الإثنين: 29/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

السنوار رجل غزة القوي ورؤيته للمصالحة الفلسطينية !

نشر بتاريخ: 03/10/2017 ( آخر تحديث: 03/10/2017 الساعة: 17:45 )

الكاتب: حسن مليحات

تشهد الساحة الفلسطينية الكثير من التحركات الايجايبة على مستوى المصالحة الوطنية، فالبداية كانت أثر زيارة وفد حركة حماس برئاسة اسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي للحركة القاهرة ولقائه بالمخابرات المصرية ثم تبعه زيارة وفد اللجنة المركزية لحركة فتح بقيادة عزام الاحمد مسؤول ملف المصالحة الوطنية، وقد تمخض عن هذه اللقاءات حل اللجنة الادارية التي شكلتها حركة حماس في قطاع غزة، ثم الدعوة لتمكين حكومة الوحدة الوطنية التي تستلم حكم وادارة قطاع غزة بدءا من يوم الاثنين 2/10/2017، فعجلة المصالحة تسير حتى اللحظة بخطى ثابتة دون أي عطل كما كان يحدث في الاتفاقيات السابقة، والحديث عن اتخاذ خطوات على الارض لانهاء الانقسام بين حركتي فتح وحماس هو حدث قد يدفع باتجاه اعادة الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني بعد سنوات من الضياع أسس لها اتفاق اوسلو البغيض عام 1993 وتوجت بالانقسام في منتصف العام 2007 وما ترتب عليهما من خلق مراكز قوى ومصالح فردية وفئوية ومساويء استغلتها دولة الاحتلال لترسيخ حقائق على الارض قد يكون من الصعب جدا تغييرها في المدى المنظور وأهمها أمكانية قيام دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 1967.
ولكن لا بد من القول انه ليس بالضرورة ان يقود انهاء الانقسام الى ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني اذا لم تتبعه خطوات عملية باتجاه اعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية بكونها الاطار الجامع لكل الفلسطينيين واشراك الشتات الفلسطيني بشكل مؤثر في الشأن العام الفلسطيني، واعتبار السلطة الفلسطينية هي احدى أذرع منظمة التحرير وليست بديلا عنها ولا بد من الاجابة على سؤال مهم : هل نحن في مرحلة تحرر وطني ام اننا في مرحلة بناء الدولة ؟ فلكل مرحلة ادواتها وبرامجها.
وقد توصلت حركتي حماس وفتح بوساطة مصرية الى تفاهمات تقود الى انهاء الانقسام، وجرى التوصل الى اتفاق المصالحة بين الحركتين أثر تغييرات طرأت في مواقف الاطراف، فمن ناحية شهدت حركة حماس تغييرات لافتة ادت الى موافقتها على شروط حركة فتح المتمثلة في حل اللجنة الادارية وتمكين الحكومة من تولي صلاحياتها في قطاع غزة والموافقة على اجراء انتخابات عامة، وكذلك هناك تطورين مهمين شهدتهم حركة حماس اولهما وصول قيادة جديدة وقوية للحركة مركزها قطاع غزة وثانيهما تبني حركة حماس وثيقة سياسية جديدة اعادت فيها تعريف نفسها بانها (حركة تحرر وطني فلسطينية ذات مرجعية اسلامية ) بعد ان كانت تعرف نفسها في ميثاقها القديم انها فرع الاخوان المسلمين في فلسطين ،وفتحت هذه التطورات الطريق لمصر لاعادة علاقتها مع الحركة في ظل قيادة جديدة بعيدة عن التأثيرات الخارجية السابقة.
وقد جاءت المبادرة بالموافقة على شروط حركة فتح على لسان رجل غزة القوي ورئيس حماس في غزة السيد يحيى السنوار الذي يعتبر رمزا من رموز مقاومة الاحتلال الاسرائيلي ويتمتع بسيرة نضالية ناصعة البياض وقد اعتقل عدة مرات وحكم عليه بالسجن اربعة مؤبدات حتى تم تحريره في صقفة وفاء الاحرار في العام 2011 بعد ان قضى 24 عاما في سجون الاحتلال الاسرائيلي، وهو شخصية أمنية بامتياز وخطيب مفوه ويتميز بشدة الذكاء والدهاء والصرامة، ويحظى السنوار الذي يعرف بلباسه المتواضع باحترام كبير لدى قيادة كتائب عز الدين القسام وتربطه علاقة قوية بالقائد العام لكتائب عز الدين القسام السيد محمد الضيف وايضا السنوار مدرج على قائمة الارهاب الدولي من قبل وزارة الخارجية الامريكية.
