الأحد: 28/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

مرحلة جديدة.. دلالات ونتائج

نشر بتاريخ: 04/01/2018 ( آخر تحديث: 04/01/2018 الساعة: 11:45 )

الكاتب: عوني المشني

اذا كان هناك خلاف حول كوّن اتفاقية اوسلو قد شكلت نهاية مرحلة وبداية اخرى فلا خلاف اننا الان امام مرحلة جديدة ، مواصفات تلك المرحلة : انهيار كامل لخيار الدولتين ، قرارات ترامب وقرارات الليكود وتشريعات الكنيست الكثيرة بشأن القدس والمستوطنات والاسرى وعشرات القضايا الاخرى ، كل تلك جعلت خيار الدولتين ابعد ما يكون من الخيارات الممكنة ، والسبب ليس لان إرادة اسرائيل قدر لا مهرب منه بل كوّن ميزان القوى الذاتي والموضوعي لصالح اسرائيل ولكون الولايات المتحدة قد حسمت امرها نهائيا ليس لصالح اسرائيل فذلك كان منذ زمن طويل ولكن امريكيا حسمت موقفها لصالح الاحتلال الاسرائيلي وشرعنة هذا الاحتلال .
مرحلة جديدة تعني استراتيجية جديدة ، أدوات جديدة ، وتعني قيادة بعقلية جديدة .
لنضع ما يتم تداوله لمواجهة هذه المرحلة أمامنا ونناقشه .
استمرار المراهنة على التحركات على الساحة الدولية هو استمرار للمرحلة السابقة والفاشلة بامتياز ، هو شراء للوقت وبيع للوهم ، المؤسسات الدولية عامل مساعد عندما تتوفر موازين قوى تسمح بالانجاز ، بدون ذلك لا قيمة عملية لكل القرارات والمؤسسات ، بدون تغيير حقيقي على موازين القوى من العبث انتظار الامم المتحدة ان تحقق دولة !!!لا يخدعنا احد بالهروب من العجز الى المؤسسات الدولية ، هذا لا يعني - حتى لا يفهمني احد خطأ - انه من الخطأ العمل مع المؤسسات الدولية ، بل يجب ان يستمر هذا العمل بوتيرة عالية ولكن ليس هو العمل الاساسي ، انه عامل مساعد وضروري ويجب ان يتواصل .
الإعلان عن دولة محتلة هو ايضا عبث وشراء للوقت والاهم تكريس لأدوات وقيادات وبرامج المرحلة الفاشلة ، تكريس إفسادها ، تكريس لعجزها ، كم مرة سنعلن الدولة ؟؟؟ أعلنا في الجزائر ، وأعلنا بعد اعتراف الجمعية العمومية بِنَا كدولة مراقب ، ولنا ان نعلن كل يوم ، وما الذي تغير ؟؟؟ كنّا شعب تحت الاحتلال ، أصبحنا شعب وسلطة وأمن وحكومة ووزراء ورئيس تحت الاحتلال ، الاهم اصبح سقفنا السياسي تحت الاحتلال ، لماذا نصر على تم تجريبه وفشل ؟!!!! والسؤال ماذا تعني دولة تحت الاحتلال على الصعيد العملي ؟؟!!! هل ينتج عنها الإبقاء على مؤسسات السلطة ام حلها ؟!!! هل يعني الإبقاء على المسئولية على الأمنية ؟؟!!! هل يعني دولة تحت الاحتلال إنهاء كل ما تمخض عن اتفاقية اوسلو ؟؟؟ وماذا عن التنسيق المدني والامني ؟؟؟ أسئلة تجلب الصداع ليس لي فقط بل للقائلين بهذا الرأي ايضا .
ربما دمج هذين الخيارين يصبح خيارا اخر ولكنه لا يمثل اي فارق ، انه اعادة انتاج للفشل وكسب شخصي للوقت
للقائمين على المشروع ، في ذات الوقت تقديم الوقت هدية لاستكمال المشروع الاسرائيلي في استيعاب الارض بالكامل ، ويدمج تلك الخيارين لا يغير شيئا من ميزان القوى الذي اوصلنا الى هذا الوضع .
خيار اخر يتم تداوله وهو البحث عن وسيط اخر !!!! وسيط من اجل ماذا ؟!!!! وسيط لاقناع لمفاوضات مع عدو لا سلام في برامجه الا تلك التي نستسلم فيها لإرادته واحتلاله وبأثر رجعي ؟!!!! مع ذلك ومن نوع ادارة العمل الدبلوماسي لا بأس من هذا دون اوهام ولإدارة عمل دبلوماسي لا اكثر دون المراهنة عليه . ويمكن ان يكون هذا في سياق الخيارات السابقة ايضا وجزء منها ويحمل نفس مواصفاتها ، ولا يعول عليه كثيرا فَلَو حتى أوجدنا مثل هذا الوسيط فان اسرائيل سترفضه اولا والولايات المتحدة الامريكية ستضع عقبات أمامه ثانيا ، اما الاهم فانه لا يمتلك ما يؤهله للضغط على اسرائيل لتلبية الحد الأدنى الفلسطيني ، وربما الولايات المتحدة هي الجهة التي تمتلك إمكانيات الضغط على اسرائيل ولكنها لا تريد ذلك او لا يوجد ما يجعلها تُمارس هذا الضغط او كليهما .
