الأربعاء: 13/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

غزة ليست للبيع أو حديقة خلفية لأحد

نشر بتاريخ: 19/01/2016 ( آخر تحديث: 19/01/2016 الساعة: 15:27 )

الكاتب: د.ابراهيم أبراش

لم يكن الشعب الفلسطيني يوما ناكرا لجميل كل من يقدم له الدعم والمساندة في نضاله ضد الاحتلال ومن أجل الحرية والاستقلال سواء كان هؤلاء دولا أو أحزابا أو أشخاصا . هناك من يقدم مساعدات بصمت ودون انتظار مقابل أو ثمن، من منطلق أن القضية الفلسطينية قضية عادلة والواجب الوطني والقومي والديني والإنساني يحتم دعم شعب يناضل من أجل الحرية، ولكن للأسف هناك دول وحركات سياسية تقدم دعما ومالا للفلسطينيين ليس انطلاقا من واجب قومي أو ديني بل لخدمة مصالحها وأجندتها الخاصة في المنطقة، وتقدمه بطريقة مستفزة واستعراضية وبما يعزز حالة الانقسام الفلسطيني، وبالتالي يكون دعمها مضرا بالقضية .

لن نعود لتاريخ علاقة الفلسطينيين مع الدول العربية والإسلامية وكيف ناضل الراحل ياسر عرفات من أجل الحفاظ على استقلالية القرار الوطني والحيلولة دون إلحاق القضية الفلسطينية بهذا النظام أو ذاك أو هذه الحركة الحزبية العقائدية أو تلك من خلال الدعم المالي والعسكري الذي كانت تقدمه هذه الأطراف لبعض الفصائل الفلسطينية ومحاولتها إلحاق القضية الوطنية بأجندتها ومشاريعها الخاصة. ولكن سنتحدث عن خطأ قوى سياسية فلسطينية لم تدرس التاريخ جيدا ولم تستفد من تجارب الماضي، وحولت الساحة الفلسطينية لحقل تجارب فاشلة. كان من الممكن لو تم تحكيم العقل، تجنيب الشعب الفلسطيني كثيرا من المآسي والخراب والدمار .

قبل الاستطراد لا بد من التأكيد أن السياسة والعلاقات بين الدول تقوم على المصالح ولا توجد دولة تقدم دعما ماديا أو سياسيا لدولة أو جماعة أجنبية إلا بما يخدم مصالحها المباشرة أو غير المباشرة، على المدى القريب أو المدى البعيد. قد تقوم أحيانا علاقات على أسس أيديولوجية سياسية أو دينية أو قومية، إلا أن هذه العلاقات لا تدوم طويلا، وفي حالة حدوث أية خلافات يتم تقديم المصالح الوطنية على كل الاعتبارات الأخرى حتى وإن كانت رابطة دينية أو قومية. وبالتالي ما يجري اليوم من محاولات بعض الدول وخصوصا قطر وتركيا لتوظيف معاناة الشعب الفلسطيني وخصوصا في قطاع غزة لتعزز حضورها في المنطقة أو لتعيد ترتيب علاقاتها مع إسرائيل على حساب كل الشعارات الكبيرة التي تم رفعها قبل ذلك، لا يخرج عن سياق ومنطق السياسة الواقعية، والمشكلة ليس في هذه الدول فقط بل في الأطراف الفلسطينية التي تعتقد أن هذه الدول يمكن أن تضحي بمصالحها القومية لإرضاء نزوات ومصالح جماعة فلسطينية أو حتى لصالح الشعب الفلسطيني.

تركيا تطلب من إسرائيل السماح لها بموضع قدم ومشاركة في إدارة غزة لتغطي على صفقة المصالحة بينها وإسرائيل، والسفير القطري يصول ويجول متنقلا ما بين إسرائيل وغزة متعاملا مع قطاع غزة كملجئ لأيتام ومشردين مشكلتهم الأساسية الطعام والسكن، والتزود بالكهرباء حتى من محطة طاقة تصر قطر على أن تُقام على أرض المطار أحد رموز السيادة التي دمرها الاحتلال، وفي الخفاء تجري مفاوضات حثيثة لهدنة طويلة المدى بين غزة وإسرائيل وحول ميناء وأمور أخرى، ومصر تتواصل مع إسرائيل لبحث التقارب التركي الإسرائيلي وخصوصا من جهة علاقته بقطاع غزة، كما تجري مباحثات لمصالحة بين تركيا ومصر لا بد أن تترك تداعياتها على قطاع غزة وحركة حماس، وأخبار غير مؤكدة تتسرب عن عرض إيراني لحماس لتحسين العلاقات معها وحل أزمتها المالية مقابل دخول حماس في تحالف مع إيران في مواجهة التحالف السعودي الذي باركته السلطة الفلسطينية، وتحالف بين سياسيين ورجال أعمال يديرون عملية إعمار قطاع غزة من خلال صفقات مشبوهة وبالتنسيق مع إسرائيل وبشروطها.

