الإثنين: 29/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

نحو استراتجية جديدة مغايرة لحركة المقاطعة

نشر بتاريخ: 13/04/2016 ( آخر تحديث: 13/04/2016 الساعة: 13:41 )

الكاتب: عصام بكر

منذ اعلانها في تموز 2005 واطلاق ما بات يعرف بنداء مقاطعة اسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها المعروفة اختصارا BDS ووقعت عليه 172 من مكونات المجتمع المدني وما تلاها من تشكيل اللجنة الوطنية التي تأسست بمكونات فلسطينية ضمت الائتلافات والمظلات الوطنية والشعبية والمهنية والاهلية ، والاتحادات والاطر النسوية والعمالية والنقابية والشبابية عملت اللجنة بجد ومثابرة من اجل ايصال رسالتها حول اهمية تبني نهج مغاير في التعاطي مع دولة الاحتلال وامعانها في خروقاتها للقانون الدولي والانساني ، وجرائم حربها المتصاعدة بحق الشعب الفلسطيني واغلاق باب التسوية على اي امكانية للوصول لتسوية عادلة تعيد الحقوق لاصحابها .

واعتمدت اللجنة مستلهمة من النضال الوطني المشروع وباعتبارها احد اشكال المقاومة الشعبية على الحقوق وليس "الحلول" اذ اكدت الحقوق غيرالقابلة للتصرف وفق الشرعية الدولية على حق العودة لابناء شعبنا للديار التي هجروا منها تطبيقا للقرارالدولي 194 وهم يشكلوا اكثر من نصف الشعب الفلسطيني معظمهم في دول الشتات والمنافي ، وحق تقريرالمصير، وانهاء الاحتلال الاسرائيلي بكل اشكاله عن جميع الاراضي العربية التي احتلت في عدوان 1967 وهي حقوق تكفلها قوة الشرعية الدولية وقرارات الامم المتحدة ويضمنها القانون الدولي والمواثيق الدولية .

ومنذ تلك الفترة غدت الBDS محط انظارالعام اجمع دون مبالغة ، واستحوذت على اهتمام عالي من عواصم صنع القرار في الدول الغربية ومنها الصديقة لاسرائيل التي اصيبت بالذعر من هذه الولادة ، وخصصت موازنات بارقام فلكية لمواجهة المولود الجديد الذي يعبر عن التناقض مع رواية الاخر التي تروج لها ماكنة الاعلام الاسرائيلي وتفرضها على حكومات عديدة ، وارتفعت اسهم المقاطعة عالميا واصبحت تتمتع بشعبية عالية بين مختلف الاوساط والشرائح ومحبي العدل والسلام والمدافعين عن حقوق الانسان نتيجة الجهد الكبير الذي تبذله رغم الصعوبات والتحديات التي تواجه الناشطين والاصدقاء في الجامعات والنقابات والشركات التي تتبنى او تنشط وغيرها من الاطراف والشركاء .

ولكن وللحقيقة هناك مبادرات وانشطة وحركات تمتد الى ما قبل تشكيل BDS بكثير ولم تبدأ براءة الاختراع الاولى مع نشوء الحركة الجديدة ، وانما هي امتداد لسنوات طويلة من العمل من خلال حركات يسارية وتقدمية وقوى سلام واحزاب سياسية صديقة عملت طوال الوقت على تنظيم حملات التضامن والمساندة والتأييد للشعب الفلسطيني ونضاله العادل والمشروع ، وتصاعدت موجات التضامن خلال سبعينات وثمانيات القرن الماضي من خلال المظاهرات والانشطة المختلفة التي نظمت في مئات المدن والعواصم على امتداد العالم خصوصا في مناسبات كيوم الارض ، والاسير ، ويوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني في التاسع والعشرين من تشرين ثاني من كل عام ، وكلنا يذكر على سبيل المثال لا الحصر ابان اجتياح شارون للبنان عام 1982 كيف تحركت العديد من الاحزاب والمؤسسات لمنع تحميل السفن الاسرائيلية في الموانيء في العديد من دول العالم احتجاجا على العدوان ، فيما خرجت مظاهرات عارمة في دول اخرى تطالب بقطع العلاقات مع اسرائيل وطرد سفراء دولة الاحتلال ، انشطة اخرى دعت لوقف بيع الاسلحة لاسرائيل وتجميد العلاقات التجارية معها وهي كلها مظاهر للمقاطعة باشكال وتعبيرات مختلفة ، وترافقت تلك المظاهر مع اتساع التاييد الدولي لانهاء نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا في حقبة اسست لتزايد العمل بقوة وصلت ذروتها حين تم اسقاط هذا النظام العام 1990 من القرن الماضي بانهاء حكم الاقلية البيضاء في ذلك البلد ، ولنا في نماذج عديدة اخرى منها الاضراب الكبير اواسط الثلاثينات من القرن الماضي وصولا لحالة من العصيان الشعبي العارم في وجه المحتل ومحاولات بناء الاقتصاد المنزلي خلال الانتفاضة الاولى العام 1987 بديلا عن الاعتماد على بضائع الاحتلال الكثير من الدورس والعبر وكلها سبقت بكثير تاسيس حملة منظمة موحدة وتعمل بشكل متواصل وتحقق انجازات كبيرة على المستوى الدولي الشي الكثير بهذا الشأن .

