الإثنين: 29/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

مقدسيات :الزلازل والتسونامي في بيت المقدس وأكنافه

نشر بتاريخ: 12/04/2016 ( آخر تحديث: 12/04/2016 الساعة: 10:48 )

الكاتب: د. "محمد علي" العلمي

مقدسيات : الزلازل والتسونامي في بيت المقدس وأكنافه – الجزء الثاني
زلزال عام 460 للهجرة (18 آذار، 1068 م)، وزلزال عام 952 للهجرة (13 كانون ثاني، 1546 م)

شهدت بلاد الشام، بما في ذلك فلسطين العديد من الزلازل خلال العهد الفاطمي (297-567 هجري، 909-1171 م). ففي قرن واحد فقط ( 385-487 للهجرة، 995-1094 م)، ذكر المؤرخون العرب حدوث 8 زلازل كبيرة ومدمرة في بلادنا. وهذه الزلازل وقعت في السنوات الهجرية 385، 393، 425، 455، 460، 479، 484 و487 وذلك وفق ما ذكره ابن الجوزي (المتوفي في 597 هجري)، وابن الأثير (المتوفي في 630 للهجرة). وهذان أقرب المؤرخين الكبار المعاصرين لتلك الفترة. ومن أثر هذه الزلازل ما ذكر من وقوع قبة الصخرة المشرفة في سنة 407 للهجرة، 1016 م. تم تعمير القبة بعد ذلك ولكن لتنشق ثم تلتئم نتيجة الزلزال الهائل الذي حصل في 460 للهجرة. أما المسجد الأقصى المبارك فقد دمر معظمه أثناء فترة حكم السلطان الفاطمي الملك الظاهر (411-427 للهجرة)، نتيجة الزلزال الهائل الآخر الذي ضرب القدس في 425 للهجرة، 1033م. إذ تذكر المصادر التاريخية العربية أن الأقصى الشريف كان قبل ذلك يتكون من 15 رواقا، بينما اليوم يتألف من 7 أروقة. فالمسجد امتد لأربعة أروقة إضافية من الناحية الشرقية وأربعة أخرى من الناحية الغربية. وحيث أن عدة زلازل تلت ذلك الدمار، ونتيجة أيضا لغزو الصليبيين للقدس في 492 للهجرة، 1099م، فإنه لم يتسنى للحكام المسلمين إعادة الأقصى الشريف الى ما كان عليه في الحجم والسعة.

لنسرد فيما يلي ما أورده المؤرخ العربي ابن الجوزي بشأن زلزال سنة 460 للهجرة، 18 آذار، 1068 م، وما أضافه آخرون فيما بعده:
"وفي جمادى الأولى كانت زلزلة بأرض فلسطين أهلكت بلد الرملة ورمت شرافتين من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم (بالمدينة المنورة) ولحقت وادي الصفراء وخيبر وانشقت الأرض عن كنوز من المال وبلغ حسها الى الرحبة والكوفة (في العراق) وجاء كتاب بعض التجار في هذه الزلزلة ويقول أنها خسفت الرملة جميعها حتى لم يسلم منها إلا دربان فقط وهلك منها خمسة عشر الف نسمة وانشقت الصخرة التي ببيت المقدس ثم عادت فالتأمت بقدرة الله تعالى وغار البحر مسيرة يوم وساح في البر وخرب الدنيا ودخل الناس الى أرضه يلتقطون فرجع اليهم فأهلك خلقا عظيما منهم". أما ابن الأثير فقد كرر ما ورد أعلاه مضيفا أن مياه الآبار في الرملة خرجت من جوفها الى السطح وأن الزلزلة أصابت أيضا مصر وأن من هلك من أهل الرملة كان خمسة وعشرون ألفا. أما ابن كثير (المتوفي سنة 774 للهجرة) فقد كرر ما ورد مضيفا أنه لم يبقى في الرملة بعد خرابها سوى داران وأنه هلك من أهلها يومها خمس عشرة ألفا نتيجة بحثهم عن كنوز في البحر وغرقهم لدى رجوع مياهه عليهم. أما المؤرخ ابن تغري بردي (المتوفي سنة 874 للهجرة) فقد ذكر خطأ أن الزلزلة حدثت سنة 459 للهجرة، ولكنه أضاف من مصدر آخر أنها حصلت يوم الثلاثاء، 11 جمادى الأولى، وهو يطابق 18 آذار، 1068 م، وأن أهل الحجاز قد شعروا أيضا بالزلزلة ذلك اليوم. ونختم بما ذكره لي أحد خبراء الترميم الفلسطينيين من الذين عملوا على ترميم أقدم المساجد في اليمن أن زلزال 460 للهجرة المشروح أعلاه تسبب أيضا في بعض الخراب هناك.

