الأربعاء: 08/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

انتــخابات الهيـئات المحلــية.. بأيّ حالٍ عدت

نشر بتاريخ: 28/08/2016 ( آخر تحديث: 28/08/2016 الساعة: 15:12 )

الكاتب: أ.باسم أبو جري

ظهرت الهيئات المحلية بعد اعتماد اللامركزية كنظام لإدارة شؤون المواطنين، فاتساع نشاط الدولة، وتعقد الحياة، دفع نحو تفويض الصلاحيات والمسئوليات إذ من الصعب حصر جميع مظاهر الوظيفة الإدارية في يد السلطة المركزية، وأصبح من الضروري توزيع الوظيفة الإدارية بين الحكومة المركزية وهيئات منتخبة أو محلية تباشر اختصاصها تحت إشراف الحكومة.

وكطريقة لاختيار المسئولين في الهيئات المحلية تعتبر الانتخابات الأفضل بالمقارنة مع نظام التعيين، كونها تقصر المسافة بين المواطن والمسئول، وتعطي المواطن فرصة في إدارة شؤونه المحلية، وتسمح بتداول السلطة عبر صناديق الاقتراع. إضافة إلى ذلك تشكل حقاً أصيلاً من حقوق الإنسان. هذا الحق المجمد في قطاع غزة منذ انتخابات الهيئات المحلية التي عقدت قبل أحد عشر عاماً. حين عقدت في خمس مراحل نفذت منها أربعة مراحل ما بين عامي (2004م-2005م)، فيما بقيت المرحلة الخامسة والأخيرة وتعذر تنفيذها.
وشهد قطاع غزة جملة من الانتهاكات لاسيما على صعيد قوات الاحتلال الإسرائيلي والتي أسفرت عن تراجع المستويات المعيشية وسوء الحالة الاقتصادية جراء الحصار المفروض على قطاع غزة، وتجميد مقومات التنمية. إلا أن هناك بعض الاختلافات ما بين انتخابات (2004م-2005م)، وانتخابات (2016م)، نذكر منها ما يلي:

أولاً-انتخابات (2016م)، ووفقاً للمشرع تجرى الانتخابات لجميع المجالس المحلية في قطاع غزة والضفة الغربية في يوم واحد، فالتوحيد الزماني له دلالاته المهمة والإيجابية التي ينتظرها المواطن وسوف يحتفل بها في رفح وجنين والنصيرات، وطولكرم. ... الخ، لكن للأسف الوحدة غائبة في ظل تعدد المرجعيات القانونية والسياسية والأمنية، نظراً لاستمرار الانقسام السياسي الداخلي الذي يشكل أبرز التحديات في البيئة العامة، فانتخابات الأمس تعددت فيها مواعيد الاقتراع، لكنها أجريت في نطاق سلطة وقضاء وأجهزة أمنية موحدة، هذا الفارق حوّل الانتخابات من عملية تقييمية قائمة على المراجعة الدورية الشاملة تفضي إلى مكافأة المصلح ومعاقبة المفسد، كما هو معتاد ومتعارف عليه في دول العالم المتحضر، وكما هي الغاية من الانتخابات الدورية. وصارت العملية في نظر الكثير هو قياس حجم الحركة أو الحزب في الشارع، ومعرفة فعالية الداء الذي جرعه الأخ لأخيه، وانقسم الفاعلون إلى ثلاثة فرق، الأول يحدوه الأمل أن ينجح في اغتنام المخالفات القانونية التي ارتكبتها السلطة الحاكمة في غزة، والاستفادة من حالة التراجع الاقتصادي والتي بلغت فيها معدلات البطالة (35.9)% للأفراد الذين أعمارهم فوق (15) سنة، واستثمار النتيجة سياسياً، بينما يرى الفريق الثاني أنه سيجني ثمار أخطاء خصمه السياسي في الضفة الغربية جراء الجمود في العملية التفاوضية وممارسات الحكومة، فيما الفريق الثالث وبعدما أصبح عصبة مع الأقربين سياسياً وفكرياً ينظر وبشغف كبير للاستفادة من أخطاء الطرفين، وصرف شيك عدم الانحياز والحيادية التي تبناها في بنك الانتخابات.
معركة الانتخابات السابقة شهدت منافسة حزبية ومناكفات سياسية، لكن انتخابات (2016م) الحسبة السياسية فيها مختلفة تماماً بكل المقاييس، ونتائج الانتخابات لها دلالات وعلى ضوئها ستبنى استراتيجيات، وكل الأطراف الفاعلة تعي ذلك.

