الأحد: 28/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

إنهاء الانقسام: هل هو مصلحة وطنية؟؟!!!

نشر بتاريخ: 25/03/2018 ( آخر تحديث: 25/03/2018 الساعة: 22:49 )

الكاتب: عوني المشني

ترددت كثيرا في الكتابة، فان تكون مختلفا الى هذا الحد هذا يعني ان تضع نفسك امام مرمى السهام، ولكن ما قيمة الرأي المختلف اذا كان كان سيظل حبيس العقل، خاصة اذا ما كان هذا الرأي هو "الكلام الذي تخشى قوله هو الكلام الصحيح" كما يقول برنارد شو. فالتفكير خارج الصندوق سيضعك حتما خارج القطيع، هذا متعب حقا، ولكنه التعب الذي يلازم البحث عن الحقيقة.
ما من شك ان الانقسام مثل ويمثل خطرا على قضيتنا الوطنية، هذه بديهية لا يختلف عليها احد، فوحدة الشعب والنظام من الضرورات الوطنية، لكن الانقسام قد حصل، وها هو مستمر منذ عشر سنوات، واكثر من هذا فان محاولات إنهاء الانقسام جميعا فشلت او لم تنجح، ولكن لنغمض اعيننا قليلا ونتخيل نجاح المصالحة وانهاء الانقسام، ما الذي سيكون حينها ؟؟؟؟
إنهاء الانقسام يعني تسلم السلطة الفلسطينية المهام الإدارية والأمنية والاقتصادية للقطاع، هكذا يفترض وهكذا تطالب السلطة الفلسطينية، هذا جيد، ولكن ماذا بعد ذلك؟؟؟
ستواجه السلطة ميليشيات مسلحة حتى الأسنان ولعشرات الالاف، كيف سيتم التعاطي معها؟؟؟؟ ميليشيات ذات ولاء أيدلوجي سياسي، اقوى من الأجهزة الأمنية التي تمتلكها السلطة، بقاءها يجعل السلطة دائما في موقف الضعف بل ومهددة في ظل اي خلاف مستقبلي مع حماس، هل يمكن التعايش مع هذا الوضع ؟؟؟ وحلها وجمع اسلحتها يواجه ثلاث تحديات الاول ان حماس لن تقبل ذلك، التحدي الثاني في حالة حلها ما الذي يمنع الجيش الاسرائيلي من دخول كل بيت في غزة واعتقال اي مطلوب؟!!! واذا ما كان التقدير ان اكثر من خمسة عشر الف شخص في غزة سيكونوا مطلوبين للاحتلال، هل تستطيع السلطة تحمل مسئولية اعتقالهم؟؟؟؟ ام انها ستشتبك مع الاسرائيلي الذي سيحاول دخول غزة واعتقال اي شخص؟!!!
ستواجه السلطة اجهزة أمنية موازية ، هذه الأجهزة موالية ايدولوجيا لحماس كما هي الأجهزة في الضفة موالية لفتح، كيف سيتم التعاطي مع هذا الواقع ؟؟؟؟ ربما هذه اسهل وابسط المشاكل ، هناك حلول تبدأ من الدمج ما امكن والتقاعد فيما يصعب دمجه ، لكن حتى وفِي ظل هذه الحلول فان اجهزة أمنية قائمة على انعدام الثقة لا تشكل ضمانة للبلد ولا يمكن ان ترتقي لمهنية يمكن الوثوق بها .
اشكالية اخرى مجرد ان تتسلم السلطة الحكم في غزة ستطالب اسرائيل ومعها امريكيا وكثير من دول اوروبا بإعادة الاسرى و / او جثث القتلى الاسرائيليين الموجدين لدى حماس في غزة ، سترفض السلطة او انها لا تستطيع وحينها ستبدأ الضغوط والتهديدات واجندة العقوبات ، هذا يمكن تلافي هذا الوضع ؟!!!
لن تنتهي الإشكاليات هنا ، مشكلة السلاح الذي ستطالب اسرائيل بجمعه وإتلافه او تسليمه لجهة ثالثة ، هل لدينا تصور لحل هذه المعضلة ؟!!!
امام هذا الوضع يصبح هناك شرعية للسؤال : هل يمثل إنهاء الانقسام مصلحة وطنية ؟؟؟!!
لكن الرد بسؤال هل بقاء الانقسام اذن هو مصلحة وطنية ؟؟!!! الرد هذا ايضا مشروع ومنطقي ويستحق التوقف عنده .
اذا لم يكن إنهاء الانقسام بما يخلق من اشكاليات وتحديات مصلحة وطنية فان بقاء الانقسام ايضا لا يمثل مصلحة وطنية ايضا ، معادلة صعبة بلا شك !!!!