يتضح مما أورده المؤرخون العرب أن زلزال 460 للهجرة كان واسع النطاق وأصاب كل من العراق وبلاد الشام وامتد أثره الى الحجاز واليمن. وترجح بعض المصادر الغربية الحديثة أن هذا الزلزال والذي ضرب مدينة أيلة أيضا (العقبة) كان مركزه قربها ويقدرون قوته بما يزيد عن 7 درجات من مقياس ريختر. واننا نضيف أنه بما أن غالبية الأماكن التي أصابها الضرر الكبير تقع على الصفيحة العربية للقشرة الأرضية وأن هذه الأماكن تقع على طرف الشق الذي يفصل هذه الصفيحة عن الصفيحة الإفريقية المكون للبحر الاحمر وغور الأردن، فإننا نتكهن بالقول أن هذا الزلزال قد أتى نتيجة تحرك وتعمق مفاجئ لهذا الشق.

إن كتب التاريخ العربية في العصر العثماني شحيحة للغاية ولا تقارن بعددها أو محتوياتها تلك التي كتبت في العصور التي سبقت هذا العهد. وعليه لن يجد الباحث في هذه الكتب إلا ما ندر من المعلومات ناهيك تلك المتعلقة بالزلازل. ولكن ولحسن الحظ توفر في هذا العصر كم هائل من المعلومات من خلال ما دون في المحاكم الشرعية وما توفر من الوثائق التي صدرت في ذلك العهد. وعليه إن ما يرد أدناه لزلزال 1546 م، إنما هو صادر عن شهود عيان عاصروا الزلزال أثناء وبعد حدوثه في بيت المقدس.

ولتحديد وقت حدوث الزلزال وجدنا ما يلي. ففي يوم الجمعة، 11 ذي القعدة، 952 للهجرة، الموافق 14 كانون ثاني, 1546 م، توجه جمع من كبار المسؤولين الأتراك في القدس وتقدموا بدعوى لدى القاضي أنه عقب صلاة الظهر في اليوم السابق، الخميس، حدثت زلزلة هائلة في المدينة، وإثرها قام نحو مائتي نفر من الأهالي بمهاجمة صوباشي القدس (رئيس الشرطة) في الحرم الشريف بناء على ما ادعي بأنه كان تحريضا من مفتي المدينة، بدر الدين بن جماعة، ومن أن ظلم الصوباشي هو الذي أدى الى حدوث الزلزال. ولدى سؤال المفتي عن ذلك أنكر ما ذكر مضيفا أن هدفه كان تهدئة الأهالي والتخفيف من فزعهم. وعليه يمكننا الاستنتاج بأن الزلزال قد حدث ظهرا وفي اليوم والتاريخ المذكورين. كما نستنتج أنه لم يحصل أي ضرر ذات شأن للحرم الشريف حيث أن الأهالي المذعورين استمروا في التواجد فيه بعد الزلزال.

كيف لنا أن نقدر عدد ضحايا هذا الزلزال ؟ وللجواب على ذلك نذكر أن سجلات المحكمة كانت في الأحوال العادية تدون حججا لحصر الإرث للعديد من وفيات المدينة من المسلمين وأهل الذمة. كما أنها دونت حججا لمن عينوا أوصياء على أيتام. فنسأل هنا عن ما إذا ونتيجة للزلزال تم تدوين أعداد من هذه الحجج تفوق المعتاد ؟ وبمراجعة سجل المحكمة تبين أن هذه الأعداد كانت طبيعية، ولم تكن خارجة عن المألوف في عددها. بل أن الأمر الوحيد الذي استرعى الانتباه هو أن المتوفى لقب بالشهيد فقط، بمعنى أنه قضى نحبه في الزلزلة. وكان عدد الحجج المعنية بذلك لا تتعدى العشرة. وعليه نستنتج أن عدد من قضى في هذا الزلزال من أهالي المدينة كان قليلا ولا يمكن أن يكون قد تعدى الماية. ولكننا نجد أن بعض المصادر الغير عربية قد ذكرت أن الزلزال تسبب في مقتل بضع مئات في بيت المقدس، ولكن دون ذكر أي مصدر أو تفسير لهذا الرقم.

