الأربعاء: 11/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

الإضراب...حلول أم مُسكّنات؟؟!

نشر بتاريخ: 23/02/2016 ( آخر تحديث: 23/02/2016 الساعة: 14:23 )

الكاتب: د. سهير قاسم

غياب أفق يعمّ أرجاءالمكان، ظلام خارجي تشاركنا الهم فيه، وداخلي تقاسمناه بنسب مع محاولات متكررة في الهروب وتأجيل الحلول. لكن،ومع الأسف،يزداد يوما بعد يوما مبشرا بضيق أفق وفوضى تلقي بظلالها على المكان، بات لزاما الخروج لا الاستمرار في الهروب،خاصة أن تقديم الحلول المؤقتة دون ثمر،ولا يغيب عنا أن تصحيح المسار يتطلب المواجهة الحقيقة قدر الإمكانات والفرص حتى تقدر البوصلة على تحديد الاتجاه ونتخلص من المنغصات شبه اليومية التي تعثّر خطانا وتقودنا نحو المجهول.

تبدو الكلمات فضفاضة لكنها رسائل مجتمعية إلى صُنّاع القرار، رسائل تبثّها الإضرابات المتلاحقة منذ سنوات، والتي تأخذ مسارات جديدةأكثر عمقا هذه الأيام، لا بدّ من التفكير في هذه الرسائل ومضامينها، فهل الرغبة في الزيادة والعلاوات والدرجات،أم هي الرغبة في العدالة والإنصاف بين الموظفين على اختلاف شرائحهم ومستوياتهم؟والتساؤل الأهم، هل ترتبط العدالة "بشطارة"النقابة أو ذوي العلاقة، أم ترتبط بأعداد الموظفين وحجمهم أم ترتبط بمصالح الخاصة...؟ إن المضي قدما ومعالجة القضايا وفق هذاالنهج يكون كارثيا ويجلب الوبال على الجميع؟!

رسائل المضربين تدعو ذوي القرار إلى التفكير العميق بالحلول الجذرية العادلة والابتعاد عن سياسة الإرضاء والمراضاة والاسترضاء وتأجيل المشكلات وتأجيجها ربما لحكومات قادمة، هذا ما نشهده منذ زمن، فتارة نرى استرضاء للأطباء وتارة للمهندسين وأخرى للصحة والمخاطرة وحدث ولا حرج، فهل ذلك يصل بنا إلى بر آمن؟أم يقودنا إلى المزيد من العقبات والإضرابات التي أصبحت ظاهرة طبيعية في ظل سياسة الإرضاء وتوفير أشباه الحلول التي تزيد التحديات!علينا إعادة النظر في هذه الرسائل وأخص رسائل المعلمين الخطيرة الذين يخرجون عن صمتهم وعن نقاباتهم،باحثين لأنفسهم عن طريق في ظل توافر مخارج وآفاق لغيرهم!

المرحلة الراهنة خطيرة تحمل مخاطر جسمية، والاستمرار في التجاهل والابتعاد عن المسببات الفعلية يؤدي إلى المزيد من الاضطراب الذي يطال الجميع في مرحلة بات فيها همّ الحكومة توفير الراتب وتقديم مسكّنات لشرائح الموظفين خاصة الغاضبين،فكم من الوقت تحتاجون لتقديم العلاج بالمسكنات"! لماذا الصمت والتجاهل واللامبالاة في توفير حلول جذرية لا أظنها صعبةإذ قررتم البدء طال الزمن أم قصر، فتصحيح المسار مطلب وغاية يتطلب النوايا الصادقة والإرادة النابعة من تغليب المصالح العامة على المصالح الخاصة والتنازل عن مكتسبات قد تُعدّ مكاسب وحقوقا غير قابلة للتفاوض من وجهة نظر أصحابها!
لا بدّ من النظر إلى الرسائل بروية، المصارحة والمكاشفة مع الذات أولا، مواطنين ومسؤولين وأصحاب قرار حتى نخرج من مأزق الإحباط والشعور بالفشل وحالة الاضطراب، لن نعجزفي ظل إيمان وثقة بالخبرات والقدرات الذاتية الهائلة التي تكفي لقيادة مؤسساتنا والنهوض بها؟ كيف لا وقد رفدنا العالم بالتجارب البناءة، فلماذا نقف متفرجين عاجزين على أرضناالمعطاءة؟!

