الخميس: 16/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

طفح الكيل: هناك اكثر من "ابن كلب"

نشر بتاريخ: 04/04/2018 ( آخر تحديث: 04/04/2018 الساعة: 12:42 )

الكاتب: عوني المشني

كثيرون يقرأون تاريخ ويحفظوا حوادث ولكن ندرة منهم يفهم فلسفة التاريخ، وكثيرون يمارسون السياسة كفعل يومي ولكن ندرة هم الذين يدركون فلسفة علم الاجتماع السياسي، وفِي سياق المعرفة وللمعرفة فقط فقد اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية باسرائيل كدولة ولكنها لم تعترف بحقها في ان يكون لليهود دولة ، والفرق كبير هنا ، اسرائيل بحكم الواقع الموضوعي هي دولة ، هذا الواقع الموضوع الذي تشكل عبر موازين قوى ، تشكل بفعل تواطئ البعض وتامر البعض وتقاعس البعض ، هذا الواقع أنتج دولة نقر بوجودها وليس بشرعية وجودها وهنا فرق كبير .
هؤلاء أشباه الزعماء الذين يجهلوا فلسفة التاريخ راحوا يوزعون حقوق تاريخية ، شلومو ساند مؤرخ يهودي يرى اليهود دين وليسوا شعب وجرى اختراع الشعب اليهودي من اجل اختراع ارض اسرائيل ، ناعوم تشومسكي يهودي ايضا يعتبر وجود اسرائيل في فلسطين امتداد للوجود الكولونيالي الغربي ، وزير دفاع امريكي سابق يرى اسرائيل " أرخص من اي حاملة طائرات " تخدم اهداف الولايات المتحدة ، هنري كسينجر اليهودي الصهيوني يرى اسرائيل وكيل من الدرجة الثالثة وامريكيا فقط من يقرر مسار وسياسات المنطقة .
بعد كل ذلك يأتي إلينا مسئول لا يتسم بالمسئولية وعربي تتبرأ العروبة منه ليقول ان اليهود شعب يستحق ان يقيم دولته .
مثل هذا الكلام يثير اكثر من ملاحظة .
فهو تعبير عن جهل مطبق بفلسفة تشكل الجماعات البشرية ، شخص يجهل الفروقات بين الامة والشعب والطائفة والدين ، ومع ذلك يقرر في ذلك بمطلق الكلام !!!
وهو تعبير عن كونه لا يعلم شيئا عن طبيعة الدول وتشكلها ، الدول ليست لطوائف او ديانات او لأعراق ، فاسرائيل التي تشكلت بفعل موازين القوى هي دولة مواطنيها وليست دولة اليهود ، ومواطنيها بينهم حوالي ربع السكان فلسطينيين ، وهذا لا يحتاج لكثير من الوعي ولكنه يحتاج لشيئ بسيط من الفطنة لا يمتلكها " مخاتير " مدن الملح .
وثالثا ان العلاقة بين العرب او المسلمين من جهة واليهود من جهة اخرى هي علاقة مختلفة عن العلاقة بين العرب واسرائيل ، والخلط بين الامرين تعبير عن جهل بفلسفة السياسة ، اليهود أهل ديانة سماوية نكن لها الاحترام والتقدير وعاشوا بين ظهرانينا ردحا طويلا من الزمن بكل امان وتقدير ، هذا ليس موقف فقط هذا ما تؤكده عقيدتنا اولا وشواهد التاريخ ثانيا ، اما اسرائيل فهي كيان استيطاني كولونيالي قام على العداء لامتنا وسلب حقوقها وحراسة المصالح الاستعمارية في المنطقة ، لكن الخلط هنا تعبير عن رغبة محمومة للتحالف مع اسرائيل لان " أمة الكفر واحدة " فهؤلاء واسرائيل يرضعون من نفس الثدي في واشنطن .
والجهل بالاستراتيجية دفع هؤلاء الى تحويل التناقضات الجانبية الى تناقض رئيسي ، واكثر من ذلك يلهث هؤلاء للتحالف مع اسرائيل - القوة الاستعمارية - ضد أبناء دينهم وبعض أبناء امتهم ، ان اعتبار ايران هي التناقض الرئيسي والتحالف مع اسرائيل ضدها امر مقبول هو جهل يصل الى مستوى الخيانة ، وهو مشاركة فعلية في الجريمة التي ترتكب ضد الشعب الفلسطيني اولا وضد امتنا العربية ثانيا وضد الاسلام والمسلمين ثالثا . هذا امر لا يحتاج الى ذكاء لاكتشافه .
الأنكى من ذلك انه يريد ان يكون كريما مع اسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني ، فكما دفعت من أموال شعبك لامريكيا مئات ملايين المليارات تستطيع ان " تشفق " على اسرائيل وتعطيها من ارض بلدك رغم ان ذلك جريمة ، وليس بالتطوع بأرض شعب فلسطين ، والسؤال من الذي اعطاك الحق لتقرر أن فلسطين هي ارضهم ؟؟؟؟
ربما ما يعزي في كل هذا الشأن وبافتراض حسن النية ان مبعث تصرف هؤلاء هو الجهل هذا اذا افترضنا حسن النية ، ولكن الطريق الى جهنم مبلطة بالنوايا الحسنة ، وفِي القضايا الاستراتيجية هناك قضايا يمنع الخطأ فيها تحت اي مبرر ، والقضية الفلسطينية واحدة من اهم هذه القضايا .
حتى الان طريق التراجع متاحة ، وحتى الان يمكن ايجاد طريقة للنزول عن الشجرة التي وضع هؤلاء أنفسهم عليها ، وثقتنا بأمتنا اكبر من ان تزعزعها مثل تلك المواقف ، فهؤلاء لا يمثلون شعوبنا العربية وينطبق عليهم مثل الجاهل عدو نفسه .
تجاوزنا الحدود ؟؟؟ ولكن طفح الكيل ، ولكن لم يعد السكوت عن الامر ممكنا ، واضح ان هناك اكثر من " ابن كلب " .