الثلاثاء: 28/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

ما بين المقاومة والتواصل مع المجتمع الاسرائيلي ... ابعاد ودلالات

نشر بتاريخ: 03/01/2017 ( آخر تحديث: 03/01/2017 الساعة: 15:24 )

الكاتب: يونس العموري

بعيدا عن السجال والسجال المضاد، استغرب كثيرا هذه التصريحات التي تتوارد وتجتهد في تحليل وقائع المرحلة الراهنة فلسطينيا وتجلياتها وتلك التساؤلات التي تُطرح حول مدى نجاعة مواجهة الاحتلال بمختلف الاساليب والوسائل، حيث الاطلالات الاعلامية الصحافية التي باتت تحتل المساحة الأكبر في المشهد اليومي للصحافة الفلسطينية على مختلف منابعها وتوجهاتها، حيث بات مصطلح المقاومة مرتبط بالضرورة بمرادفة السلمية او الشعبية ومؤخرا الذكية ، وكأن هوية المقاومة اضحت ضرورة حتمية لتعريفها وحصرها كبطاقة للعبور نحو الخطوة الاولى للتطبيع على قاعدة رفض الاحتلال سلميا والتأثير بالرأي العام الإسرائيلي بهدف التأثير بقلب المعادلة الحاكمة بتل ابيب .

حيث أضحت هذه التصريحات والتحليلات إنما تعبر عن الرفض المطلق لأيا من الأفعال المقاومة في الأراضي الفلسطينية بصرف النظر عن نوعية وإستراتيجية الفعل المقاوم في سياق الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وأكثر ما يثير الاستغراب والدهشة هو استنكار الفعل المقاومة بالعموم كونه لم يأتي بثماره، وكأن الفعل المقاوم ككل أصبح مرفوضا من جانب البعض الفلسطيني والذي يعتبر أن هذا الفعل قد ولى ومضت أساليبه... وما يثير الاستغراب أكثر هو تصريحات هؤلاء التي تأتينا على شكل وجهة نظر أو تحليل يحمل معه الكثير من التبريرات المغلوطة لماهية الصراع وأدواته وبالتالي أساليب المقاومة وقلب الحقائق والاسترشاد بتجارب شعوب اخرى تختلف قضاياها بالشكل والمضامين وبطبيعة الاستعمار الذي كان جاثما فوق صدور تلك الشعوب وحقيقة وطبيعة الاستعمار الاستيطاني الكولونيالي التفريغي في الاراضي الفلسطينية المحتلة، وتكون وجهة النظر تلك مبنية على اساس الترويج بشكل او بأخر للتواصل مع المجتمع الاسرائيلي الاحتلالي بذريعة التأثير بسياق العملية السياسية بالعمق الاستراتيجي لكيان الاحتلال في ظل الوضوح الكامل لطبيعة المجتمع الاسرائيلي الراهن حيث التوجه نحو اليمين واليمين المتطرف .

ومما لا شك فيه ان فعل التأثير المزعوم من البعض الفلسطيني بالخارطة السياسية الاسرائيلية الراهنة قد اثبت فشله وما يُقال ان فعل التأثير لم يأتي بالنتائج ولو بالحد الأدنى وفقا لإستطلاعات الرأي وصناديق الاقتراع باالانتخابات الاسرائيلية البرلمانية العامة او تلك الخاصة بالمجالس المحلية والبلدية. وقد بات واضحا ومنذ ان بدأت بدعة التواصل مع المجتمع الاسرائيلي والتأثير بهذا المجتمع وإقناعه بجدوى العملية التسووية وصناعة ما يسمى بالسلام انها عبثية الفعل والتوجه والأداء، بل ان انعكاسات هذا التواصل قد كان سلبيا واضحى التواصل الفلسطيني الاسرائيلي المزعوم هذا جسر عبور للمؤسسة الاسرائيلية الرسمية وغير الحكومية للتأثير بالمجتمعات العربية وانجاز التطبيع باشكاله المختلفة وبمستويات ايضا مختلفة، حيث ان المجاميع العربية الجاهزة للتطبيع والتواصل مع الاسرائيلين يرون بالتواصل الفلسطيني الاسرائيلي نقطة ارتكاز ومنطلق اساسي للتوجه والدفع بالبرامج المنظورة وتلك المرسومة من جهات على اعلى المستويات.