ان اتساع حركة المقاطعة في السنوات الاخيرة هو خير مثال على ان الدعاية المغرضة التي تواصلها دولة الاحتلال لم يعد بمقدورها مواجهة المد المتصاعد عالميا ، وان حركات التضامن مع الشعب الفلسطيني تصاعدت ولن تتوقف وبدى ذلك جليا خلال العدوان الاخير على قطاع غزة وقبل ذلك ايضا من خلال انضمام شركات كبرى واستهدافها من نشطاء المقاطعة ومنها فيولا ،G4S ، وصودا ستريم وتكبدت خسائر كبيرة ، وقيام العديد من البنوك في هولندا ودول اسكندنافية باعلانها سحب ارصدتها من بنوك متورطة في الاراضي المحتلة 1967 ، ووقف تعاملاتها المالية مع شركات تعمل في المستوطنات غير الشرعية المقامة على الارض الفلسطينية وهو ما ضاعف من خسائر اسرائيل لتصل الى عشرات المليارات من الدولارات وهز من صورتها التي تروجها عادة كواحة الديمقراطية في الشرق الاوسط ، وهو ما جعل من ال BDS التي تقودها اللجنة الوطنية بالمكونات الفلسطينية ذات امتداد عالمي يعيد الامور الى نصابها وتصنفها دولة الاحتلال بانها خطر استراتيجي عليها وتخصص اللقاءات والموازنات وتجند الاموال والاساليب والدعاية المختلفة لملاحقة نشطاء المقاطعة والعاملين فيها لدرجة التهديد " بالتصفية " كما طرح مؤخرا بشكل علني .

وقبل ايام قليلة انعقد برام الله المؤتمر الخامس بمناسبة 10 سنوات على تأسيس حركة المقاطعة بمشاركة واسعة من نشطاء محليين ومتطوعين وحضور فاق اكثر من 1000 مشارك ممثلين لقوى ومؤسسات نسوية ونقابية وعمالية واهلية ونشطاء دوليين ناقش المؤتمر التحديات التي تواجهه حركة المقاطعة وفي مقدمتها الدعاية ومحاولة التشويه التي تتعرض لها من قبل المجموعات الضاغطة وبعض الدول المؤيدة لاسرائيل ، كما ناقش سبل الدفع باتجاه وتطوير العمل فيها حتى تشكل رافعة حقيقية للعمل لمواجهة تلك الاساليب التي لن تسطيع ان تحد من قوة وتعاظم دورها ، في زيادة المقاطعة ، ومواجهة التطبيع بكل اشكاله ، ولا بد هنا من توجيه بعض الملاحظات النقدية كمساهمة في النقاش على هامش انعقاد المؤتمر الذي يجب ان يشكل نقطة انطلاق حقيقية في توحيد المفاهيم ، والرؤى ، والادوات ، ورفع درجة التنسيق بين جميع المكونات ، وعن المؤتمر ايضا سيتم ارسال رسائل هامة في عدة اتجاهات اولها لدولة الاحتلال بان كل اساليبها وتهديداتها ومحاولات وقف الBDS لن تفلح بفعل الادراك المتنامي في العالم للخطر الذي تمثله دولة الاحتلال على السلم والامن الدوليين بفعل سياسة القتل بدم بارد يوميا والشهيد الشريف في الخليل " نموذجا " ، ناهيك عن سياسات الاستيطان المتصاعدة ، والتطهير العرقي ، ورسائل اخرى للمجتمع العربي والشعوب العربية تحديدا لتعزيز المقاطعة والنهوض لمقاومة خطر التغلغل الاسرائيلي عربيا واقليميا ، وللمجتمع الدولي رسائل هامة بان قيم الديمقراطية وحقوق الانسان وغيرها تبقى منقوصة ما لم تنطبق على الشعب الفلسطيني وحقه في تقرير المصير اسوة بشعوب الارض ، ومحليا بانه لم مقبولا ان تلقى حملات المقاطعة في العالم هذا الزخم والنجاح وتحقق الانجازات في الوقت الذي نحن بحاجة فيه لعمل الكثير رسيما وشعبيا للارتقاء بالمقاطعة نهجا وتطبيقا حتى تكون ثقافة يومية لدى الكل الفلسطيني .