أما إذا ما انتقلنا الى تقدير الخراب والضرر الذي حصل بأبنية القدس من جراء زلزال 1546 م، فإننا نجد العديد من الحجج التي تمكننا من الإجابة والوصول الى ما يمكن استنتاجه. فمثلا قرأنا عدة حجج لدعاوى مستأجرين كانوا قد دفعوا أجرة دورهم ليصبحوا دون مأوى جراء تهدمها نتيجة الزلزال. وأيضا طالعنا عدة حجج لدعاوى يطلب فيها من مالكين إجراء تصليحات على وجه السرعة لئلا يتأذى جيرانهم. كما طالعنا عدة عقود لإزالة أنقاض من دور تضررت من الزلزال. وقرأنا أيضا عقود لإزالة أنقاض من الطرقات والأماكن العامة شملت حارة المغاربة ومحلة القرايين (جزء من حارة اليهود)، والزاوية السعدية قرب باب الساهرة، وباب حطة وخط داود. كما تم منح الإذن من قبل القاضي لمتولي عدة مدارس دينية وزوايا لتعميرها، مثل زاوية علاء الدين البصير، وخان باب القطانين، والمدرسة الطازية. ولوحظ أيضا أنه تم إجراء العديد من عقود البيع لبيوت هدمتها الزلازل، تم شراؤها بثمن مخفض على ما يبدو. كما لوحظ أن الضرر قد تعدى القدس الى منطقة غور الأردن حيث طلب الناظر على مقام النبي موسى ومقام النبي يونس الإذن بإزالة الأنقاض وتعمير الأبنية هناك.

بقي أن نذكر أن عدة أديرة في القدس قد تضررت أيضا مثل دير الروم ودير الصرب. ولكن خلافا لما أوردته بعض المصادر الغربية لم يدون أي ضرر للمسجد الأقصى أو الصخرة المشرفة. أما كنيسة القيامة فقد تضررت كثيرا وخاصة قبتها والتي بقيت قائمة. إذ تقدم رئيس طائفة اللاتين ورئيس طائفة الروم، كل على حدة وبعد عشرة أعوام من الزلزال المذكور بطلب إذن لتعمير قبة الكنيسة والأماكن المخصصة لكل طائفة منهما داخلها. وبعد إجراء الكشف من قبل معماري باشي المدينة حسين بن علي بن نمر (جد عائلة النمري في القدس)، أذن القاضي بالتعمير المطلوب كيلا تقع قبة الكنيسة.

قدر البعض قوة زلزال 1068 م، بما لا يقل عن 7 درجات (على مقياس ريختر)، مقارنة مع نحو 6 الى 6.5 درجة لزلزال 1546. أما الزلزال الحديث الذي وقع في القدس سنة 1927 م، فقد بلغت قوته نحو 6.3 درجة، وسجل زلزال فوكوشيما في اليابان في عام 2011م، 6.6 درجة. فماذا لو ضرب زلزال بقوة 8 درجات أو أكثر منطقة البحر الميت وغور الأردن نتيجة تعمق وتحرك الشق الإفريقي؟ فهل سيفرغ هذا الزلزال مياه بحيرة طبريا ويغرق منطقة الغور؟ والأسوأ هو أن ينشق وادي عربة لتغمر مياه خليج العقبة جميع غور الأردن. وماذا عن منطقة الساحل من لبنان ووصولا إلى غزة؟ ألن تتعرض إلى الغرق من تسونامي قد يفوق ارتفاع موجه عشرة أمتار من مياه البحر؟ إن احتمال حدوث ذلك ضئيل جداً ولكنه قائم دون شك. إننا لا نذكر كل هذا للتهويل أو الترويع. ولكن كل عاقل يفضل درهم وقاية عن قنطار علاج. والحكمة تقتضي أن يعقلها المرء ثم يتوكل.