الجمعة: 03/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

دور المثقف العربي تجاه مجتمعه ودولته في مرحلةالاستهداف الظلامي

نشر بتاريخ: 28/09/2016 ( آخر تحديث: 28/09/2016 الساعة: 12:58 )

الكاتب: د. حسن عبد الله

حمل المثقف العربي في العقود الماضية حلماً كبيراً تمثل في التوق إلى وحدة عربية وإلى مجتمعات ديمقراطية تسودها العدالة والتقدم، واصطدم حلمه بعديد المعوقات الموضوعية والذاتية، الا انه لم يسقط أو يتلاشى، لكن حلمه وإنْ، كان تشكل من مكوَّنات استراتيجية، فإن ما هو مرحلي وطارئ وملح يفرض على المثقف العربي الآن، التعمق أكثر في واقع المجتمعات العربية، والتعامل مع مهمات مرحلية ملحة، تتعلق بأمن واستقرار المجتمعات والدول العربية، المستهدفة كوجود، وبالتالي فإن المثقف مطالب بالتعاطي مع المستجدات والانطلاق من خصوصية الساحات العربية، والتعاطي مع مهمات شديدة الأهمية، ذات صلة بأمن واستقرار المجتمعات والدول العربية، بما فيها من تحديات اجتماعة وسياسية وفكرية واقتصادية وأخلاقية. ولا يمكن للمثقف أن يغلق أبواب حجرته، وينزوي يتخيل عالماً جميلاً مخملياً، دون أن يلامس بقلمه وريشته وصوته وأدائه الدرامي، هذه التحديات ويتفاعل معها، ويسهم في تقديم رؤيته فيها وحولها.

هناك دول عربية استهدفت وتم تفكيكها، مقابل دول تصمد أمام مخططات الاستهداف، فيما الأفكار التكفيرية والظلامية تعيش وتترعرع في ظل محاولات خلخلة أساسات الدول، فالدولة القُطرية التي كان ينظر إليها المثقف في السابق كمعرقل للوحدة، هي بذاتها مهددة كوجود، ما يتطلب أولاً الدفاع عن الدولة كوحدة وعن المجتمع كبنية في داخل هذه الدولة، ولا يجوز تجاهل ذلك انسياقاً وراء شعارات تقفز إلى الأمام واستبدالها مرحلياً ببرامج عملية تستند إلى بعدٍ ثقافي يقرأ ويستنبط ويستلهم، أي بُعد ويتسم بالايجابية لا السلبية الانسحابية.
وأعتقد أن مهمات كبيرة تنصب في الحاضر أمام المثقفين العرب وفي صدارة ذلك، تعزيز انتماء المواطن لثقافته وتاريخه ومجتمعه ودولته، وبث روح الأمل لكي لا يفقد المواطن ثقته بمستقبله.

إن ما تبقى من دول يستدعي من المثقف إعادة تعريف نفسه ودوره ومهماته، فوحدة الدولة تتحول إلى مطلب جوهري ينبغي التصدي له ثقافياً وإبداعياً، بنتاجات تنويرية تعزز رباط المواطنة وتقويه، فإذا ذهبت الدولة وتفككت فالنتيجة تجر علينا التقهقر إلى مرحلة ما قبل الدولة، وهذا يعني تشظي الاقتصاد وانتحار السياسة وانحطاط التعليم والترنح في فوضى القطيع الذي لا تحكمه ضوابط ولا أنظمة، فالبديل عن الدولة، هو مجتمعات منقسمة، متقاتلة، متناحرة، تقوم على أساس قبلي ومذهبي، كل قبيلة أو مذهب يسعى إلى ابتلاع الآخر واجتثاثه، ضمن دوافع اقصائية واقتلاعية، لا ترى في الآخر سوى خطر وعدو وهدف.
ولحماية الدول العربية ومجتمعاتها، مطلوب من الثقافي تصويب علاقته بالسياسي، والمطلوب من السياسي، أن يتفهم ويعي مخاوف وهواجس ودور الثقافي، فالعلاقة بينهما من المفروض ألا تخضع للهيمنة والتبعية، وإنما لجدلية التكامل والتناغم في مواجهة أخطار جسيمة من شأنها أن تعصف بالاثنين وتطيح بهما ليندحرا في فوضى استراتجية الارهاب، التي ترى في غياب الدولة تربتها الخصبة للتعبير عن نفسها تدميراً وتخريباً وانقضاضاً على كل انجاز مادي ومعنوي لهذه المجتمعات والدول.