ثانياً-انتخابات (2016م) ستعقد في إطار قانون يتبنى نظام القوائم وبالرغم من ذلك فإن المقررين الخاصين، وأصحاب الكلمة الفصل والمشرفين على القوائم في الأحزاب والتنظيمات، سعوا وحرصوا بتطعيم القوائم بشخصيات مستقلة أو شخصيات خلعت نظارة الحزبية منذ زمن بعيد، وتعاملت مع الجمهور من منظور وطني وإنساني، شخصيات أطعمت الجائع، وأسقت الظمآن، وأنارت سبيل كل ضرير. وهذا أغضب بعض أصحاب الفكر السياسي المحدود، كما قللت من هامش العشائرية والقبلية والجهوية، وغلبت المصلحة العامة. بينما الانتخابات السابقة كانت الفيزا أمام بعض المرشحين لتزكيتهم على خوض الانتخابات، ألا وهي درجة الولاء والانتماء الأعمى للحزب والتنظيم والحركة، ويا حبذا لو كثرت حول المرشح الزبانية والطبالين.
اليوم تغير الحال بعض الشيء وتقدمنا خطوة جديرة بالاهتمام والاحترام حيث أصبح المعيار للمرشح هو مدى قبوله في أوساط الفقراء والمساكين. وحتماً سيكون الفشل حليف من طالبوا بحشو المستقلين في القوائم حتى لا يتحمل الحزب أو التنظيم عبأ الهزيمة.

ثالثاً- انتخابات (2016م) هلت في ظل تطور هائل وواسع في استخدام وسائل الاتصال الحديثة وتحديداً ما يسمى مواقع التواصل الاجتماعي فلم يعد التواصل بين الأشخاص مقتصراً على المشاهدة الشخصية من خلال الزيارات البيتية، ولم يعد الكتابة والتعبير عبر شعارات تكتب على الجداران الاسمنتية، اليوم يمكن التفاعل مع الأشخاص في أي وقت يشاء وأينما يشاء، ويستطيع أن يرسم ويكتب ليعبر عما بداخله عبر الجدران والصفحات الإلكترونية، فقرار القدح أو المدح بين المتنافسين لا يتعدى ثوانٍ معدودة ليتم فيها وضع إعجاب- أو مشاركة أو إعادة نشر تغريدة مصحوبة بكلمات معدودة، وهذا السلوك بدء يتزايد مع كل يوم جديد يقربنا من موعد الاقتراع. والتطور التقني يحتاج إلى قرار جريء من القائمين على الدعايات الانتخابية لحث أنصارهم باحترام محددات الدعاية الانتخابية التي وردت في قانون الانتخابات. ولعل الفرصة سانحة وذهبية أمام المواطن لاستثمار هذه التقنية في الرقابة على برامج القوائم الانتخابية وأنشطة المجالس البلدية فيما بعد.

مما سبق نستنتج أن حالتنا الفلسطينية الثابت فيها هو المتغير، وكل عرس وطني له تحدياته وظروفه المختلفة، ولا فرق جوهري بين الانتخابات المحلية والانتخابات التشريعية إلا في مستوى الدرجة ففي الحالة الأولى الهيئة المنتخبة تمثل السكان المحليين، وفي الثانية أعضاء البرلمان يمثلون الشعب. والانتخابات المحلية هي تعبير عن الديموقراطية كونها تشرك المواطنين في إدارة شئونهم المحلية كونهم أكثر إدراكاً للحاجات المحلية. وهذا يدفعنا، كي نعطي أكثر نحو قراءة متفحصة للبرامج الانتخابية، وتقييم الأهداف والغايات، والانحياز دوماً للبرامج التي تصنع النهضة والتنمية وتعالج القضايا المعقدة، كي يكتمل العرس الديموقراطي لشعبنا الفلسطيني ويصبح مكتمل الأركان، وآمل من الله عز وجل أن تكون هذه الانتخابات المحطة الأولى في الأعراس الديموقراطية القادمة، وأن تكتمل فرحتنا بإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني، وضرورة البناء على الإيجابيات نحو تفكيك جدار العزلة بين شطري الوطن.