الإثنين: 29/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

السنوية الأربعون للمجزرة: حصار محكم "حَطّم" تل الزعتر!

نشر بتاريخ: 04/08/2016 ( آخر تحديث: 04/08/2016 الساعة: 11:29 )

الكاتب: بسام الكعبي

خَلقَ الوضع الجديد لظهور المقاومة الفلسطينية المسلحة في منطقة تل الزعتر، مواجهات صامتة مع الكتائب اللبنانية اليمينية قبل تحوّلها إلى العلن بمواجهات مسلحة وعنيفة وانفجارات دامية. تسكن المنطقة الجغرافية أغلبية طائفية تعيش تحت هيمنة ونفوذ المليشيات الفاشية، وعلى وجه التحديد تحت سطوة عائلة الجميّل في منطقة المتن الجبلية، وبمسؤولية النائب أمين الجميّل مسؤول إقليم المتن الكتائبي والنجل الأكبر لزعيم الحزب بيار الجميّل، وتنمّر مجموعة مليشياوية صغيرة وعنيفة بزعامة قائد محلي يدعى مارون خوري! بدأت مليشيا خوري بتخزين السلاح وشرائه بكميات كبيرة منذ العام 1969 بذريعة التصدي لما اعتبروه "خطراً فلسطينياً داهماً"! تزايدت الاحتكاكات بين الطرفين عقب انتقال المقاومة الفلسطينية إلى لبنان، إثر هزيمة فصائل منظمة التحرير بمواجهة النظام الأردني خلال معارك عمان في أيلول1970 وأحراش عجلون 1971.

نفوذ مليشياوي!
تعرضت مخيمات لبنان ربيع 1973 إلى قصف الجيش اللبناني، في محاولة جادة لترحيل اللاجئين من منطقة بيروت الشرقية! استهدف القصف مخيمات تل الزعتر، جسر الباشا، ضبية ومار الياس. طوال عامين تطوع معظم طلبة لبنان، على إختلاف طوائفهم وتعدد أحزابهم التقدمية، من أجل مساندة فصائل المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية؛ في تحصين تل الزعتر قبل اندلاع الحرب الأهلية يوم 13 نيسان 1975، التي سجلت فيها المقاومة والحركة الوطنية انتصاراً تدريجياً على الجبهة اليمنية الانعزالية، لولا تدخل القوات السورية مطلع نيسان 1976 بمحاصرة امتداد انتصارات المقاومة على الأرض، واكتساح مواقع تحالف الجبهة الانعزالية اليمينية بعناوينها المختلفة والمتعددة: حزب الكتائب بزعامة بيار الجميّل، ميليشيات النمور بإمرة كميل شمعون، ميليشيات زغرتا بزعامة طوني فرنجية، مليشيا "الأحرار" بزعامة داني شمعون، حراس الأرز بإمرة شارل عقل، "التنظيم الماروني" بإمرة جورج عدوان، و"حركة الموارنة" بزعامة مارون خوري، ومجموعة مسلحة بإمرة المليشياوي إيتان صقر.
شكل تل الزعتر صاعق تفجير الحرب الأهلية من خلال جريمة حافلة عين الرمانة الشهيرة يوم 13 نيسان 1975: فتح مسلحو الكتائب نيران أسلحتهم على حافلة (بوسطة) تقل لاجئين عائدين إلى تل الزعتر شرقي بيروت، عقب مهرجان سياسي للمقاومة الفلسطينية في مخيم شاتيلا غربي العاصمة اللبنانية. خطف إعتداء عين الرمانة أرواح 27 فلسطينياً بريئاً، وزعم المعتدون أنه جاء رداً على مقتل إثنين من أنصار الكتائب؛ يعمل أحدهما مرافقاً لزعيم المليشيات الكتائبية بيار الجميّل!

حصار يعبد طريق مجزرة!
فرضت الحرب الأهلية وقائعها على المخيم، وبات من نقاط التماس العسكرية بين المتقاتلين الذين انقسموا بين محوري القتال: بيروت الشرقية بمواجهة الغربية، وعبّر قادة الكتائب عن رغبتهم في "تطهير" المنطقة الشرقية من المخيمات!
أقدمت مليشيات مارون خوري يوم الرابع من كانون ثاني1976 على فرض طوق عسكري حول تل الزعتر انطلاقاً من الدكوانة، وترك المسلحون ممراً واحداً مفتوحاً، وتعرض المخيم لحصار تمويني مع اشتداد المعارك في طرابلس وبيروت والبقاع. منعت الرابطة المارونية والكتائب والأحرار مرور أربع شاحنات تموينية إلى المخيم؛ عبر حرش ثابت غربي تل الزعتر، وهددت بتدميرها. بعد ثلاثة أيام تمكن مقاتلون فلسطينيون ولبنانيون من مهاجمة المسلحين في حرش ثابت، ونجحوا بفتح ثغرة في الحصار الذي استمر محكماً طوال 22 يوماً. رد المسلحون بالاعتداء على مخيم الضبية شمال بيروت، ووقع في قبضة الكتائب بعد ثلاثة أيام من القتال الضاري، ودفع سقوط الضبية القوات اللبنانية الفلسطينية المشتركة إلى مهاجمة الجيه والدامور والسعديات جنوب بيروت.

