السبت: 18/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

التعليم الفلسطيني أزمات متلاحقة

نشر بتاريخ: 24/02/2016 ( آخر تحديث: 24/02/2016 الساعة: 11:28 )

الكاتب: مؤمن باسم شريم

احتدت المواجهة بين الحكومة الفلسطينية والمعلمين, ضمن أزمة تعليمية خانقه يشهدها القطاع التعليمي في ظل هذه الحكومة "الأكاديمية", والتي شهد التعليم خلالها العديد من الأزمات ابتدأتها الجامعات وتلتها المدارس.
حيث يخوض المعلمون الفلسطينيون منذ أكثر من أسبوع إضرابا شاملاً (غير مسيس), ضمن حاضنه شعبية كبيرة لقيها هذا الإضراب من قبل المجتمع الفلسطيني, ووصِف هذا الإضراب بأنه الإضراب الأقوى في تاريخ الإضرابات التي شنها المعلمون الفلسطينيون من أجل الحصول على حقوقهم وترسيخ عدالة توزيع الموارد المتاحة على جميع الشعب الفلسطيني, والتي يستأثر بها أقلية من الشرائح, على أكتاف المعلم والطبقات الكادحة في فلسطين.

وأثبتت الحكومة الفلسطينية إخفاقها في إدارة الأزمة الحاصلة, فحاولت بجميع السبل إقناع الشعب الفلسطيني بأن هذه الاحتجاجات مسيسة, وخرج البعض من المتنفذين ومن الفئة المستفيدة والمستأثرة بالموارد المتاحة, يتهم المضربين بأنهم متجنحين ومسيسين, وأصحاب أجندات خارجة عن الصف الوطني, وبرزت محاولات لزج حركة فتح من أجل مواجهة الخلاف الحاصل, ولكن حركة فتح هي الحامية والحاضنة لحقوق المعلم, مع العلم بأن غالبية هؤلاء المعلمين من حركة فتح, ومطالبين بحياة كريمة وعادلة لهم ولعائلاتهم, ويشددون بأن إضرابهم مطلبي لنيل حقوقهم بعيداً عن التجاذبات السياسية.

وحاولت الحكومة التعامل مع الإضراب بردات فعل غير مدروسة واعتقال المعلمين, وآخرها نصب الحواجز على مداخل المدن الفلسطينية, من أجل منع القيام باعتصام للمعلمين يكفله القانون والنظام السياسي الفلسطيني, والذي سيعزز حالة التوتر والاحتقان مابين المعلمين والبيئة الاجتماعية الحاضنة لهم والحكومة الفلسطينية, ولهذا كله فإننا ندعو الرئيس محمود عباس التدخل بشكل عاجل وبشكل ينصف المعلمين, لأن الحكومة الحالية عجزت عن إدارة الأزمة, وهي المسؤولة عن التصعيد الحاصل.

نفّذ المعلم الفلسطيني جملة من الاعتصامات وهي الأضخم في فلسطين مطالباً من خلالها بالعدالة الاجتماعية والاقتصادية, بطريقة حضارية وبمشهد ديمقراطي يعكس أصالة المعلم الفلسطيني, وبأنه نموذج يحتذى به من أجل استرداد حقوقه وإرساء أسس العدالة التوزيعية في المجتمع الفلسطيني, والذي أثبت بأنه مدرسة أخرى خارج نطاق التعليم, حيث أثبت أنه مدرسة فكرية وسلوكية جسدتها احتجاجات حضارية للمعلمين رفضاً لسوء إدارة الموارد المتاحة, مدرسةٌ فيها الهمة والكرامة والعدالة, ونموذج يتعلم منه الجميع.

إن هذا المعلم الفلسطيني التاريخي ذا الجذور الممتدة إلى باطن الأرض, والهامات الشامخة , والذي عزز الإرث الحضاري الفلسطيني وحافظ على الثقافة الفلسطينية في زمن المحتل الإسرائيلي, إذ واجه الاحتلال الإسرائيلي بكل قوة ودراية, وخاض العديد من الإضرابات ضد السياسات الإسرائيلية, ومنها الإضراب الأكبر في تاريخ الإضرابات ضد المحتل الإسرائيلي والذي امتد إلى ثلاثة شهور ضاربا به المحتل الإسرائيلي.

وفي ظل الحكومات الفلسطينية المتتابعة, افتقد قطاع التعليم المناخات الوظيفية المشجعة على التطوير والمحققة للرضى الوظيفي للمعلم, وحاول الكثيرون الحط من كرامته في كثير من المواقف, وذلك لضعف القوانين الحامية للمعلمين, والتي كان فيها المعلم هو الضحية وأصبح الطالب في فترة من الفترات يستطيع أن يحاكم المعلم بتهمة الاعتداء عليه, دون حماية للمعلم من قبل الوزارة, وكذلك أصبح الطالب يعتدي على المعلم من دون وجود رادع حقيقي للطالب من أجل المحافظة على هيبة المعلم والذي يقود إلى هيبة التعليم وهيبة الدولة.

و نسيت هذه الحكومات بأن إصلاح التعليم وتوفير جميع المناخات لنجاح العملية التعليمية, يقود إلى إصلاح المجتمع, لأن التعليم هو المنظومة التي تقود إلى التربية والتنمية والتطوير, فإذا ما توافر تعليم قوي وبيئة تعليمية قادرة على تطوير وتنمية المجتمع, سترتاح الحكومة من عبء النفقات المالية لتنفيذ البرامج المختلفة, من أجل معالجة أوجه القصور في المجتمع, والتي تتمثل في المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية.
ونتيجة الوضع الوظيفي المترهل لوظيفة المعلم, أصبح هناك ضعف في التوجه نحو مهنة المعلم, والتي كان ينظر إليها قديماً, بأنها الوظيفة المنشودة صاحبة السيادة في المجتمع, فأصبحت اليوم خارج نطاق الطموح لدى خريجي الجامعات, فينقادوا إليها مجبورين, وذلك لشح الوظائف المتاحة.

وفي ظل أزمة الإضرابات التي تشهدها الساحة الفلسطينية, والتي تعد فرصة مهمة يجب على السلطة الفلسطينية اقتناصها واستثمارها وتوظيفها من خلال جعلها ورقة ضغط على دول العالم من أجل إجبار هذه الدول على الإيفاء بالتزاماتها تجاه الشعب الفلسطيني, حيث أخذت هذه الدول على عاتقها دعم السلطة الفلسطينية منذ تأسيسها, تعويضاً عن الظلم الذي لحق بالشعب الفلسطيني جراء الإحتلال, ومن أجل بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية, وتحاول هذه الدول في هذه الفترات التملص من الإيفاء بالتزاماتها تجاه الشعب الفلسطيني, وفي الوقت نفسه تخشى من انهيار السلطة الفلسطينية, والذي سيترك أزمات كبيره على العالم.