خيار القطع الكامل مع المفاوضات وتبني المقاومة كخيار ، جميل هذا الكلام ، لكن الحقيقة ان كل مقومات الفعل المقاوم المتاحة تزعج الاحتلال ولكن لا تغير موازين قوى الى حد إنهاء الاحتلال ، هذه حقيقة لا تحتاج الى كثير من التمحيص لإثباتها ، فالجغرافيا السياسية وضعت المقاومة في واقع محاصر مما يجعلها محدودة التأثير الى حد كبير ، اضافة الى ان مقاومة قيادتها وبنيتها داخل الوطن وعلني الو حد السفور وسقفها محكوم بمعادلات لها علاقة بسلامة القيادات السياسية للتنظيمات ولأمن الجمهور ولوجود سلطة بما تعني من التزامات كل ذلك لا يمكن مطلقا لمثل هذه مقاومة ان تؤدي دورا فاعلا في تغيير موازين قوى وها نحن نشهد ذلك ، وحتى قطاع غزة فان الوقت الذي سيتم فيه وصول المقاومة الى التأثير على موازين القوى حينها سيكون اجتياحه أمرا مؤكدا حتى لو كان مؤلمًا للاسرائيليين ، هذا واقع موضوعي لا يعبر عن يأس وإنما التجربة لفهمنا لعقلية عدوناتجعلنا ندرك ذلك بوضوح .
هل وصلنا الى وضع " لا خيار أمامنا " ، او الطريق المسدود ؟؟؟!!!!!
هل يعني اننا امام طريق مسدود ؟؟؟؟ لا يمكن لشعب ان يصل الى الى خيار الحائط المغلق ، دائما هناك خيار ناجح وقادر على احداث تغيير استراتيجي ، ما هو ذلك الخيار ؟؟!!!!
ولكن قبل ذلك فانه من الكبائر القفز الى خيارات عدمية ، حرق المراكب ليس خيارا ، وهو يتساوى بنتائجه مع الاستسلام للامر الواقع من حيث اسبابه ونتائجه على حد سواء ، فاليأس هو الدافع لكليهما ، لهذا فان البحث الاستراتيجي يفترض ان يتعدى ردات الفعل العفوية ، البحث يفترض ان يبدأ بتحليل موضوعي هادئ للوضع على هدى قراءة مبدئية استراتيجية للصراع ، هنا يفترض ابداع آلية قياس لمراجعة المرحلة ، اليه القياس هي مقدرة سياساتنا على الاقتراب بِنَا من الهدف الاستراتيجي ، اخضاع كل سياساتنا من بداية كفاحنا كثورة معاصرة لهذا المقياس لانه وبدون ذلك سنقفز مرة اخرى الى سياسة تجريبية تستهلك الوقت والشهداء والجهد دون يقين من النجاح .
هذا صراع طويل ، اننا امام وضع صعب ، صعب علينا كشعب وأشد صعوبة على قيادة العمل السياسي الفلسطيني التي أوصلتنا الى وضع تضيق فيه الخيارات الى ان " زاغت الابصار وبلغت القلوب الحناجر " .
نعود للخيار الممكن والمتاح والقادر على احداث " فرق " في موازين القوى ، ان الخيار المثالي في ظروفنا يقوم على مجموعة أسس :
اولا : تعزيز نقاط القوة الفلسطينية ، نقاط القوة هذه المتمثّلة بالديمغرافيا اولا ، انها اهم نقاط القوة رغم ان الترانسفير قضية موجودة في التفكير الاسرائيلي ومؤجلة فقط الى حين توفر فرصة لا اكثر ، هذا يعني تعزيز الصمود الفلسطيني بكل الإمكانيات واعتبار ذلك اولوية قصوى في كل مناحي السياسة الفلسطينية ، الصمود يعني اقتصاد صمود ، مشاركة حقيقية في الاقتصاد ، كبح جماح الاحتكارات التي عززتها السلطة في المرحلة السابقة ، تعزيز التعاونيات بشكل حقيقي وليس شكليا مما هو الان ولكن لبناء اي اقتصاد حقيقي لا بد من إنهاء الفساد جملة وتفصيلا .
