الأحد: 16/06/2024 بتوقيت القدس الشريف

نحلم بيسار فلسطيني قوي....

نشر بتاريخ: 31/01/2016 ( آخر تحديث: 31/01/2016 الساعة: 10:53 )

الكاتب: حسام أبو النصر

ان فشل تجربة الاسلاميين في الحكم بل ومن قبلهم العلمانيين الفاسدين في فلسطين حسب منظور اليسار لم يعط الدرس الحقيقي لليساريين لينهضوا من جديد وينفضوا الغبار عن أنفسهم خاصة بعد حالة الانقسام السياسي والجغرافي التي اصابت الوطن، بل تشكلت عدد من الانشطارات الخطيرة بداخله، اولها مجموعة يساري منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح وهم من يشنون الهجوم الدائم على الاسلاميين المعتدلين والتكفيريين منهم، معتبرين ان كل تجاربهم خطر على المد الوطني القومي العربي من السلفيين حتى الاخوان بما يخدم اجندة حركة فتح ومنظمة التحرير ، بحيث يبقى هذا التيار اليساري منتفع من دوائر القرار ويحتلون مناصب كبيرة فيما يسيطرون على مراكز الدراسات والأبحاث ضمن كوتة المنظمة.

الانشطار التاني وهم مجموعة لم تستفد من المنظمة بشكل مباشر واختلفت مع منتفعي يساري المنظمة فرأوا ضرورة ان يكون لهم خط منفصل يعطيهم صبغة خاصة معادية للتيارين الاسلامي الاخواني بقيادة حماس، والعلماني الفاسد بقيادة فتح، ويلعبوا دور الصليب الاحمر ومطافي البلدية في حال أي انفجار وطني و دور الوسيط بين الاطراف المتنازعة مع القاء المسؤولية الكاملة على الطرفين دون تحملهم هم مسؤولية الجزئية باعتبارهم شركاء وطنيين ، وهذا التيار اخترقه الدحلانيين مع الانشطار الرابع واستطاعوا ان يضعوا فيه موطئ قدم تحضيرا لأي تحالفات قادمة باعتباره اليسار الجديد.

الانشطار الثالث مجموعة اليساريين الممانعين تاريخيا والذين يدعمون المقاومة ويرفضون كل مشاريع التسوية وبذلك هم الاقرب للمقاومة الاسلامية فيما هم الابعد عن أي تقارب مع منظمة التحرير وحركة فتح وقد خلقوا لهم مكان في مؤسسات الخاصة يُنظِّرون فيها وطنيا وينشرون قيم ومبادىء المقاومة مع الاحتفاظ بتناقض مع الحكم الاسلامي.

الانشطار الرابع مجموعة ذات استفادة مادية نفعية ولها ارتباطات دولية من خلال مؤسسات ومراكز خاصة تتبع الان جي اوز تستطيع من خلالها التمويل الذاتي وايجاد بدائل نفعية من خلال مؤسسات تحمل مسميات حقوق الانسان والحريات والديمقراطية ، ونصبت نفسها المدافع عن حقوق الشعب والفاضح لسياسات العلمانيين الفسدة متمثلة في حركة فتح والحكم الاسلاميين المتشددين ، رغم انهم لم يغيروا شيء من واقع الحريات في فلسطين منذ نشأتهم ولكن مازالوا يأخذوا الشكل المستقل في القرار. وهذا لا يمنع ان الانشطارات الاربعة فيها اراء متقاربة جدا باعتبار تحكمهم الايدلوجية الواحدة مع اختلاف طرق التنفيذ .

وبتقديري ان كل ما حدث في الساحة الفلسطينية سببه غياب اليسار القوي الموحد الذي كان له ان يردع كل الاخطاء الوطنية رغم ان الاب واحد فيما الام ليست واحدة ، بل ويتنصل هو من اخطاء الماضي وكأنه لم ينقسم على نفسه ولم يعرف الانقسام من قبل ، بل تاريخيا كان اليسار مدرسة التفكك ومصدر تجربة الانقسام الوطني في الساحة الفلسطينية رغم ان منبعهم واحد كآدم ابو البشرية ، ولو فندنا امتداد جذور كل فصيل منه سنصل الى جذور اصلية واحدة من نفس الشجرة.