في جولة ثانية من المعارك الضارية؛ تمكن المقاتلون من إنهاء عزل تل الزعتر، وتأمين مرور شاحنات التموين بانتظام، لكن جولة قتال واسعة اندلعت أواخر أيار 1976 شملت تل الزعتر، الدكوانة، جسر الباشا، الحازمية، الشياح، المسلخ؛ طالب على إثرها الجميّل بنقل تل الزعتر من المنطقة الشرقية؛ مهدداً أنه لا يعرف طبيعة الاحتمالات القادمة قائلاً بالحرف:" وجود المخيم في المنطقة الشرقية لا يشكل موقعاً استراتيجياً بمواجهة إسرائيل"! لكن حقيقة الأمر أن الأحزاب اليمينية التي يساندها الغرب، كانت تبحث عن إقامة (غيتو طائفي) مترف يشطب الأحياء اللبنانية الفقيرة ومخيمات اللاجئين، فأقدمت على تنفيذ مجازر في الأحياء اللبنانية الفقيرة: سبينة وحارة الغوارنة في أنطلياس، وحي المسلخ والكرنتينا قرب المرفأ، وحاولت كسر شبكة المقاومة والحركة الوطنية الممتدة بين مخيمي تل الزعتر وجسر الباشا والنبعة، وقد أطلق عليها بجدارة (مثلث الصمود).

تعرض مثلث الصمود في حزيران 1976 إلى حصار تمويني استهدف المناطق الثلاث، واستمر زهاء شهرين بدعم أنطوان بركات الذي انشق عن الجيش اللبناني، وانتهى الحصار بسقوط مخيم جسر الباشا عسكرياً وإخلاء النبعة؛ تمهيداً لمجازر تل الزعتر، في حين واجهت القوات المشتركة يوم 7حزيران قوات النظام السوري في منطقة صوفر الجبلية لتأخير تقدمها نحو بيروت، وتصدت لها أيضاً في مدينة صيدا الجنوبية وأعطبت للقوات السورية 18 دبابة. ردت القوات السورية بقصف مكثف وعنيف لمناطق برج البراجنة، شاتيلا والطريق الجديدة غربي بيروت؛ مستهدفة قواعد المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية بقيادة كمال جنبلاط؛ وقد دفع الزعيم الفذّ حياته يوم 16 آذار 1977 على مذبح الحرية قبل أن يتجاوز الستين من عمره.
شددت الجبهة الفاشية اللبنانية الحصار على تل الزعتر في النصف الثاني من حزيران1976 وتزايد الحصار عنفاً بالتدريج؛ تحت يافطة من التحريض الإعلامي مستنداً على قاعدة ثابتة واسطوانة لا تنقطع: "لا مدنيين في المخيم، وكل المقاتلين مرتزقة"! علماً أن تل الزعتر يسكنه 30 ألف نسمة، نصفهم ويزيد من اللاجئين الفلسطينيين والباقي من فقراء لبنان وسوريا ومصر.

خطة الاقتحام!
وضع الملازم ميشال عون قائد ثكنة الدكوانة خطة اقتحام تل الزعتر، وبدأ العدوان الغادر في الثاني والعشرين من حزيران 1976 بهجمات المليشيا المسلحة، سبقها قطع شبكة الكهرباء، وحظر وصول الطعام ومياه الشرب للفقراء واللاجئين!
في التاسع والعشرين من حزيران1976 أعلن الزعيم كمال جنبلاط أن كتيبة سورية عَبَرت إلى منطقة بيروت الشرقية بملابس مدنية، وشاركت في الاعتداء على المخيم، فيما أكد الشاهد أبو أيمن عبد الله أنه رصد من بعيد 19 مدفعية تقصف تل الزعتر بلا توقف بمساندة سورية، تحت إشراف العقيد علي المدني الذي شارك مع قادة الكتائب في غرفة عمليات عسكرية مشتركة في الدكوانة. في ظل الاشتباكات الواسعة على أكثر من محور للقتال، سقط مخيم جسر الباشا يوم 29 حزيران، وبدأ الصليب الأحمر باخلاء اللاجئين، وبدا سقوط جسر الباشا نذير شؤم على تل الزعتر.

أطلق قناص من داخل الزعتر رصاصة يوم 13 تموز قتلت وليم حاوي رئيس المجلس الحربي الكتائبي، وقد أشرف "بمهنية عالية وروح قتالية"! على قصف المخيم، وتسلم المنصب بعد مقتله العسكري المليشياوي بشير الجميّل الذي بحث عن أشرس السُبل للانتقام. ازداد العدوان شراسة على المخيم، وصد المقاتلون سلسلة من الهجمات بفضل سيطرتهم على التلال المحيطة بالتل، فيما ساندت بالقصف مدفعية القوات المشتركة المتمركزة في تلال عاليه وصوفر؛ لتخفيف الضغط عن المحاصرين في المخيم، الذين تعرضوا لمزيد من الهجمات عقب خطاب للرئيس السوري حافظ الأسد يوم 20 تموز؛ عندما أعلن فيه تأييده للجبهة الانعزالية اليمينية، ورفضه دعوة الزعيم التقدمي البارز كمال جنبلاط بتحرير لبنان من المليشيات الفاشية العنصرية! عقب خطاب الرئيس حافظ الأسد، عقدت المليشيات الانعزالية ومجموعات محلية مقاتلة يوم 29 تموز اتفاقاً يتيح بتهجير جماعي لأهالي حي النبعة نحو بيروت الغربية، و"سجلت" القوى الانعزالية "إنتصارا"! وأبدت "فرحاً" بتهجير الضحايا الأبرياء! وظل الاتفاقُ لغزاً سرياً لم يتم الكشف عنه حتى اللحظة.