ثانيا إنهاء الفجوة الكبيرة بين القيادة والجمهور والناتجة عن الفساد اولا الفساد المستشري والكبير والذي رائحته تزكم الأنوف ، هذا يعني المحاسبة الحقيقية دون استخدام المحاسبة وسيلة ثأر سياسي او إقصاء او شراء الولاء . ايضا فان المستوى القيادي الذي وصل الى ما وصل اليه بفعل عوامل التأثير " الاخرى !!!! " يفترض وبدون مواربة مغادرتهم ، فقط البوصلة الفلسطينية وليس تأثير الاخرين من يحدد قيادتنا ، وان كان في الفم ماء يفسر عدم كلامنا حتى الان فلم يعد ما يجعلنا نصمت امام المسئوليات الكبيرة التي تفرضها الاحداث .
ثالثا : العودة بالشعار والبرنامج السياسي للمربع الاول وانهاء كل التنازلات السياسية بأثر رجعي ، ما قدم من تنازلات كان لها هدف الوصول الى دولة ما دام الهدف لم يحقق لم نبقي على التنازلات ؟!!! سحب الاعتراف باسرائيل مع اعادة تعريف اعترافنا بها على اساس قرار التقسيم حتى لا نصطدم بالمجتمع الدولي ، هذا يحقق التزامنا بقرارات الامم المتحدة . اعادة الاعتبار لبرامج التنظيمات ومن ضمنها فتح بمفاهيمها ومبادئها وإعادة التربية السياسية على هذا الاساس ايضا ضرورة وطنية وفِي هذا السياق كثير من الإجراءات يفترض عملها .
رابعا : فصل كامل بين السلطة ومنظمة التحرير ، بين العمل التنظيم والسلطة ، السلطة مفسدة دمرت القيم النضالية للفصائل ودمرت المنهجية السياسية النضالية لمنظمة التحرير ، والفصل وحده لا يكفي بل تحويل تدريجي لقيادة المنظمة والفصائل الى الخارج باشراك فعلي للشتات . هذا ليس عمل إجرائي انه في جوهره موقف سياسي له ابعاد ودلالات استراتيجية مهمة جدا .
خامسا : اعادة تحديد خارطة التحالفات وانطلاقا من موقف الاخرين من القضية الفلسطينية ، وبما يساهم في تغيير ميزان القوى ، هذا لا يعني الدخول في محاور او اصطفافات ولكن امام القضية الفلسطينية لا اولوية اخرى ولا مجاملة ، بوصلتنا فلسطين واستراتيجيتنا تقوم على مساهمة الاخرين في تحررنا
خامسا : كل ما شأنه ان يساعد في ظل استراتيجية محددة فهو مهم ، امّم متحدة ، علاقات دولية ، الجنائية ، المقاطعة ، كل هذا وغيره مهم وضروري وأساسي لكن في ظل رؤية شمولية واضحة وبعيدا عن المراهنة على تلك او اعتبارها بديلا لاستراتيجية ، لسنا عدميين ولا نعزل أنفسنا عن الاخرين ، حركتنا الدولية مهمة وهي رصيد لا نفرط فيه بل نعززه
سادسا : بوضوح شديد عدم استعجال مفاوضات كيفما أتفق ، في ظل استراتيجيتنا لا مفاوضات مطلقا الا على قاعدة تطبيق كامل وواضح لقرار التقسيم دون غيره من القرارات ، لا اقل منه قيد انملة ، ولتستمر الحال حتى تغيير موازين القوى او حتى تتحول البلاد الى دولة ثنائية القومية وكلا الامرين افضل الف مرة من مفاوضات استسلام ، الزمن ربما آنيا ضدنا ولكن استراتيجيا بالتأكيد فهو يعمل لصالحنا ، أزمتنا هي ازمة اللحظة وازمة اسرائيل هي ازمة المستقبل ، لهذا فتوظف عامل الزمن عملية ضرورية ، هم يستنزفونا بخطوات متسارعة تغير الواقع نستطيع استنزافهم بعامل الزمن وتضخيم السؤال الوجودي الذي يقض مضاجعهم ، وحتما قدرتنا على الصمودفالعوامل الثقافية والسيكولوجية تؤكد ذلك .
سابعا : وحدة وطنية في منظمة التحرير وانتخابات ديمقراطية في السلطة ، منظمة التحرير إطار وطني جامع ، السلطة إطار مؤسسي ديمقراطي ، ان الفصل هنا ليس من باب التبسيط ولكنه ضرورة وطنية حتى لا يتحول الاختلاف الى انقسام جغرافي .
هذه ليست استراتيجية ، هذه مفاهيم عامة ، فيها من الإيجاز ما يجعل التفصيل مهمة اصحاب القرار ، وفيها هامش لاستخدام كل الأدوات الممكنة ، وفيها سياقات كافية للمناورة ، ولكن فيها ثبات ووضوح استراتيجي كافيين لإنهاء حالة الارباك والضبابية ، والاهم انها قادرة على ان تكون استراتيجية جامعة للكل بمختلف ألوان الطيف الفلسطيني .