وينبغي النظر للمؤتمر كتظاهرة لاعادة انطلاق الBDS وتجديد فعاليتها كمحطة هامة على طريق المقاومة الشعبية في ظل الهبة الشعبية التي بدات منذ اوائل تشرين اول الماضي والمقاومة المدنية التي سلاحها الاساس المقاطعة ، والتصدي للتطبيع ، والمؤتمر بعد 10 سنوات ليس شكلا من اشكال المهرجانات والاحتفالات الخطابية التي نتحدث فيه عن "الاستراتيجيات " دون وجودها على الارض ودون توافق بين مختلف المكونات على مرتكزات هذه الاستراتجية التي قد تكون بحاجة لاسترايجية حتى تفهم ماهيتها ؟؟ والى اين يمكن ان تصل واليات عملها ؟ ان لا نعيد الشكل النمطي والروتيني ، مؤتمر باوراق ومداخلات لها مخرجات محددة واليات تنفيذ يتفق عليها الجميع ووفق خطة عمل محددة ايضا ، وبالاساس على المستوى المحلي وتطوير المقاطعة داخليا ، والمؤتمر ايضا محطة اخرى للتقيم واعادة تحديد الخطوات على مسارها الطويل - فيها من الاعتزاز بما تحقق الكثير الذي يمكن ان نكتب الشعر امامه وكشركاء في العمل والانجازات التي تحققت طوال تلك السنوات وايضا نسعى لسد النواقص والثغرات في العمل ، وحتى تكون الامور في نصابها الصحيح وبصورة اكثر وضوحا ولتحديد الامور باعتقادي ينبغي اعادة النظر في برنامج المقاطعة ولا اتحدث هنا عن الاهداف بشكل عام فقط مع وضع متغير جديد له علاقة بالاعتراف الدولي بدولة فلسطين تحت الاحتلال والعمل باهمية ما يمثله هذا التطور ، ويحق للسؤال هنا هل البرنامج بحاجة الى بعض التعديل بالنظر ايضا المتغيرات التي تشهدها المنطقة العربية خصوصا ؟؟ فالبرنامج ليس فقط اوراق مكتوبة او كتيبات وانما ممارسة وعمل يومي يفضي لتوسيع المشاركة الشعبية وتنامي حركة المقاطعة للتناسب طرديا مع الحركة العالمية مع ان الحركة الام هي المحلية ، وايضا العمل على اعادة هيكلة اللجنة الوطنية ومكوناتها ، وتفعيل الاعضاء وتحديد شكل العلاقة والمهمات بوضوح بين الهيئة العامة والسكرتاريا ، والطاقم التنفيذي بامتداده العالمي المنتشر من جهة وبين الجمهور الفلسطيني من جهة اخرى فهو الموجه والاساس وساحة العمل الرئيسية او هكذا يحب ان يكون فالمقاطعة مقتلها ان كانت جسما نخبوبا لمجموعة من " الانتلجنسيا " التي تجتمع في غرف مغلقة تقود وتخطط للعمل لكنها لا تستطيع العمل بطريقة ناجعة على الارض بكامل قوتها ، فرق شاسع بين العمل على مستوى القاعدة مع الجمهور تتمتع فيه بتوسع افقي بين شرائح وفئات اجتماعية من ربات بيوت ، لطلبة المدارس مؤسسات حركات وتتصاعد عموديا وصولا لاعلى الهرم ، مزودة بارادة سياسية حقيقية تتبنى المقاطعة كنهج مغاير وبديل او احدى الاشكال لمفاوضات لم تفلح في انهاء الاحتلال بل كرست واقعا من الفصل العنصري ، وتاكل الارض ، نهج يدفع باتجاه تطبيق قرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير في اذار من العام الماضي التحلل من اتفاق باريس الاقتصادي الظالم الذي يكرس التبيعية ويلحق الاقتصاد الفلسطيني باسرائيل ، ووقف التنسيق الامني ، وعلى نفس الدرجة من الاهمية الانطلاق بسعة صدر اكبر ومسؤولية اعلى لتعميق ثقافة المقاطعة وتوفير الحاضنة الشعبية الحقيقية لها ومدها بكل مقومات النجاح ، الشان المحلي يحتاج للكثير مع كونه الملعب الاساس فرغم وجود اكثر من 13 حملة محلية للمقاطعة شبابية ونسوية ونقابية وحزبية ورغم ارتفاع منسوب المقاطعة وحجم الالتفاف حولها خلال العدوان على غزة الا انها عادت وتراجعت للاسف لعدة اسباب ، المقاطعة المحلية موسمية تنهض وتتصاعد ثم تخبو وتتراجع تبعا للحالة والمزاج العام للشارع .

