الثلاثاء: 07/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

رفح تمرض والانقسام يشيع

نشر بتاريخ: 23/11/2016 ( آخر تحديث: 23/11/2016 الساعة: 11:09 )

الكاتب: د.أحمد الشقاقي

يعود الشباب الفلسطيني ليثبت نفسه مجدداً، وينطلق بمسئولياته الاجتماعية بما يفوق قادته وولاة أمره وبدلاً من أن يكون المسئول عنواناً للحرص المجتمعي تحت قاعدة خدمة الجمهور، نجده في موقف المتابع لتحركات المواطن الذي يفقد الخدمة ويعاني من إهمال طبي خطير، يحرم ربع مليون مواطن من سرير للعناية المركزة. هذا الشباب الذي انطلق عبر صفحات التواصل الاجتماعي مغرداً في مطالباته الداعية لتوفير مشفى طبي بمحافظة رفح، ينتظر استجابة بحجم الحاجة التي ينادى لتحقيقها، وتفاعلاً من قبل المسئولين بقدر الأزمة.

مدينة رفح بوابة الجنوب الأولى، وصاحبة التضحية الدائمة على كافة المجالات، من قدمت للوطن خيرة أبناء شعبنا، وبخصوصيتها وحضورها الدائم في كافة التفاصيل، نجد الحديث عنها مؤلماً، وهى تسعى في 2016 إلى مستشفى طبي يوفر الرعاية الكاملة لهذا الجمهور المناضل، وصاحب الهم والقضية، كغيره من أبناء شعبنا في كافة مناطق تواجدهم.

الواقع الطبي الحالي برفح يتلخص بمركز أبو يوسف النجار الصحي، ومستشفى خاص، وآخر للولادة، وهو ما يسجل كأقل من الحد الأدنى الذي يمكن من خلاله التعامل مع حاجات الناس سواء في الوضع الطبيعي، أو وقت الأزمات. وبالتالي فان المطالبات بتوفير مستشفى لرفح عادلة، وتأتي في سياق الضرورة والواجب. وإذا ما ذهبنا للحديث عن تفاصيل مركز النجار الصحي، نجد أن الكادر الطبي فيه لا يتعدى سبعين طبيبا في كافة فترات التناوب، عدا عن خلوه من غرفة للعناية المركزة، وكذلك ما توفره وزارة الصحة من أدوية ومستلزمات طبية لا يرقى للمستوى المطلوب، بالإضافة إلى موقعه في أقصى شرق المحافظة مما يجعل خدماته الطبية المحدودة في أوقات الطوارئ والظروف الميدانية والأمنية عرضة للانهيار.

الحالة المأساوية التي تعيشها رفح، لا يمكن توصيفها إذا ما تحدثنا عن واقعها تحت الحرب وفي ظل العدوان الإسرائيلي الذي تتعرض له دوماً، وما شهدته شوارع وأزقة رفح خلال الحرب الأخيرة، يجعلنا نعود لعصور متأخرة، فلا يعقل أن تصبح ثلاجات المجمدات ملاذاً لجثث الشهداء!! أليس من الواجب أن نعزز صمود الناس حتى نتمكن من تحقيق الانتصار؟ ونحن نتحدث عن انتصار إرادة الجماهير أمام سطوة وإرهاب جيش الاحتلال.

أمام هذه الحالة وعند البحث في تفاصيل الأزمة نرى شبح الانقسام يخيم على الأجواء، وتحضر الشياطين وتغيب ملائكة الرحمة، على حساب الم المواطن وأنات الجمهور، في استهتار من المسئول وتهرب من القيادة. ذراع الانقسام في ملف مستشفى رفح يعمق الجرح وينكأ الوجع، فقد تداعت شخصيات وطنية وشكلت جمعية أصدقاء مجمع رفح الطبي من كافة التوجهات والقوى الفلسطينية، وان تعرضت لشبهة الانحياز لطرف على حساب آخر، إلا أنها شقت طريقها ورفعت صوتها للبدء في هذا المشروع المنتظر، غير أن مفاعيل الانقسام عاودت الحضور بقوة ليخفت الجهد ويتلاشى الأمل. فبعد تخصيص قطعة ارض على مساحة 52 دونم لهذا المشروع غرب المحافظة، والتمكن من توفير 200الف دولار لصالح المشروع الذي تبلغ تكلفته الإجمالية خمسين مليون دولار، لم نجد مباشرة في البناء الذي من المتوقع أن يستغرق أربع سنوات، وهو ما تعود أسبابه للعنة الحصار، ومساهمة الانقسام المجانية.

المطلب الشعبي في مستشفى لمحافظة رفح اقل واجب على الحكومة والوزارة الشروع بتنفيذه، هذا المطلب لا يمكن التنازل عنه، بل ومن الواجب تحقيقه. غير أن منطق الواقع وظروف الحصار تستدعى الحديث عن عناوين محددة نحو الوصول إلى هذه الغاية. أولاً: الشروع فوراً في تطوير مركز النجار الصحي كحل عاجل للمحافظة لحين الانتهاء من مشروع مجمع رفح الطبي.
ثانيا: معالجة كل القضايا الخلافية بين رام الله وغزة بما يخص مشروع المجمع الطبي، بحيث يكون المحدد والهدف المصلحة الوطنية وليست الحزبية.
ثالثا: احترام الإرادة الشعبية والاستجابة لها من قبل كافة الأطراف، فهذه الإرادة الشعبية هي الحاضنة لكل التوجهات الحزبية التي قد تخسر هذا الجمهور وتجعل نفسها في صراع معها.

رابعا: خدمة الجماهير لا تنظر في تفاصيل الواقع السياسي، والأولى الشروع بخطوات فعلية حقيقية، فكل دقيقة يستمر بها هذا الحال تستنزف ألماً وتكسر من صمود الجبهة الداخلية.
خامسا: المواطن البسيط يستطيع أن يعي من يقف وراء تعطيل مصلحته، ويقدّر من يسعى نحو تجاوز هذه الأزمة، فكسب ثقة الناس تأتي من بوابة الاستجابة لمطالبها، لا تجاهلها والتعامل معها وفق منطق الحزبية واللامبالاة.
أخيراً فان القيادة برام الله والحكومة في غزة هم من يتحمل المسئولية، وآهات الناس ستزيد طالما استمر منطق التجاهل، والأجدى أن نلتقي كوطنيين ومسئولين لنحول دون الوصول إلى كارثة تُطبق على مصير أبناء الوطن، وتجعله عرضة للاحتلال والحصار والانقسام.