الخميس: 02/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

خربشات على ارصفة الميادين

نشر بتاريخ: 24/01/2017 ( آخر تحديث: 24/01/2017 الساعة: 15:57 )

الكاتب: يونس العموري

تائهون مندفعون كالفراشات نحو الضوء الذي يبدو بعيد ويتراىء لهم من بعيد البعيد مزهوا بنوره الذي ينبأهم بنهاية السير على الشوك بالنفق المظلم ... في حركة البحث اللولبية مازالوا وبشكل دائم ودوؤب ... يرتعشون خوفا من ان تغتال احلامهم مرة اخرى ... باتوا يقظون اكثر.. يجيدون صناعة الكلام الذي من خلاله قد تنبلج شمس الحقيقة على اشياءهم المهملة ... يدركون انهم امام مهمة قد تكون المستحيلة لكنهم قد جسدوا وتجسدوا بالحلم واصبح واقع لوقائع العصر الجديد ... فقد سقطت مومياء فرعونهم وتعرت امامهم منكشفة عوارتها القبيحة بعد ان ظلت لعقود متجملة متزينة في محاولة منها لموارة قبحها ... ادركوا انهم امام بلد يتلظى بالشوك والقهر والكثير من الوسخ المهمل المتراكم على جدران سنينهم ... جاءوا حاملين على اكتافهم القليل من الاحلام والكثير من الامال وبعض من قتات اليوم فلعل وعسى .... ادركوا حقيقة التغير وامكانيته في ظل كثرة الروبيضات في عصر البزنس وتغول ذو الكروش المنتفخة ... اعتصموا هناك وافترشوا الارض وحاولوا صناعة المعجزة ... فاذ بها تتحقق بشكلها المباغت ... وتتسلل حريتهم كشمس الأصيل ... افترشوا الارض في محاولة منهم لملامسة التراب حتى يستشعروا الحياة .... وهم الفقراء الذين يعايشون فقرهم بعزة ... وللفقراء باعراف الأسياد ومن يتربعون على العروش الكرتونية مكامن اخرى .... وللفقراء فقط حق دخول جهنم.. فجهنم الفقر لهم ولاشريك لأحد فيها سواهم ... ولا جنة الا جنانهم بآتون الفقر والحرمان ... 
وللفقر قصص وحكايات مع ابطال الحواري المتمرغين بتراب الأرض ... فها هو المشهد يبدو اكثر اتساعا على المستوى الإقليمي وكأن الفقر قد بانت اسنانه وكشر عن انيابه صدفة او بمفاجأة علية القوم وسادة العصر الجدد... وللفقراء فقط الحق بأن يُضربوا وأن يُذبحوا ... وان يمارس بحقهم كل اشكال التعسف والقهر.. فهؤلاء فقراء، أتوا الى الدنيا بالصدفة ... الفقراء هؤلاء وبالمشهد الإقليمي المُسيطر الأن على الساحة ينتفضون بكل الأمكنة، محاولين ان يستغيثوا بعد ان اصبح استمرار العيش وممارسة الحياة لغزا من الغاز سادة الأمر والنهي ... لا عليك سيدي الفقير فأنت المقهور، ممنوع من ان تحيا فوق الأرض، وممنوع عليك إعلاء كلمتك، وان تقف موقف الصارخ للحياة... ممنوع ان تمارس الغضب وممنوع ان تقول كلمتك بوجه التنين المتغول في دهاليز صناعة عصر العولمة الجديد ... لا يمكن ان يقبلوا بمواطنيتك الأولى وعليك ان ترضى بدرجات المواطنة وفقا لمقاييس العصر واسس الإقتصاديات المستحدثة.... هو القتل والذبح والحرمان من جديد لكل فقراء العصر في الساحة العربية .. ويبدو المشهد اكثر اتضاحا باللحظة الراهنة حينما طالبوا بالحياة، وان يستجدوا لقمة العيش وان يأكلوا رغيف الخبز او بعضا منه .. هي الحرب الجديدة على فقراء المنطقة ... حتى يتم تدجينهم وتهجينهم ومصالحتهم مع مبادىء العولمة واقتصاديات السوق الحر ... وهو الحرمان الذي سيجبرهم على القبول بمعادلة السيد والعبد من خلال فعل التجويع وبالتالي القبول بترسيم المنطقة والإذعان لأمراء البيت الأبيض ... 
ومن هنا يكون ما يجب ان يكون بعرف سادة العالم وتفصيل المغانم ومحاولة إستيعاب ثورة العبيد للخلاص من ازعاجاتهم المتكررة لرغد الحياة في القصور ... لكن بعرف هؤلاء لابد من العبيد الفقراء حتى يكون للحياة طعمها الممزوج برائحة عرق العمال والفلاحين ... وحتى يكون للنبيذ الأحمر المعتق من يقدمه على صواني الفضة منحنيا ... ولابد من سيجار أتيا من حقول كوبا حتى يستوي المشهد من جديد ... اذن لابد من ان يكون للفقراء الحق بدخول جهنهم وفقا لإرادة سادة الجنة ... ولابد من تفصيل القوانين والمراسيم حتى يتم كبح جماحهم ... في عواصم الفقر يبدو المشهد اكثر جلاء لفعل التغول المعولم والمعلب لإقتصاد السوق الحر لذوي الكروش المنتفخة والمتحالفة مع البزات الرسمية التابعة لأجهزة القمع الحاضرة بكل لحظة للإنقضاض على ذوي الأفواه الجائعة المنتظرة لفتات موائد ملوك اللحظة وامرأء اقطاعيات المسيطر على خبز يومهم وقوت يومهم ... وان قالوا كلمتهم وطالبوا بحقوقهم قيل لهم هذا من فعل الشياطين وبلطجة البشر وزعرنة الانسان ... وان قالوا لاءهم تحولت الى فعل مجانين يريدون ان يدمروا المشهد الحضاري للبلد ... لكن ان يموتوا جوعا وان يركعوا عند اباطرة الدولار فذاك الفعل المتناسق ولغة ومتطلبات معادلة الوجود ... هي انتفاضة الجوع ... وانتفاضة الخبز ... ولعنة الفقراء ... وقبضات بالسماء تلوح .. وشعار يطلقه طفل مرتمي بأحضان شوارع القاهرة ... وصرخة ثائر تحول الى موظف بحاكمية البزنس الليبرالي المعتدل في بازار الخدمة المدنية تحت حراب بنادق الاحتلال بضواحي الموت المحكوم بكل لحظة في ظل سماء الوطن المسمى مجازا فلسطين ... لفلسطين اليوم وفي ظل فقراء اللحظة اكثر التسميات شيوعا ... فمنها ما يستوي وحقيقة الموقف والأطروحة السياسية الجديدة للحاكم الجديد الأتي الينا من اوراق المال ومعادلات البورصة وحكمة التعامل والتعاطي وخيارات سادة الإقتصاد الحر لذبح الفقراء وتركيعهم عبر قرارات تتم صناعتها واصدارها لخلق توازنات الجوع ... في ظل هذا الفقر لابد للفقراء من ان يعتزوا بجهنهم ولابد لهم من يلفظوا جنانهم وبالتالي لابد من ان يكون الموت مباحا على الطرقات ... وللفقراء الحق ان يختاروا موتهم لئلا يموتوا جوعى ...فحرية الموت ... موت مجيد ... وحرية العيش ... عيش رغيد ... وللفقراء لهم ان يكونوا كما يجب ان يكونوا اذلاء للحق وكرماء بالدم حينما يكون للموت معنى للحياة واستمرارا لتواصل فعل الحياة ...