المقاطعة حسب رأيي المتواضع وكناشط ليست PROPSAL)) امام جهة تمويل هنا وهناك ، وانما تمثل طريقا مغايرا لاعادة الروح التي اهتزت او انتزعت ، وليست معرض للتنافس او محاولة ضرب وحدانية تمثيل منظمة التحرير للشعب الفلسطيني في كل اماكن تواجده وهي ليست كذلك ولا يجب ان تكون ، بل وتشويه صورتها رغم الحاجة الماسة التي يتفق عليها الجميع لاهمية اجراء اصلاحات جوهرية للمنظمة وتفعيل مؤسساتها وفي مقدمتها المجلس الوطني ، واعادة تفعيلها على اساس شراكة وطنية حقيقية ، وهناك حاجة ماسة للفصل بين المنظمة كاطار وطني جامع وبين اشخاص او تضخيم بعض الاخطاء واستخدامها على نحو يشوه من المنظمة ذاتها .

10سنوات من المقاطعة تزخر بالانجازات التي تحققت خلال تلك السنوات القليلة وهي تحفر بالصخر من اجل تثبيت الحقوق المكفولة بالقانون ، ويتعزز معها الاعتقاد بان مصير نظام الفصل العنصري الذي تبنيه دولة الاحتلال سينتهي الى ذات المصير لنظام الفصل البائد في جنوب افريقيا رغم ان الطريق قد تبدو طويلة ووعرة وشاقة ، وما زال امامنا الكثير يمكن عمله ، مطلوب الكثير على صعيد انهاء الانقسام الداخلي والتوحد ببرنامج وطني ، ومطلوب من اللجنة الوطنية مراجعة شاملة وجادة فهي ليست مؤسسة بالمعنى الوظيفي بل عمادها الجهود الطوعية ، ودعم الاصدقاء والشركاء الدوليين على امتداد العالم
نحن بحاجة بعد ان انفضت جلسات المؤتمر الى وقفة تامل وصدق مع الذات لاستخلاص العبر من السنوات الماضية الحافلة بكل ما هو ايجابي ومشرق وبروح الاصرار والتحدي ، بحاجة الى استلهام معالم طريق طويل اولى النتائج المتوخاة ما بعد المؤتمر هو توحيد الجهود في اللجان والحملات المحلية ، او على الاقل رفع درجة التنسيق بينها ووقف اي تنافس سلبي يضر وتوحيد الجهد وفق اجندة وطنية واحدة موحدة ، ورسم طريق تطوير العمل البناء بين الجميع بصورة مبدعة وخلاقة ، والا كيف لنا ان نواجه احتلال يتربص بنا بكل الوسائل والاساليب ؟ كيف نواجه المرحلة المقبلة ؟ نحتاج الى جملة من القرارات الداخلية والانطلاق للفضاء المحلي بصورة قادرة على الجذب والتحدي ، ثم الاتجاه للضغط على المستوى السياسي والمكونات الاخرى لسن قوانين واخد قرارات واضحة لتبني المقاطعة والاعلان عن مقاطعة كل منتجات وبضائع الاحتلال بكل انواعها ، وسحب الوكالات من المخالفين ، وكبار التجار والموردين المحلين والزام الجهات المختصة بانفاذ القانون الذي يحرم التعاطي مع البضائع الاحتلالية

مؤتمر ال BDS انتهى وخلص الى نتائج وتوصيات من شان تبني وتنفيذ معظمها ان يعيد العمل ويشكل نقطة انطلاق ، كل توصية ربما تصلح لان تكون برنامج عمل ، وورشة عمل متخصصة مفتوحة وبمشاركة واسعة من الجميع ، ربما على اعتاب مرحلة جديدة وبعد اسابيع من التحضيرات المتواصلة والصياغات والتعديلات ربما علق الكثير من الملاحظات التي تحتاج لنفض الغبار عنها وتخطيها ، ربما نحتاج اكثر الان للعمل ، ورشة وطنية واسعة تفتح ذراعيها وتستقبل الجميع وبكل ما من شانه تعزيز المقاطعة جيل جديد يولد معه تطلعاته التي تواكب عملنا وتحتاج منا للعمل معها البسطاء وقود الثورة دوما وضحايا الاعدامات والقتل اليومي ، كل الناس الطيبين المخلصين معنى الاصالة والتجذر هي مداد عملنا التي لم تخذلنا ابدا والرهان عليها لا يخيب .