ذلك يتطلب توفير نظام آمن ضامن للعدالة يعالج الأنظمة قبل تطبيقها الفعليّ، فالقوانين الحالية في أغلبها تعزز التشرذم والتفتت، غير مدروسة أو ربما فُصلت على مستوى أصحابها فقط، ذلك ما تدلل عليه الممارسات على الأرض والرسائل المجتمعية التي ترفع صوتها منادية بإعادة النظر في هذه القوانين الخانقة لكل إنجاز وتحطمه وتغيّب العدالة وتزيد من الفجوات بين الموظفين، وإنني على ثقة بقدراتكم، فكلما قررنا نقطة البداية فحتما ستكون هناك نهاية.
ونظرة إلى سياساتنا الداخلية فإن كانت تتجه نحو التقشف فلتكن لجميع المستويات بغض النظر عن الشرائح والمسميات. فالتضحية والعيش ضمن الإمكانات واجب وضريبة نتحملها جميعا في هذه الظروف الصعبة كواجب ومسؤولية وطنية لا منّا من أحد، ولكن المطلوب تكريس العدالة في التقشف لا توسيع الفجوة بين شرائح المجتمع، فلمذا يتقشف الموظف ويظهر البذخ على غيره من الموظفين أو المسؤولين!أم بات مفروض على الموظف البسيط التقشف وهو يرى بأم عينية ما يدور حوله من بذخ وحدث ولا حرج!

إن وجود حكومة ذات أهداف وإجراءات عمل تعزز مبدأ العدالة ضرورة، بعيدا عن الأهداف السطحية التي تخدم أصحابها أو لتثبيت ذاتها على الأرض. ويتطلب النجاح الاحتكاك الفعلي مع القضايا المهمة والحساسة دون مجرد الانسجام مع مصالح المتنفذين ومعالجة المشكلات بسطحية، وتعليق اتهامات هنا وهناك. فالوقوع في شراك الظلم والشعور بعبثية القوانين التي تفرق بين الفئات بحجج ومبررات قانونية واهية غير مجد يقود إلى المزيد من الضبابية.
وملخص رسالتي إلى الحكومة تشكيل لجان متخصصة موسعة تعمل على دراسة الأنظمة والقوانين المعمول بها في المؤسسات والمراكز كافة ويكون من أهدافها حاجات الموظفين والمعلمين وطبيعة المهمات لإحقاق العدالة في الكادر المهني وإزالة الظلم وتقريب المسافات بين الموظفين بموضوعية وفق قوانين ومعايير واضحة مدروسة بعيدا عن سياسات الإرضاء والتراضي.

قد تكون إعادة النظر والتشخيص خطوة في الاتجاه الصحيح، وربما تزيد من الموارد كبديل عن الهدر الحاصل، فالجدية وفتح الملفات هي البديل عن المسكّنات اليومية، حينها تتحقق العدالة وتجلب الراحة وتريحكم من عناء الإضرابات والاحتجاجات التي باتت تؤرقنا جميعا بغض النظر قل راتب الموظف أو زاد، نعم، سيكون للعدالة الأثر الإيجابي الفعال بنسب مقبولة حين تنبثق من معايير وقوانين موضوعية تقود إلى توفير الحلول الجذرية لقضايا باتت تهدد كل مجالاتنا الحياتية، فالقانون وسيادة القانون هما الحل الأمثل لكل ما يجري وأثرها الخطير على ثقافتنا، فما بالكم في طفل يتربى في كنف الإضراب، ما الثقافة التي نغرسها فيه؟ ما التعلم المنشود! أليس بإمكان هذه المناهج الخفية أن تكون أقوى وأعمق أثرا؟!