن تعزيز قدرة المجتمع على الصمود في مواجهة سياسات الاحتلال ومن اجل الاستقلال الوطني تتطلب تكامل سياسات حفز النمو الاقتصادي مع السياسات الاجتماعية الهادفة إلى تكثيف الاستثمار في الرأسمال البشري لتحسين مستوى التعليم والتأهيل المهني والخدمات الصحية والتوزيع العادل لنتائج النمو الاقتصادي.

إن المدخل لتوفير الأدوات لتنفيذ هذه السياسة الاجتماعية هو إعادة النظر في بنود الموازنة العامة وتصحيح أولوياتها وذلك من خلال تقليص الحصص الكبرى لقطاعات الأمن والإدارة العامة ورفع مخصصات التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية، وتشجيع المقاطعة الشاملة وخاصة المجتمعية للمنتجات الإسرائيلية.
فالهدف من تلك السياسة الاجتماعية هو تعزيز التضامن والتكافل وتقليص الفوارق بين الطبقات من اجل وحدة المجتمع في مواجهة الاحتلال وتوفير مستلزمات الاستقلال الوطني، مما يتطلب رعاية الفئات الأكثر تضرراً من الاحتلال والعدوان الإسرائيلي وحماية مصالح العمال وصغار الموظفين وتمكين المرأة والشباب والضغط على وكالة الغوث لتحسين خدماتها .

ملاحظة: قدمت هذه الورقة خلال ندوة حوارية بعنوان "أثر الانقسام على واقع ومستقبل الخريجين في قطاع غزة" نظمها منتدى الخريجين بمشاركة وزير العمل مأمون أبو شهلا وعقدت بالنصف الثاني من شهر ديسمبر 2015 في قاعة جمعية المغازي للتأهيل المجتمعي في المحافظة الوسطى.