امام هذا الوضع فان العقل السياسي لا يمكن ان يفتقد الحل ، دائما هناك حل مهما بدى الطريق مغلق ، فبين إنهاء الانقسام وبقاؤه هامس يتسع لحل يجنب شعبنا وسلطتنا مخاطر الانقسام دونما مواجهة اشكاليات إنهاءه . " المشكلة ليست انه لا يوجد حل ولكن المشكلة انه لا احد يريد الحل " هذا ما يقوله الكاتب الساخر جلال عامر وهذا اهم تحدي يمنع معالجة الانقسام بطريقة صحيحة .
ان عشر سنوات مضت للبحث عن حل لا احد يريده للانقسام وربما لا احد يقوى عليه . وكان من الممكن توفير الوقت والجهد والمعاناة بالبحث عن حل يرغب به الجميع ولا يهدد مصالح احد ولا يخلق مشكلات لأحد . هل هناك حل كهذا ؟؟؟؟ نعم انه ادارة الانقسام ، ادارة الانقسام ليست التسليم به كقدر وإنما التعاطي مع كحالة طارئة يتطلب الخروج منها توفر ظروف مساعدة ، واذا ما أراد احد ان يقول ان مثل هذا الفهم يشرع تجزئة الشعب فقوله ينافي الحقيقة ، فوجود حوالي اثنين مليون فلسطيني داخل الخط الأخضر يحملون الجنسية الاسرائيلية وضعفي هذا العدد في دول الشتات لم يلغي وحدة الشعب الفلسطيني ، وانقسام غزة عن الضفة عشرون عاما ما بين النكبة والنكسة لم يلغي وحدة شعبنا ، هذا من ناحية اما من تحية اخرى فان الوحدة السياسية لشعبنا اكثر أهمية من الوحدة المادية ، وجود برنامج الحد الأدنى السياسي الواحد الموحد اكثر أهمية من الوحدة المادية للشعب ، وجود اطار سياسي جبهوي كمنظمة التحرير عنوان وحدة سياسية ومعنوية اهم من الوحدة المادية ، الذي يقسم وحدة الشعب هو الصراع السياسي وليس الاختلاف الاداري وتجارب الشعوب الاخرى تؤكد ذلك فاليمن موحدة جغرافيا كذلك ليبيا ولكن على صخرة الخلاف السياسي وتدخلات القوى الخارجية تحطمت وحدة الشعوب .
ما يعني ادارة الانقسام ؟؟؟
اولا : الاتفاق على برنامج سياسي جامع والالتزام به كشرط لا بد منه كي لا تصبح ادارة الانقسام تكريس لانقسام دائم
ثانيا : وضع آلية للتوزيع الاقتصادي والجباية الضريبية بحيث يتوازى الصرف مع الجباية وعبر قوانين موحدة
ثالثا : وضع خطوط حمر في الادارة في كل من الضفة وغزة مثل الإعتقال السياسي ، حرية العمل التنظيمي ، وحدة مناهج التعليم ........ الخ
رابعا : وضع إليك لحل الخلافات الناشئة وكيفية التعاطي معها بما يضمن عدم تحولها الى أزمات تعصف بالوحدة السياسية
خامسا : اعتبار وحدة التمثيل الخارجي لفلسطين مسالة غير قابلة للتجاوز تحت كل الظروف ووضع اليات لتكريس هذا
وهناك من التفاصيل ورغم ان الشيطان يكمن في التفاصيل الان انهذا النموذج يبقي على السياسي المشترك ويترك المجال لتحقيق " الطموحات الصغيرة " للحركات السياسية . هذه تشكل مفاهيم أساسية قابلة للتطوير وتجعل الانقسام اداة تساعد ولا تعرقل حتى تتوفر ظروف موضوعية كافية لانجاح إنهاء الانقسام . هذا ليس وضعا مثاليا بالتأكيد ولكنه الافضل بما لا جدال فيه اذا ما قورن مع الحالة المتواصلة منذ عشر سنين والأفضل من إنهاء انقسام بأثمان وطنية باهظة جدا وثقيلة جدا هذا اذا كان فعلا إمكانية لإنهاء الانقسام !!!
الان ربما افهم من الجمهور اكثر اذا قلت انا لست مع إنهاء الانقسام ، انا مع ادارة الانقسام . ولكن سأعتذر بأثر رجعي لمن لديه رؤية تنهي الانقسام بدون تضحيات جسام وبدون اشكاليات وتحديات لا تقل خطورة عن الانقسام نفسه .