الكاتب: هبه بيضون
جاء القرار الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (3379) لعام 1975 باعتبار الصهيونية حركة عنصرية، استناداً إلى إعلان الأمم المتحدة رقم (1904 د – 18)، المؤرخ في 20 تشرين الثاني 1963، للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، ولكن للأسف، تم إلغاء القرار عام 1991 تحت ضغوط سياسية ودبلوماسية.
كان هناك دعوات متكرّرة من بعض الدول والمنظمات لإعادة تفعيل القرار، لما له من أهمية على المستويات السياسية والقانونية والإنسانية، ولكن لم تقدّم أيّ مبادرة رسمية لذلك حتى الآن، وقد يكون ذلك لاعتبارات عديدة، منها؛ أنّ الولايات المتحدة لن تسمح بتفعيل القرار، كما أنّ دولة الكيان تحظى بدعم كبير من قبل الدول الغربية، ما قد يعيق تمرير القرار أيضاً. ناهيك عن الضغوطات التي قد تمارسها إسرائيل والولايات المتحدة على الدول الأعضاء لثنيها عن المطالبة بتفعيل القرار، والتنسيق الدبلوماسي المستمر بينهما لضمان عدم تمرير أيّ قرار ضد الكيان، كما أنّ بعض الدول قد تخشى من تعرضها لعقوبات من قبل الولايات المتحدة، إذا اتخذت مواقف مناهضة لإسرائيل.
ولا شك أنّ اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، له الكثير من التأثير والنفوذ على السياسة الخارجية الأمريكية، الأمر الذي يمنع أيّ تحرك لإعادة تفعيل القرار، كما أنّ نفوذه يتعدّى الولايات المتحدة، ليشمل دول أخرى، وقد يضغط عليها لتغيير مواقفها، أو لتمتنع عن التصويت لصالح هكذا قرارات.
ولا ننسى دور الإعلام، الذي قد يعيق أيّ مبادرة تطرح لتفعيل القرار، كأن يكون هناك حملات إعلامية تشوه محاولات إعادة النظر بالقرار، وتصورها على أنها معادية للسامية.
بالنسبة للدعم العربي الجماعي لإحياء القرار بمبادرة، فقد أصبح ذلك صعباً بعد تطبيع عدد من الدول العربية مع الكيان، حيث أصبح لتلك الدول اعتباراتها الخاصة، والتي قد تعيق أيّ دعم عربي جماعي لقرارات توسم إسرائيل بالعنصرية، لأنّه ربما تكون الأولويات السياسية لتلك الدول قد تغيّرت، وأصبحت مصالحها الاقتصادية والأمنية أهم من المواجهات الدبلوماسية.
على الرغم مما سبق، علينا ألّا نستسلم، وأن نقدّم، كفلسطينيين وكعرب وكدول صديقة، مبادرة لتفعيل القرار، خاصة وأنّ الظرف الآن أصبح مواتياً بعد العدوان على غزة، وهذا يتطلب وضع استراتيجية شاملة لمواجهة العوائق المحتملة السابق ذكرها، وأيّ عوائق أخرى، وتحشيد الجهود السياسية والدبلوماسية، كأن يتم تشكيل تحالف دولي قوي من الدول المناصرة للقضية الفلسطينية، خاصة المؤثرة منها في الأمم المتحدة.
كما يجب أيضاً توظيف المؤسسات الدولية لهذه المهمة، كالضغط على مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والمنظمات الحقوقية الأخرى، لإعادة تقييم الصهيونية من منظور القانون الدولي، وتقديم أدلة قانونية حول الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان، والتي يمكن أن تصنف ضمن الممارسات العنصرية، وأعتقد أنّ هذه البيانات قد تم العمل عليها من قبل عدة جهات، وأصبحت جاهزة، ويمكن أن تقدّم لخدمة هذا الهدف.
يجب أيضاً تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الدول الداعمة للمبادرة، لتقليل اعتمادها على المساعدات الأمريكية، كنوع من التصدي للضغوط الاقتصادية الأمريكية، وعلى التحالف المنشود تحريك الرأي العام العالمي ضد أيّ إجراءات عقابية محتملة من قبل الدول المتحالفة مع إسرائيل.
كما أنّ إعادة صياغة الخطاب السياسي لدول التحالف، ليركّز على حقوق الإنسان، أو أن يتضمنه، وتسليط الضوء على القوانين الدولية التي تجرّم ممارسات الاحتلال، أمراً ضرورياً.
إعلامياً، على التحالف توظيف الإعلام الدولي، بإنشاء حملات إعلامية قوية تكشف السياسات العنصرية للكيان، ونشر الأدلة والوثائق التي تدعم المبادرة على وسائل التواصل الاجتماعي. ولتحقيق الضغط الشعبي والحقوقي، لا بد من تشجيع منظمات المجتمع المدني والنشطاء على تنظيم حملات تدعو لإعادة النظر بالقرار.
أكاديمياً، يجب دعم المبادرات الأكاديمية التي تدرس العلاقة بين الصهيونية والعنصرية، ونشر أبحاث موثقة حول الموضوع.
كما أنّ استغلال الدعاوي المرفوعة أمام محكمة العدل الدولية حول ممارسات إسرائيل أمر حيوي، وتقديمها كأدلة تدعم إعادة النظر بالقرار، وكذلك الاستفادة من التقارير الأممية التي توثق الانتهاكات، لتكون حججاً قانونية قوية.
على التحالف المقترح أن يقوم بتحديث مشروع القرار، وعدم تقديمه بصياغته القديمة، بمعنى إعادة صياغة القرار بأسلوب قانوني أكثر قوة، ليتماشى مع المعايير الحديثة لحقوق الإنسان.
للتقدم بالمبادرة، لا بد من وجود الإرادة لذلك، وبالنضال والمثابرة والصبر، قد يفعّل القرار، على الرغم من التحدّيات.