السبت: 03/05/2025 بتوقيت القدس الشريف

ترمب.. عبءٌ في قوته وعبءٌ أكبر في ضعفه

نشر بتاريخ: 03/05/2025 ( آخر تحديث: 03/05/2025 الساعة: 09:24 )

الكاتب: نبيل عمرو

بعد عودته "المظفّرة" إلى البيت الأبيض، إثر حملة انتخابية تميزت بترضيات لكل أطياف المجتمع الأمريكي، وملامساتٍ مدروسةٍ للقضايا التي تستقطب الناخبين، وكذلك إغداقه الوعود للبشرية كلها باستخدام القوة الأمريكية ونفوذها، لإنهاء الحروب في كل مكان على سطح الكوكب... بعد ذلك كله دخل ترمب إلى امتحانٍ مبكرٍ للصدقية والقدرة، كان ذلك في المائة يومٍ الأولى لتتويجه رئيساً لأقوى دولة في العالم، ما يُفترض أن يؤهله ذلك ليكون قادراً على تحقيق وعوده.

لم ينتظر العالم نهاية المائة يوم الأولى ليكتشف الحقيقة، حيث انعدام الصدقية مع انعدام القدرة، وذلك أدّى إلى تراجع مدوٍ في شعبيته داخل أمريكا وتراجع أكثر فداحة في علاقات الدولة العظمى بحلفائها ومن يفترض أنهم يدورون في فلكها.

أدرك الأمريكيون والعالم أن ترمب "الحملة الانتخابية" ليس هو ترمب "البيت الأبيض" وبالنسبة لنا وما يعنينا كسكّان الشرق الأوسط، فالرجل الذي بدا قوياً بفعل نتائج الانتخابات وتعزز ذلك بفعل استيلاءه على وقف الحرب على لبنان وإنجازه صفقات وقف إطلاق النار في غزة، والتبادلات المحدودة التي تمت، جنح بعيداً عن الرهانات التي عُلّقت عليه، فإذا بغزة التي انتظرت مبادراته الانتخابية بوقف الحرب عليها وإعادة إعمارها يحولها من وطنٍ لشعبٍ له شخصيته وتاريخه وأحلامه الإنسانية، إلى مشروع استثماري يشترط استكمال إبادتها ونقل ملايينها وبلا عودة إلى أماكن قريبة أو بعيدة، ذلك ليحولها إلى "ريفييرا" يصوّرها خياله كرجل أعمالٍ يتصيد الربح وليس كرجل دولة مسؤول.

حوّل الرئيس المنقلب على وعوده حياة الشرق الأوسط إلى منطقة اشتعالٍ تستبد بها أوهام نتنياهو بإخضاعها وتشكيل حاضرها ومستقبلها وفق الأجندات المشتركة بينه وبين سيّده الأمريكي، وذلك أنتج في الواقع معادلة خطرة نحن فيها الآن مفادها أن قوة ترمب بما لديه من إمكانيات عظمى، تكرّست خطورتها على الشرق الأوسط ما دام لا يملك الرغبة والقدرة على إنهاء الحروب فيه، وكل ما يملك فعلاً هو الاستعجال في إنهاء مهمة تدمير ما تبقى من غزة وأي مكان لا يرضى عنه.

الرئيس صاحب الفوز القوي والاستثنائي في معركة الوصول إلى البيت الأبيض، ضعُف كثيراً حتى قبل أن تكتمل الأيام المائة الأولى لولايته، ومظاهر ضعفه بدت كثيرةً وشديدة الوضوح، سجّلتها استطلاعات الرأي داخل أمريكا وأظهرتها تلك الفجوة الواسعة بين قراراته الانقلابية وقدراته على فرضها، وبين شعاره "بعودة أمريكا إلى عظمتها" واقع الحال يقول إن الدولة العظمى في عهده تحوّلت إلى مجرد دائنٍ لدول ومجتمعات، ولا همّ ولا سياسة لها سوى تحصيل هذا الدين، وفي هذا الأمر تساوت أوروبا الأطلسية والأوكرانية مع باقي دول العالم من الصين إلى أمريكا اللاتينية إلى الشرق الأوسط.

أمريكا في عهد ترمب، صار شعارها المفترض أن يُطبع على عملتها وعلمها "ادفعوا تكاليف حمايتنا لكم مع أننا لم نحمي أحداً".

عودة إلينا نحن سكان الشرق الأوسط، بل عودةٌ إلى عنوان المقالة، إن تردي مكانة ترمب في أمريكا أدّى إلى اتساع مساحة قدرات وتأثير القوى المعادية لقضايانا العادلة وحقوقنا، تلك القوى التي تشكل سياسة وسلوك الدولة العظمى تجاه منطقتنا، ولننظر الآن ببعض تمعنٍ إلى صورة العلاقة بين ترمب ونتنياهو ومساحة الاختلاف بينهما... ذلك أن نتنياهو كاتب صفقة القرن ومهندسها الفعلي والذي كان فيها ترمب القوي مجرد معلنٍ لها، هو من يقود السياسة الأمريكية الآن تجاه غزة وتجاه لبنان بعد أن بدا الأمر غير ذلك في وقتٍ مضى.

لقد جوّف نتنياهو إنجازات ترمب الاستعراضية في غزة ولبنان، وجرّه وراءه في التغاضي عن مواصلة حرب الإبادة على غزة، وتواصل الحرب الانتقائية على الجبهة الشمالية، وبل وحمل عن نتنياهو عبء الحوثي في اليمن فالمعركة هناك أضحت أمريكية بامتياز.

الملاحظ أنه في حالة ترمب القوي كان عبئاً على الشرق الأوسط، وفي حالة ضعفه ازداد العبء ثقلاً وذلك بحكم طريقة نتنياهو ومن معه داخل أروقة صناعة القرار الأمريكي في التعامل مع ترمب في كل حالاته.

لقد ازدادت مساحة حرية نتنياهو في قول لا لأي أمرٍ شرق أوسطي لا يعجبه، خصوصاً إذا ما تعلق بالشأن الفلسطيني، وما يحيط به من تدخلات على مستوى الجبهة الشمالية.

إن معادلة القوة والضعف لترمب لها مستثمروها ممن يحرصون بل ويحرسون مبدأ أن تظل إسرائيل بعدوانها وحتى بمغامراتها في حالة تبنٍ أمريكي دائم، وترمب هو النموذج الأوضح لذلك... في قوته وضعفه.