الأربعاء: 24/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

متغيرات لم يدركها الفلسطينيون!

نشر بتاريخ: 27/08/2018 ( آخر تحديث: 27/08/2018 الساعة: 18:14 )

الكاتب: د.ناجي صادق شراب

القضية الفلسطينية في مجملها لها مكوناتها الإقليمية والدولية، ولكن يبقى المتغيران المباشران الفلسطيني والإسرائيلي هما الرئيسان اللذان يحددان مصير القضية والصراع، وهما من يجنيان الربح والخسارة، والمباراة بينهما ينبغي ان تكون صفرية بمعنى الا تحسب ان ما يكسبه طرف هو خسارة للطرف الآخر، هذا صحيح بحسابات الربح والخسارة، لكن بالحسابات السياسية قد تختلف الأمور. مشكلة الطرفان الرئيسان أنهما تعاملا مع الصراع على أن كل منهما على صواب مطلق، وانه لا يخطئ. 
ومن ناحية أخرى الخطأ الذي كان يرتكبه اي منهما يستفيد منه الآخر. وقد يكون الطرف الفلسطيني ألأكثر خطأ في قراراته وحساباته، وهذا ما يفسر لنا ما آلت اليه الحالة الفلسطينية، والإجابة على السؤال لماذا لم ينجح الفلسطينيون؟ الإجابة على هذا السؤال لها أبعاد إقليمية ودولية، إلا المحدد الفلسطيني يبقى المسؤول الأول عن النجاح. 
وهنا ينبغي المصارحة والشجاعة في طرح ألأسباب التي أدت إلى عدم نجاح الفلسطينيين رغم عدالة قضيتهم، والعديد من قرارات الشرعية الدولية التي تدعم هذه الحقوق، ورغم انه على مستوى التضحيات الشعبية الفلسطينيون لم يبخلوا مثل أي شعب آخر ناضل من اجل التحرر من الإستعمار وسيطرة قوة أخرى، الفلسطينيون قدموا مئات ألآلآف من الشهداء والآف الأسرى الذين ما زالوا يقبعون داخل السجون الإسرائيلية. وهنا سأحاول أن أقدم أسبابا لهذا الفشل من رؤية خاصة، وسأقسم هذه ألأسباب إلى مجموعات تتعلق بمستويات القضية الفلسطينية، وأبداها بالمستوى الدولي وصولا لإدارة الرئيس ترامب.
أول هذه الأسباب: عدم تفهم ومواكبة التحولات في موازين القوى الدولية، وتركيزهم في البداية على القوة السوفيتية، وتجاهل القوة ألأمريكية ودورها في صناعة القرار الدولي، وبإنهيار الإتحاد السوفيتي فقد الفلسطينيون قوة دولية هامة ومؤثرة افقدتهم القدرة على التأثير في القرار الدولي، وثانيا وعلى الرغم من أهمية وزن ودور دول العالم الثالث كقوة عدم ألإنحيار إلا إن هذه الدول كان لها حساباتها، وتحولاتها السياسية كما نرى اليوم في مواقف البعض منها المؤيدة لإسرائيل، والتي قررت نقل سفارتها للقدس. وثالثا إهمال دور الشرعية الدولية في البداية، والتنبه لهذا الدور في الفترة ألأخيرة، وتجاهل ان الشرعية الدولية تحتاج لقوة لتنفيذها. ورابعا عدم الادراك ان القضية الفلسطينية قضية دولية من منظور الأمم المتحدة لكن في حسابات الدول الكبرى والصاعدة الوضع يختلف. تبقى الأولوية للحسابات الاولى. وخامسا التحولات في النظام الدولي من التعددية والثنائية والأحاديه واليوم لما يعرف بالسيولة الدولية لم تعمل لصالح القضية الفلسطينية. 
واما على المستوى الاقليمي العربي فالأسباب والتغيرات والتحولات في بنية النظام الإقليمي العربي وعلى مستوى الدول ذاتها كانت أكبر من القضية الفلسطينية. وقد يكون المستوى العربي الأكثر تعقيدا في الإدراكات الفلسطينية، فلا احد يجادل في كون القضية الفلسطينيه لها مكونها العربي، وتشكل أساسا للأمن القومي العربي، لكن هذه التصورات لم تعد قائمة بالحسابات الفلسطينية، ولا شك ان الدول العربية لم تتوان عن دعم القضية الفلسطينية، بل إن مصر كدولة محورية دخلت في اكثر من حرب من أجل القضية وضحت بأبنائها، وقدمت الدول العربيه كالأردن والسعوديه والإمارات وقطر والكويت وكل الدول العربية دون إستثناء مساعدات مالية كبيرة، وما زالت تحتضن الآلآف من الفلسطينيين، ولكن ما أقصده ان الفلسطينيين بالغوا في حساباتهم السياسية، وتوقعاتهم، ونسوا ان كل الدول العربية لها أيضا رؤيتها لأمنها القومي ومصالحها الحيوية العليا، ولا يمكن أن تتطابق هذه الرؤى مع الحسابات الفلسطينية.
مشكلة الفلسطينيين أن القناعة وصلت بهم انهم من يحددون هذه المصالح، ومن يمنحون الشرعية السياسية لأنظمة الحكم العربية، وهذا احد اهم ألأخطاء التي وقع فيها الفلسطينيون، والخطأ الآخر الذي لا يقل عن ذلك تصور وإنتقاد فلسطيني ان الدول العربية لن تقوم بما يتعارض وما يريده الفلسطينيون لكن في نفس الوقت ما لم يدركه الفلسطينيون انهم لن يفرضوا على الدول العربية ما يريدون، او يفرضوا عليهم إتخاذ القرارات والسياسات وكأن الحكومة الفلسطينية هي من تحكم، والدول العربية لا تنكر القضية الفلسطينية وأهميتها ومحوريتها ولكنهم اليوم يتبنون موقفا أن الفلسطينيين قد وصولا لمرحلة النضج السياسي، ولكم ما تتخذونه من مواقف، وعلينا تقديم النصائح السياسية، لكن لا تفرضوا علينا ما يتعارض مع مصالحنا. 
المبالغة الفلسطينية كانت احد أهم أسباب الفشل على هذا المستوى، ناهيك الإعتقاد الفلسطيني انهم من يحركون السياسة العربية، وإنغماسهم في الشأن العربي الداخلي، وإرتباطهم مع قوى سياسية وحركات تتعارض مع النظام الحاكم القائم. ألأمثلة كثيره في توتر هذه العلاقات، وتراجعها اليوم، وهذا الموقف قد ينعكس اليوم على ما يتم تسميته بالسلام الإقليمي، وبتحديد صورة التحالفات العربية القادمة، وبتحديد من هو العدو المشترك، فلم تعد القضية الفلسطينيه من تحدد هذا العدو، بل الإحساس بالخطر الذي يقارب ويتهدد امن هذه الدول، هذه بعض الحسابات السياسية الفلسطينية التي تفسر لنا الفشل في التعاطي اليوم عربيا مع القضية الفلسطينية، ولا شك ان التطورات الفلسطينية الداخلية من إنقسام وإرتباطات فصائيلية بالحسابات الإقليمية العربية ساهمت كثيرا في أسباب الفشل هذه.
[email protected]