والآن بعد دخول القضية الفلسطينية في نفق مظلم بقي اليسار يراوح مكانه واكتفى بخطابه التقليدي ضد الاخوانيين وتشددهم والتجربة الاسلامية التي تعتبر خطر على المد القومي فيما يعتبر ان الفتحاويون العلمانيون اسوا منظومة فساد متكاملة لبنتها مشاريع التسوية المدسوسة بل وانهم هم الوجه الاخر للإسلامين باعتبارهم سنة ، لذلك الاثنين في نظر اليساريين واحد ، ويصنفوا من اهل اليمين فيما اهل اليسار يعتبروا أنفسهم المتميزين والمحافظين على استقلالية القرار التي تكمن في التشكيك في كل شيء وتغليب لغة العقل عن الروحانية العلمانية الاسلامية.

بالنتيجة اليسار الوطني لم يطور من خطابه السياسي الكلاسيكي التاريخي الذي لم يعد لغة مفهومة للشارع الفلسطيني ولا حتى للغة العصر ولم يواكب تطور الخطاب واللفظ العام من حيث المضمون والحفاظ على عبارات تقليدية عامة شمولية مبهمة معقدة . وبذلك فإن الحالة الوطنية لن تنهض من جديد الا بالقوة الثالثة لتعود للمشهد الوطني وتتربع على عرش الدور الاول الذي تاريخيا لم تتقلده ، بل ان الحركة اليسارية تراجعت امام حركات اسلامية حديثة النشأة مثل حماس والجهاد اللتان تنافسان حركة فتح على الدور الاول فيما بقيت هي بتشرذمها تلعب الدور الثالث . وللانتقال من الدور الثالث الى الاول يحتاج ذلك لجهد يساري كبير وتنازلات تصحح اخطاء الماضي لإعادة الوحدة واللحمة لليسار المتفكك وهذا ما سيرعب العلمانيين الفتحاويين ويجعلهم يصححون مسارهم الوطني والذهاب لنقاط التقاء مع اليسار وإنهاء حالة الفساد السياسي التي اثرت في القضية اكثر من تأثير الاحتلال ، وحتى الاسلاميين سيحاولون ان يقدموا انفسهم من جديد على انهم التيار الاسلامي المعتدل امام العالم ذو الامتداد اليساري . فلو ان اليسار قوي لوجدنا كوبا تقود امريكا الجنوبية بسفن تخترق الحصار البحري على فلسطين ورأينا الصين واليابان يبعثون بمقاتليهم ليكونوا جنبا الى جنب مع اليسار الفلسطيني على غرار عمليات الجيش الاحمر ، ولوجدنا المانيا تحاصر اسرائيل سياسيا وتقود اوربيا نحو القطيعة معها ، بل لوجدنا حتى اليسار الاسرائيلي المعتدل يدعم التحرك القوى الوطنية اليسارية الفلسطينية نحو التحرر ، كل ذلك ولو من الشيطان ، فقد فُقدت اللو بفقدان قوة اليسار وقدرته على الاقناع والتأطير كما الماضي وضياعه بين امتداده للفكر العالمي وضرورة استقلال فكره الفلسطيني .

لذلك اكتفى اليساريين بخطاب الترويج لفوبيا الاسلام والفساد العلماني وهذا لم يعد يأتي اكله ، مع ان حتى اليساريين انفسهم اذا تطابقت مع مواقفهم مع احدهم يصفوه بالوطنية لكن في أي محك خلافي او مصيري يستبعدونه ويصفوه بالحزبية باعتباره خارج عن الفكر اليساري وهو نفس ما يفعله الفكر الاقصائي الاخواني . المطلوب إذن هو الخروج من هذا المنهج وتوحد القوى اليسارية وهو ما يخلق قوة رادعة ومراقبة وحازمة في القرار الفلسطيني وبكل الاحوال اذا لم يعود اليسار ليلعب الدور الاول فبالتأكيد سيكون مؤثر في قوة المعارضة ليشهر البطاقة الحمراء ضد أي فصيل شاذ ، ونحن اليوم بأمس الحاجة الى هذه القوة الثالثة التي يقودها اليسار الموحد .