يجري كل ذلك دون تنسيق مع السلطة الفلسطينية أو منظمة التحرير الفلسطينية، وكأن قطاع غزة جزيرة منعزلة أو حديقة خلفية وليس جزءا من الشعب والكيان السياسي الفلسطيني الذي يفترض أن له مرجعية وعنوان وهو منظمة التحرير والسلطة الوطنية الفلسطينية وحكومة الوفاق الوطني، ويجري كل ذلك وحكومة الوفاق الوطني لا تستطيع ممارسة مهامها في قطاع غزة، وحوارات المصالحة الوطنية متوقفة.

ما كانت هذه الأطراف الخارجية وغيرها تتعامل مع قطاع غزة بهذا الشكل لو لم تكن هناك جهات فلسطينية، وخصوصا حركة حماس، تقبل أن تُرهن القضية الوطنية ومستقبل قطاع غزة لخدمة أجندة هذه الدول مقابل دعم مالي وتثبيت سلطة حماس في قطاع غزة. ولا نعتقد أن حركة حماس ستقول لنا إن تحالفها مع هاتين الدولتين تحالف استراتيجي يصب في خدمة مشروع المقاومة والتحرير !، إلا إذا كانت حركة حماس تريد أن تُقنعنا أن تركيا الدولة العضو في حلف الأطلسي والتي لم تقطع علاقاتها يوما مع إسرائيل حتى في ظل أزمة سفينة مرمرة تلتقي مع برنامج حماس في القضاء على إسرائيل ! وتقنعنا أن قطر الحليف الاستراتيجي الثاني لواشنطن في المنطقة بعد إسرائيل والتي بها أكبر قاعدة عسكرية أمريكية، والتي استغلت علاقتها الخاصة مع حركة حماس لتنسج علاقات متميزة مع إسرائيل، أن قطر هذه تلتقي مع برنامج حماس بالقضاء على إسرائيل ! .

انتصرت وانحازت تركيا لمصالحها الوطنية، وقبلها كانت إيران، وفي وقت قريب ستغادر قطر المشهد الفلسطيني وستنحاز لمصالحها، فمتى ستنحاز حركة حماس وكل الفصائل والأحزاب للمصلحة الوطنية وتبحث عن الحاضنة الوطنية بدلا من التنقل من حاضنة لأخرى، وخصوصا أن في رصيد حركة حماس وقطاع غزة من الصمود والمقاومة الكثير مما يمكن البناء عليه وطنيا ويعوض الحركة عن التحالفات الخارجية العابرة ؟. الحاضنة الوطنية ليست السلطة الفلسطينية وليست حتى منظمة التحرير الفلسطينية بواقعها الراهن، بل حالة توافق وطني في إطار منظمة تحرير جديدة تم التوافق عليها في اتفاقات المصالحة، ولدى الشعب الفلسطيني لو تحققت الوحدة الوطنية من الإمكانيات ما يعوضه عن أي تحالفات خارجية مذلة أو تجعله في حالة تبعية.

ولكن، لا يكفي توجيه الاتهامات لقطر وتركيا والإخوان المسلمين على هذا العبث في الساحة الفلسطينية وبالمصير الوطني، بل يجب الاعتراف بوجود خلل استراتيجي في طريقة قيادة المنظمة والسلطة لكل الملفات. هذا الخلل هو الذي يسمح للآخرين بالتدخل في شؤوننا الداخلية، وهو الذي يؤدي إلى عدم تثمير أو التوظيف الجيد لمعاناة شعبنا على يد الاحتلال سواء في قطاع غزة أو الضفة.

على القيادة الفلسطينية المسئولة عن الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده، أن تقنع الفلسطينيين، من خلال خطوات وممارسات عملية، أنها صاحبة الولاية والمرجعية للكل الفلسطيني، بدلا من مظاهر الانسحاب من المسؤولية والتي تتبدى سواء بالنسبة لساحة الشتات أو ساحة قطاع غزة بل وحتى بالنسبة للقدس، ولا يشفع لها ما تواجهه من تحديات في الضفة لتجاهل ما يجري في الساحات الأخرى .

وبالعودة لقطاع غزة يبدو أن البعض في السلطة والمنظمة يتعامل مع قطاع غزة وكأنه حديقة خلفية أو شيء زائد أو عبئ إضافي على السلطة. لا يكفي أن تقول الحكومة إن قطاع غزة يستأثر بما قيمته نصف موازنة السلطة، حتى مع افتراض أن هذا الكلام صحيح ، فأهالي قطاع غزة مهد وحاضنة الوطنية الفلسطينية لا ينظرون للسلطة الوطنية كجهة مانحة ولا يريدون أن تعاملهم من هذا المنطلق، بل يريدون قيادة قلبها عليهم، تعزز صمودهم الوطني، وترفع الحصار عنهم، وتُشعرهم أنهم ليسوا أيتام ينتظرون من يطعمهم ويكسيهم فقط .