الأحد: 16/06/2024 بتوقيت القدس الشريف

الفلسطيني نسخة 2017

نشر بتاريخ: 31/12/2016 ( آخر تحديث: 31/12/2016 الساعة: 13:50 )

الكاتب: د. أحمد رفيق عوض

سبعون سنة مضت على إسرائيل في بلادنا، وما يزال الدم الفلسطيني مستباحاً، وكأنه أرخص ما يكون في هذه البلاد، وبعد أن أقام الصهاينة الأوائل دولتهم على شاطئ البحر، فإنهم الآن يريدون إقامتها على تلال الضفة الفلسطينية باعتبارها "أرض أبطال الثورة" كما تقول اللافتة المنصوبة على الطريق الالتفافي المقابل لقرية بيتين شمال رام الله، سبعون سنة اكتشفت إسرائيل فيها أن هذه الأرض فيها شعب حقيقي ما تزال تنكره وتنكر عليه حقوقه، سبعون سنة غرقت إسرائيل خلالها في التطرف الديني والقومي، بينما يُطلب من الفلسطينيين أن يكونوا ليبراليين ومتسامحين، ويُطلب منهم أن يُنظّفوا عقولهم وقلوبهم ومناهجهم من أية أفكار متطرفة، بينما يتبجّح الوزير الوسيم اللطيف نفتالي بينت أن لا مكان لدولة فلسطينية، فيما يُصر نتنياهو الشبيه بمدير البنك بأناقته ولكنته الأمريكية أن على الفلسطينيين أن يعترفوا بيهودية دولته، وكأنه اعترف أصلاً بوجودنا أو بوجودها، فيما يستمر أفيغدور ليبرمان، الذي يفشل دائماً بتقليد النبلاء الروس، بمعاملة الفلسطينيين وكأنهم لا يملكون سوى معدة ومصران، ليبرمان بالذات الذي يبدو وكأنه أحد أبطال دستوفسكي العصابيين، مُصر على أنه يستطيع حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من خلال المعادلة الأبدية لمواطنه الروسي بافلوف: العصا والجزرة.
المشكلة أن زعماء إسرائيل الحاليين لا يتمتعون بالرؤية التي يتميز بها من أقام إسرائيل أصلاً، إذ أن الزعماء الحاليين أكثر تبسيطاً للأمور، أكثر انصياعاً للجمهور الذي انتخبهم، أكثر تخوفاً، أكثر فساداً، أكثر استخداماً للقوة رغم ثبوت فشلها، أكثر غطرسة، أكثر انغلاقاً، أكثر خطأً، أكثر يهودية، أقل إسرائيلية، أقل دبلوماسية، إنهم يتجهون إلى يهودية شعبوية، واثقة، صلبة، بسيطة، سببت فيما مضى كوارث حقيقية للتجمعات اليهودية على مرّ التاريخ اليهودي العام.
وبالمقابل، فإن الفلسطيني وبعد سبعين سنة من وجود إسرائيل، وبسبب القتل والظلم والملاحقة والغبن والتهميش والتوجّس والفقر، أصبح أكثر تذكراً، وأكثر قدرة، وأكثر صلابة، وأكثر قرباً من هدفه، بعد سبعين سنة، ظل الفلسطيني واقفاً وشاهداً ورقماً ومشاركاً في ما يجري على وطنه وفي إقليمه.
الفلسطيني نسخة 2017، مليء بالأمل، رغم انقسامه وتقسيماته، رغم تمزقه وتمزيقه، رغم تغيره وتغييراته، ورغم قتله واقتتاله، فإن الفلسطيني اليوم، أكان في قلب إسرائيل أو حاملاً لبطاقتها الزرقاء أو الخضراء، أو حاملاً لوثيقة السفر أو جواز السفر المؤقت، أو حتى الجنسية الأخرى، يشعر أنه مطعون في قلبه، مجروح في كرامته، منقوص الكرامة، مكسور الخاطر، لا يفرح من قلبه، ولا يضحك من صدره، إذ أن وطنه مُصادر ودولته مؤجلة، وأن مصيره مجهول، وأن اليهودي الذي طاردته المجتمعات والدول في الماضي، وقتلته وجردته من أملاكه، لكراهية أو لغيرة، أو لتضارب مصالح، أو لأي سبب آخر، لم يجد غير الفلسطيني ليحكمه ويُمرّر حياته ويدمر عالمه، الفلسطيني نسخة 2017 يقول بملء فيه للإسرائيلي الجديد أو اليهودي القديم: أنت خير مثال على قوة التاريخ وثبات الهوية، فهل تريد أن تعيد دورة التاريخ من جديد؟! وكما قال محمود درويش على لسان الفلسطيني: أنا مثلك، نسيت أن أموت، فإن الفلسطيني نسخة 2017 يُصر على نسيان موته أيضاً.