لقد صرح السنوار فيما يتعلق بموضوع المصالحة ان حركته ستقدم تنازلات كبيرة من اجل تجاوز عقبة الانقسام وتحقيق المصالحة الفلسطينية موضحا بان المصالحة هي خيار استراتيجي لا رجعة عنه وان حماس قوية ومتماسكة لذلك قدمت تنازلات كبيرة في موضوع المصالحة، ويجب ان نتعالى عن حساباتنا الحزبية والخروج مما وصفة السنوار بمنطق توزيع المسؤوليات في اسباب الانقسام الى منطق العمل المشترك لانهاء الانقسام، وعبر عن توجهه لانهاء المشاكل على المستوى الوطني وتصفير الخلافات الفلسطينية والتفرغ والتركيز على خدمة مشروع التحرر الوطني الفلسطيني وقال في حديث له حول اهمية المصالحة وحذر من ضرورة العبث بها قائلا (انا ومعي جمهور الشباب سأكسر عنق من لا يريد المصالحة من ابناء حماس قبل ابناء فتح) وفاخر بتطور قدرات كتائب القسام قائلا انها تملك بنية عسكرية رائعة وانه يوجد اسفل مدينة غزة مدينة اخرى وان كتائب القسام قادرة على ضرب تل ابيب بكمية من الصواريخ خلال 51 دقيقة تعادل الي اطلقتها خلال 51 يوما على تل ابيب في حرب 2014، وتتمثل رؤية السنوار للخروج من المأزق الذي يحيط بالمشروع الوطني الفلسطيني باعادة تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني عبر الانتخابات او طريقة اخرى ومن ثم تطوير منظمة التحرير الفلسطينية كي تمثل الكل الفلسطيني وتشكيل حكومة وحدة وطنية من الفصائل الرئيسية تتحمل كافة المسؤوليات في الضفة الغربية وقطاع غزة وهنا يثور تساؤل كيف يمكن اصلاح منظمة التحرير الفلسطينية لتكون اطارا جامعا يمثل الكل الفلسطيني؟
لقد بدا واضحا ان دوائر منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها فقد فعاليتها أثر توغل السلطة الفلسطينية عليها ولم يعقد المجلس الوطني الفلسطيني جلسة حقيقية منذ عام 1991 الا اجتماعا واحدا عام 1996 وقد تم فيه تعطيل والغاء معظم بنود الميثاق الوطني بما يتوافق مع استحقاقات اتفاقية اوسلو ، أي ان هذا المجلس لم يقم طوال 25 عاما بمهامه الحقيقية وكان رهن الاستدعاء لتمرير رغبات قيادة منظمة التحرير بما في ذلك تغيير الهوية الاصلية لمنظمة التحرير الفلسطينية والمهام الاساسية التي نشأت من اجلها، اضافة الى ان المنظمة لم تعد تعبر عن الارادة الحقيقية الجمعية للشعب الفلسطيني فهناك قوى سياسية فاعلة غير ممثلة في المنظمة كحماس والجهاد الاسلامي.
فميثاق منظمة التحرير الفلسطينية بني على اساس حركة وطنية ضيقة الافق والطموحات في الثوابت الفلسطينية ومن ضمنها شعار (دولة فلسطينية ديمقراطية) وذلك لطمأنة الاحزاب اليسارية الغربية على مصير اليهود ولم يحظ أي من ثوابت الميثاق برؤية ازالة الاستعمار في تكامل مع الدول العربية وحقوق مجتمعاتها او تحديد اليات العمل مع القوى الاجتماعية المتضررة من الاستعمار في فلسطين، ولعل الدليل الاكثر نرارة على ضيق الافق والطموحات ان منظمة التحرير الفلسطينية لم تعمل على تعمير المخيمات الفلسطينية وتنظيم الحياة الأدمية فيها خوفا من ان ينسى الفلسطينيون فلسطين، ولكن الأفة التي ورثتها منظمة التحرير الفلسطينية عن الأنظمة العربية هي أفة عدم الجدية في القتال، وقد باتت منظمة التحرير اليوم شاهد زور على حماية السلطة الفلسطينية على استكمال حربي عام 1948 و1967 وهي تُقضم وتُنهب الارض الفلسطينية بمزيد من الاستيطان والاستيلاء على الارض.
ورغم أن اتفاق المصالحة ينص على ضرورة اصلاح منظمة التحرير ومشاركة كافة الفصائل الفلسطينية فيها، الا ان السلوك السياسي لمنظمة التحرير عادة ما يتناقض مع هذا المفهوم ويعطل الاستحقاقات المرتبطة باصلاح المنظمة، كما ان السلوك السياسي لحماس والجهاد الاسلامي وعدد من الفصائل لا يجوز ان يقتصر فقط على الشراكة في قيادة المنظمة وانما يجب ان يمتد ليشمل المشاركة في اعادة بناء اولويات المشروع الوطني الفلسطيني على اسس ترفض التنازل عن الارض وتحمي خيار المقاومة وهو ما يعني اعادة النظر في الاتفاقيات التي وقعتها منظمة التحرير وتعديلها او ربما الغائها وهو ما قد يكون محط اعتراض شديد من قيادة حركة فتح. 
وتستعد الحكومة لعقد اجتماعها في غزة يوم الثلاثاء 3/10/2017 لتسلم المؤسسات والهيئات الحكومية والمعابر وهي خطوة اولى ومهمه ويبقى الكثير من الامور العالقة التي يجب الاتفاق عليها حتى تستكمل عملية انهاء الانقسام مثل كيفية اقامة سلطة واحدة ومؤسسة امنية واحدة وسلاح شرعي واحد، علما ان حركة حماس تعاني من ازمة مالية ولم تعد قادرة على الاستمرار في ادارة الخدمات العامة، لهذا ارادت تسليم الحكم الى السلطة الفلسطينية مع وجود خشية لدى حركة فتح من ان تطبق حماس نموذج ومعادلة حكم تشبه المعادلة السائدة في لبنان.
مما سبق نخلص الى القول ان هناك فرصة كبيرة جدا لانجاح المصالحة حيث ان الظروف المحلية والاقليمية والدولية مواتية لاتمامها، خاصة في ظل رفع الولايات المتحدة الفيتو الامريكي عن المصالحة الفلسطينية وهذا السلوك مرتبط بالتحرك السياسي الامريكي في المنطقة بشكل عام والذي يتجه نحو تحريك ملف السلام الاقليمي وما يسمى بصفقة القرن.