الجمعة: 03/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

اعدام الشيخ النمر . . خروج على الحاكم أم معارضته ؟

نشر بتاريخ: 10/01/2016 ( آخر تحديث: 10/01/2016 الساعة: 09:59 )

الكاتب: د. وليد القططي

بعيداً عن الصراع الإقليمي بين السعودية وإيران ، وأكثر بعداً عن الصراع المذهبي بين الدولتين الإسلاميتين ، تبرز قضية إعدام الشيخ نمر باقر النمر في السعودية باعتبارها قضية لها علاقة بأزمة فقهية لها وجهان أحدهما الخلط بين مفهومي المعارضة لنظام الحكم والخروج عليه ، والآخر استخدام الدين سيفاً في يد الحاكم لقمع معارضيه ، فالقضية لا تتعلق بانتماء الشيخ النمر المذهبي بل بموقفه المعارض لنظام الحكم في السعودية ، ولو تبنى هذا الموقف أحد علماء السُنة في السعودية لواجه نفس المصير . ومن هنا يأتي الخطأ في إعطاء القضية بُعداً مذهبياً يؤجج الصراع المذهبي في المنطقة ، وإذا كان انغماس عامة الناس في هذه الفتنة خطأ ، فإن انغماس النخبة من العلماء والمفكرين والكتاب والإعلاميين وغيرهم خطيئة أكبر ، ذلك بأنهم أكثر الناس قدرة على إشعال نار الفتنة وصب زيت الفرقة والانقسام والكراهية والعداوة لتأجيج لهيبها ، كما أنهم أكثر الناس قدرة-إذا أرادوا- على إطفاء نار الفتنة ، وصب ماء الوحدة والتلاحم والحب والإخوّة لإخماد لهيبها .

اُتُهم الشيخ نمر النمر بعدة تهم أخطرها (الخروج على ولي الأمر) وهي تهمة معروفة في الفقه الإسلامي بعقوبتها الشديدة وهي (الاعدام) ، ومن خلال استقراء تفاصيل التهمة يمكن الاستنتاج بأنها تتعلق بمعارضة نظام الحكم والتهجّم اللفظي على الحكام أو نقدهم واتهامهم بالظلم لا تصل إلى مسألة الخروج على ولي الأمر التي اُدين بها ، وهذا يعتبر خلطاً بين مفهومي معارضة الحاكم والخروج عليه ، تعبّر بدورها عن أزمة في الفقه السياسي الاسلامي تعبّر بدورها عن أزمة الفقه الإسلامي عامة التي يُعير عنها بجدلية الجمود والتجديد ، الجمود على الموجود من تراث السلف والاكتفاء به ، والأخذ بنظرية أفضلية السلف على الخلف ومقولة ليس في الإمكان أحسن مما كان . أما التجديد الذي يتجاوز الموجود من تراث السلف ليواكب مستجدات ومتغيرات العصر مع الحفاظ على جوهر الدين وأصوله وروحه ، والذي يعتمد على الاجتهاد الذي يحقق خلود الدين الإسلامي انسجاماً مع الحديث النبوي الشريف الذي رواه أبو داود عن أبي هريرة –رضي الله عنهما - " إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها ".

وإذا كان تجديد الفقه الإسلامي في إطار الضوابط الشرعية المعروفة هو الحل لأزمته ، فإن جمود الفقه الإسلامي هو تعميق لهذه الأزمة ، التي من مظاهرها الخلط بين الخروج على الحاكم وتوجيه النقد له ومعارضته ، كما حدث في قضية الشيخ النمر ، فالخروج على الحاكم أي الثورة المسلحة ضد نظام الحكم أو محاولة الانقلاب عليه في المفهوم الحديث عقوبتها الإعدام في الشريعة والقانون غالباً ، أما معارضته ونقده ومحاولة تصحيح مسار الحكم وتقويم اعوجاجه ومقاومة استبداده وفساده فأمر مختلف عن الخروج على ولي الأمر ، هذا إذا كان ولي الأمر قد تم اختياره بطريقة شرعية والتي تتم في المفهوم الشرعي باختيار أهل الحل والعقد له أي ترشيحه ثم مبايعة المسلمين له أي انتخابه ، وبالتالي يتم عقد الخلافة بين الحاكم والشعب ، هذا الحاكم الذي لا يتم الخروج عليه بالثورة أو الانقلاب ، بل يتم عزله إذا أخل بشروط البيعة دستورياً أو شعبياً .

ولقد قيّد معظم علماء السلف الخروج على الحاكم في أضيق الحدود استناداً إلى نصوص الحديث الشريف وأهمها الكفر البواح الصريح للحاكم ، وعدم إقامته للصلاة بين المسلمين ، وشددوا على طاعة الحاكم والانصياع له في غير معصية ، وإن كان فاسقاً أو جائراً ، حتى لو كان حاكماً سيطر على الحكم بقوة بدون إرادة الأمة أو الشعب ، وهو المعروف في الفقه بإمارة التغلّب أو القهر بدون اختيار المسلمين وإرادتهم ، فأضفوا الشرعية على حكمه درءاً للفتنة ومنعاً للفوضى وحقناً للدماء ، وهذا يعني تفصيل الأحكام الشرعية لتناسب الأمر الواقع بدلاً من ان تكون معياراً لصحته وضابطاً لصلاحية الحكم .

وإذا كان هؤلاء العلماء قد قيدوا الخروج على الحاكم ، فإن النصوص الشرعية - القرآن والسنة - لم تقيّد معارضة الحاكم ونقد نظام الحاكم ، بل أنها جعلت الأساس في خيرية هذه الأمة بعد الإيمان بالله هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وفرضت على المسلمين تغيير المنكر بالوسائل المتاحة كاليد أو اللسان أو القلب ، وجعلت كلمة حق عند سلطان جائر أفضل الجهاد ، ومن قُتل من السلطان الجائر مع سيد الشهداء حمزة عم الرسول عليه الصلاة والسلام ، وجعلت عدم الأخذ على يد الظالم من موجبات العقاب في الدنيا والآخرة ، وتراث الخلفاء الراشدين-رضوان الله عليهم - ملئ بحث الناس على تقويم الاعوجاج – ان وجد – فيهم ، وقول كلمة الحق أمامهم ، وتقديم المشورة لهم .

وبعد كل هذه الأهمية للمعارضة السياسية للحاكم ونظام الحكم في الاسلام نجد هذه الأنظمة الحاكمة مستعينة بعلماء السلطان وفقهاء الكتب الصفراء تحشرها عامدة أو جاهلة في زاوية الخروج على الحاكم والتمرد على ولي الأمر ليسهل القضاء عليها وإنهائها ليتربعوا على كرسي الحكم وعرش المُلك المبنى على حُطام الرؤوس المقطوعة والجماجم المهشّمة والظهور المجلودة من أبناء شعبهم .