ربما اتفق مع التحليل الداعي إلى ضرورة رسم إستراتيجية للفعل المقاوم وتنسيق فعاليات المقاومة بما ينسجم والوقائع السياسية وتطوراتها ومفاعيل المواقيت السياسية المرتبطة بلا شك بالوضع الإقليمي والدولي المتأثرة به الوقائع المحلية المتفاعلة بالظرف المعيشي العام في الأراضي الفلسطينية، ولكن أن يتم نبذ الفعل المقاوم كحق من الحقوق الثابتة للشعوب المضطهدة والمُحتلة وفقا لقرارات الشرعية الدولية انسجاما مع مبادىء القانون الدولي واعراف ومواثيق اتفاقيات جنيف فهذا ما لا يمكن بالمطلق قبوله.... أو إفراغ المقاومة من محتوياتها واعتبارها من العوامل التي ستساهم في تضرر الشعب الفلسطيني والتي ستجر عليه الكوارث والنكبات فهذا توصيف غريب عجيب يقلب الحقائق ويخلط الحابل بالنابل الأمر الذي بالفعل تتحقق معه المقولة التاريخية والتي اعتبرها بحق مقولة إستراتيجية نعايشها هذه الأيام تلك المقولة التي تنبأت بواقعنا الاجتهادي التحليلي هذه الأيام والمتلخصة بأنه من الممكن أن تصبح الخيانة وجهة نظر...
ومن هنا فأنه لا يمكن القبول بهذه التحليلات والأطروحات على شكل وجهة نظر أو رأي اجتهادي... أو اعتبار أن المقاومة بكافة اشكالها ومفتوحة الخيارات والاختيارات تجارة خاسرة أثبتت عدم جدواها في السياق الفلسطيني... بتبرير أن وجود كامل الأرض الفلسطينية في متناول الجيش الإسرائيلي مشاة ومحمولين، تجعل من الصعب الرهان على أي مكاسب تذكر من الفعل المقاوم كاستراتيجية فلسطينية وهنا لابد من الانتباه ان للشعب الحق بابتداع اساليب وادوات المقاومة وفقا لطبيعة المرحلة وحقيقتها ومعطياتها.
اعتقد أن جوقة المشككين بجدوى المقاومة يسوقون دائما شتى أنواع التبريرات والذرائع لحسر وانحسار المقاومة ككل وهذا الأمر الذي اعتقد انه لا يمثل وجهة نظر وإنما يعتبر تعدي على الثوابت الوطنية ويتجاوزها... لا يخدم بالظرف الراهن أيا من الرؤى السياسية واجتهاداتها...

والغريب في الأمر أن الكثير من هذه التصريحات والتحليلات تأتي على لسان ممن يدعون أنهم يمثلون قوى وفصائل وتنظيمات فلسطينية وهو الأمر الذي اشكك في حقيقته بمعنى أن الأدبيات التنظيمية لكافة الفصائل السياسية الفلسطينية العاملة على الساحة الفلسطينية تعتبر أن المقاومة حقا من الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني بل إن تبرير وجود هذه القوى والتنظيمات ارتبط ويرتبط بمدى مقاومته واستعداد يته لمقاومة مشروع الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية ويكون الالتفاف الجماهيري حول هذا التنظيم أو ذاك بقدر مساندته واستعداد يته للتضحية في سبيل إنجاز الأهداف الفلسطينية الثابتة غير القابلة للتصرف أو التنازل بصرف النظر عن الاختلاف في أساليب الفعل المقاوم ذاته... اعتقد أن هؤلاء المتحذلقين والذي بات ظهورهم على الفضائيات الإخبارية واحدة من المسلسلات المزعجة كل مساء لا يعبرون عن أدبيات تنظيماتهم أو فصائلهم السياسية بقدر ما يعبرون عن آراءهم الشخصية ومعتقداتهم السياسية التي اجزم أنها مرتبطة بمشاريع سلطوية هنا أو هناك لها أجندتها الخاصة المنجذبة ومراكز قوى سياسية متنفذة في الإطار الفلسطيني وربما الإقليمي أيضا....

وحتى نعي المسألة أكثر دعونا نجري مكاشفة صريحة للكثير من هذه التصريحات التي تطال الفعل المقاوم بالدرجة الأولى، فحينما كانت تقع عمليات فدائية داخل الخط الأخضر كنا نجد سيلا من الاتهامات والتشكيك بمن يقف خلف هذا النوع من العمليات وبكونها تجر الويلات على الشعب الفلسطيني وكانوا دائما يجاهرون باستنكارهم لهذه العمليات ويوجهون الدعوات المتتالية لتجنب استهداف المدنين وهو الأمر الذي قد يكون له أكثر من رأي وتفسير، وتارة أخرى كانوا يوجهون الدعوات لضرورة تركيز العمل والفعل المقاوم في مناطق الـ 67 وهو الأمر الذي أيضا يحمل معه الكثير من الدلالات والمعاني والذي قد يكون مقبولا... ومرة أخرى يريدون من المقاومة أن لا تستهدف المستوطنات على اعتبار أنهم محسوبون على المدنين... ومؤخرا يأتي الاستنكار والاستهجان للعملية الفدائية الأخيرة على معبر كرم أبو سالم بذريعة أن توقيتها خطأ ومواقيتها تضر بالشعب الفلسطيني وإنجازاته وانه يجب عدم استفزاز الجانب الإسرائيلي وتجنب ردة فعل جيشه وهو الأمر الذي يحمل معه أكثر من دلالة ومعنى قد تؤثر على منطق الصراع وأدواته وأساليبه بالكامل، اعتقد أن المسألة غير خاضعة بالمطلق لوجهة نظر تنظيمية منطلقة من فهم للأدبيات هذا التنظيم أو ذاك وإنما وكما أسلفنا هي وجهات نظر تنطيحية تأتي لتعبر عن خط سياسي انهزامي صار يعبر عن نفسه من خلال أشخاص لهم مواقعهم بمختلف التنظيمات والفصائل الفلسطينية.