الإثنين: 29/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

المشروع القومي العربي وتحديات الاستعمار الجديد

نشر بتاريخ: 26/07/2018 ( آخر تحديث: 26/07/2018 الساعة: 10:56 )

الكاتب: يوسف المحمود

لقد اثار انتباهنا ما أعلن عنه المفكر العربي الاستاذ معن بشور في مقالة نشرها قبل ايّام، حول المهمة الملقاة على كاهل الدورة التاسعة والعشرين للمؤتمر القومي العربي المنتظرة في بيروت نهاية تموز الحالي ، وهي تتمحور حول "استرداد العروبة مضمونها التحرري الديمقراطي الإنساني التقدمي الحقيقي من الذين يحاولون تشويه صورة العروبة وتزييف مضامينها واستخدامها اداة تحريض بين العرب وبينهم وبين دول الجوار ، كما بينهم وبين الأقوام المتساكنة" .
إن هذه المهمة - العنوان العريض- تعتبر احد مستويات المراجعة المطالَب بها للمشروع القومي العربي برمته خاصة في وقتنا الحالي وفِي هذه المرحلة بالذات، بسبب التطورات والتغييرات الخطيرة المتصاعدة التي تعصف بوطننا العربي ، والهجمة الاستعمارية الجديدة بقيادة الليبرالية المعولمة وإفرازاتها التي نواجهها على شكل حملات متلاحقة ومتدافعة بشكل غير مسبوق ، وباتت تشكل اكبر تهديد للقضية المركزية للأمة العربية فلسطين التي يبدأ الاستهداف الاستعماري لها عادةً ، اضافة لتشديد الاستهداف للوعي القومي وللمصالح العربية على كافة المستويات وللمشروع برمته .
لقد بدأ تنفيذ هذه (الهجمة الاستعمارية الجديدة) منذ حرب الخليج في بداية تسعينيات القرن الماضي ، وأخذت معالمها تتضح اكثر في كل خطوة من الحروب مختلفة الأشكال التي تبعت هذه الحرب ، وتم الإعلان عن الملامح الأكثر وضوحا في بداية الألفية الجديدة وتم الحديث عن المشاريع الاستعمارية الجديدة ومنها (الفوضى الخلاقة) و( الشرق الأوسط الجديد) ،
ان ولادة مثل تلك المشاريع لم يكن ليتم ،لولا ان إعادة تجديد شاملة للمشروع الاستعماري قد جرت وأنتجت ما تم الإعلان عنه بعد بدء العمل به ، وها نحن ما زلنا في فلسطين المحتلة وسائر أنحاء وطننا العربي نرزح تحت الثقل الكارثي الذي يخلفه تنفيذ تلك المشاريع وبشكل يومي .
إن العنوان الذي اتخذه المؤتمر القومي العربي لدورته المنتظرة يمثل واحداً من عناوين كثيرة وكبيرة تشكل مرتكزات للبدء في اجراء مراجعة شاملة وحقيقية للمشروع القومي العربي وتجيب على أسئلة المرحلة والمستقبل التي فرضتها حروب الفوضى المحمولة على روافع (متوحشة صنعت خصيصاً) في ظل اعادة تجديد الاستعمار، والذي وضع اسساً وقواعد جديدة لحروبه، وأنتج مفاهيم جديدة وطور مفاهيم وأدوات قديمة كي تتلاءم مع (حروب الفوضى عن بعد ) واحدى ادواتها ( السوشيال ميديا - بمنطوق محدثي ومحدثات النعمة الجدد) مثل ( محاولة إسقاط فلسطين من إطارها القومي إيجاد ( أشكال لحروب بين العروبة والإسلام ) وطور أساليب هذه الحروب الكاذبة والمزيفة والتي لا علاقة لها لا بالعروبة ولا بالإسلام!!! ، وفوق ذلك تم إجبارها على تفريخ حروب اخرى اكثر تعقيداً وجعل (الاسلام يحارب الاسلام) من خلال انتاج نماذج متأسلمة مختلفة ومتناحرة ، كما نشهد ذلك في سوريا والعراق مثلاً ( هل الصدفة جعلت سوريا والعراق تحديداً حلبة لهذا الاختراع من الحروب الطائفية والمذهبية والإثنية الطاحنة ؟ )... اضافة الى تجديد انتاج حروب تفتيت الهوية بشكل جديد كوضع نموذج حربي استعماري من نوع (العروبة ضد العروبة) ويمثل ذلك حالة على مستوى ممتد تشمل الدولة القطرية ومشاكلها وخلافاتها وحروبها واشكال تحالفاتها واستعاناتها بالخارج بما في ذلك من ارتكاب للمحرمات الوطنية والقومية والدينية ، إضافة الى انتاج مستوى اخر في هذا الإطار الجحيمي ينخرط فيه المثقف ( المفكر) وهو الاشد خطورة، وابسط أمثلة ذلك الفوضى التي تسيطر على المشهد الثقافي ، وقبول "المثقف" بالخضوع للبدائية السياسية وللبؤس للسياسي السائد، والترويج الثقافي الذي يقوده بعض المثقفين (لمنتوجات الفوضى الاستعمارية المعلبة) .
قد يكون في بعض ما تقدم ذكره بشكل سريع جزءً من الصورة القاتمة التي تم فرضها على كل المؤمنين بالمشروع النهضوي العربي والمؤمنين بحتمية نهوض الأمة العربية ، لكنه لن يغفل نداء الأمل و الاستعداد الفعلي والمستمر من أجل البدء في المراجعة الحقيقية والمطلوبة للمشروع القومي العربي ، والتي تعني التجديد ومواكبة التطورات المتسارعة ، ضمن استكمال كافة المحاولات القيمة والتجارب في هذا الإطار، التي قام بها أفراد وجهات وأطر قومية منذ سنوات طويلة وظلت ضمن المحاولات والحراك المسؤول دون الوصول الى درجات الكمال المطلوب ،وإضافة الى ذلك فانه من الطبيعي ان تتجه الأنظار الى اجتماع المؤتمر القومي العربي المنتظر كي يأخذ على عاتقه ايضاً إكمال هذه المهمة بشكلها الشامل ، لأن التعويل في مثل هذا الامر العظيم يكون أكثر وأكبر على إطار كالمؤتمر القومي العربي وما أخذه على عاتقه .