ولا يعني تخندق المثقف خلف وحدة الدولة والمجتمع، أن يتخلى عن شعارات ومفاهيم الحرية والديمقراطية والتنمية، لأن التشبث بهذه الشعارات هو مدخل مناسب في مرحلتنا المعاشة لحماية المجتمعات، من خلال تنشيط وتفعيل الحوارات والنقاشات مع السياسي، المطالب باستخلاص العبر من غياب الديمقراطية في مجتمعات ودول تفككت، بعد أن حاول الناس انتزاع ديمقراطية بحرق المراحل، فاحترقت الدول. ولعلنا في هذا السياق نستفيد من تجربة المثقفين في تونس، الذين رغم تغير وتبدل وجه السياسي الحاكم في بلادهم، ظلت بوصلتهم موجهة إلى وحدة الدولة، في حين يسعى السياسي لالتقاط المستجدات ومحاولاً توسيع مساحة الديمقراطية، حتى ينقذ نفسه والمجتمع من خطورة حشر الموطنين في مربعات خنق وسلب حريات،لاسيما وأن المضاد السريع وغير المستنير ببرنامج ورؤية واستناداً إلى تجارب شاخصة يأتي بنتائج خطورتها تفوق كل التوقعات.

ومعلوم أن نقاط الالتقاء بين السياسي والثقافي كثيرة، فإلى جانب وحدة الدولة والمجتمع وخطر الارهاب، هناك مهمات تتعلق بالديمقراطية والاقتصاد والتنمية والتعليم والإعلاموالمرأة والطفل والشباب، يجدر العمل على التعامل معها بمنهجية وببعض الشراكات بين الطرفين.
لا يغفر للمثقف في هذه المرحلة عدم قدرته لعى اجتياز الحواجز، ولا يغفر له التذرع"بشعارات قديمة"، كما لا يغفر للسياسي، نظرته الدونية للثقافي والإبداعي، على اعتبار أنه صاحب الفعل والحسمبينما المثقف محكوم عليه بالتبعية والانصياع.

نحن نتحدث عن تكاملية تقوم على احترام الأدوار ونقصد في هذا السياق المثقفين الذين ما زالوا صامدين على أرضهم ويتفاعلون مع بيئتهم العربية، بما لها وما عليها، ولا نقصد أولئك الذين تزعزعت ثقتهم بمجتمعاتهم وفضلوا العيش في مناطق أسهل وأكثر رفاهية، بصرف النظر عن المبررات والدوافع، لأن نسبة المثقفين في الدول العربية التي ما زالت منغرسة في أرضها هي الأكثر والأهم، ثقلاً وحضوراً.

ونخص في حديثنا بالطبع اتحادات الكتاب والصحفيين والفنانيين ونقابات الأكاديميين على اختلاف الفروع والتخصصات، فالاتحادات والنقابات المذكورة تشكل أطراً نقابية وتمثيلية لقطاعات واسعة، وهي مطالبة بالاسهام في عملية التعزيز والتطوير، فالأديب له دوره ورسالته وكذلك الحال بالنسبة إلى الفنان التشكيلي والممثل والمخرج وكاتب السيناريو والإعلامي. لقد اضطلعت هذه القطاعات في الدول العربية جميعها في التثقيف والتنوير والترفيه والارتقاءبالذائقة، وقطعت شوطاً على هذا الصعيد، صحيح أنه لم يستكمل وتعرض لتقطعات وتجاوزات من قبل السياسي، الا ان امكانية البناء على ما تأسس في عقود سابقه ورادة تماماً في هذه المرحلة، بل إن المهمات تبدو أكثرالحاحاً، لأننا نتحدث هنا عن تهديد جدي لمجتمعات ودول، وتهديد للثقافة والابداع بكل ميادينه وتجلياته، ولو عدنا إلى حقبة الستينيات لوجدنا أمثلة ناصعة على دور الفنانين المصريين في استنهاض مجتمعهم وبث روح الوعي والحماسة فيه، بخاصة بعد هزيمة العام 67، فأغاني عبد الحليم حافظ على سبيل المثال لا الحصر وأشعار الأبنودي والحان الطويل انبرت تتصدى للانكسار والتشظي، بما يلزم من فن عرف كيف يعبر عن رسالته وكيف يوجهها بقوالبٍ فنيةٍ راقيةونستشهد بأغنية عبدالحليم "عدى النهار" التي أطلقها بعيد الهزيمة مباشرة لتفعل فعلها تضميداً تضخيماً وتحشيداً وشحذاً أكثر مما فعله الخطاب السياسي بأضعاف مضاعفة.