الثلاثاء: 07/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

عقبات في طريق التهدئة

نشر بتاريخ: 30/08/2018 ( آخر تحديث: 30/08/2018 الساعة: 16:48 )

الكاتب: د.سفيان ابو زايدة

رغم الحديث عن امكانية التوصل الى اتفاق تهدئة بين اسرائيل وحماس، وما يتبعه من تراشق اعلامي يصل في بعض الاحيان الى حد الردح الذي لا يليق بالشعب الفلسطيني وقضيته المقدسة، وعلى الرغم من تبادل الاتهامات التي تصل الى حد التخوين، الا ان الاتفاق حتى الان ما زال بعيد المنال وان العوائق ما زالت كبيرة، والخلافات ما زالت جوهرية.
ان لم يكن كل ذلك كافيا، فإن هناك سبب اخر يجعل الامور اكثر تعقيدا، حيث غزة مرة اخرى ستدخل سوق المزايدات للانتخابات الداخلية للاحزاب الاسرائيلية، التي اصبح من المرجح تقديم موعدها لمطلع العام القادم، خاصة الاحزاب اليمنية حيث السباق على من يتخذ مواقف اكثر عدائية واكثر تشددا وتطرفا تجاه غزة.
خلال الايام الاخيرة كانت هناك تصريحات عنترية من قبل وزراء واعضاء كنيست تنتقد ضعف نتنياهو وخنوعه في مفاوضات التهدئة وتطالب بتوجية ضربات لحماس بدل التفاوض معها، اما ليبرمان فقد تحول الى اضحوكة لدى السياسيين نظرا لتهديداته العنترية قبل ان يتم تعيينه وزيرا للدفاع حيث يذكرونه بتصريحاته التي كان يقول فيها انه بعد تعيينة بأقل من ثمانية واربعين ساعة سيكون قد اغتال ابو العبد هنية اقتلع حماس من غزة.
ليبرمان يتخذ في الايام الاخيرة مواقف اكثر تطرفا تجاه مفاوضات التهدئة حيث قال انه لا علم له بهذه المفاوضات ولا يشارك بها وهو ضدها. تصريح يعكس التغيير المرتقب في لهجة المسؤولين الاسرائيليين تجاه امكانية التوصل الى تهدئة في ظل اجواء انتخابات ستكون غزة وكيفية التعامل معها هي احدا المواضيع الرئيسية خلال الاشهر القادمة.
على اية، المزايدات الاسرائيلية الداخلية في ظل اجواء انتخابية مقتربة ليست هي العقبة الرئيسية او الوحيدة التي تعيق التوصل الى اتفاق تهدئة بين اسرائيل وحماس.
هناك عقبات اكثر جدية قد تكون عائق امام التوصل الى تهدئة تكون مقبولة على كافة الاطراف.
العقبة الاولى هي موقف السلطة التي تعتبر التوصل الي اتفاق تهدئة بين حماس واسرائيل هو مؤامرة على المشروع الوطني وجزء من تنفيذ صفقة القرن وتجاوز لمنظمة التحرير التي تعتبر الممثل الوحيد للفلسطينيين والمخول بالتفاوض والتوقيع باسم الفلسطينيين.
والعقبة الثانية ان اسرائيل اذا ما تم الاتفاق مع حماس بوساطة مصرية او اي وساطة اخرى لا ترغب او لا تريد تجاوز السلطة والرئيس عباس وتفضل ان تكون السلطة موجودة وهي التي تشرف على الخطوات التي تلي توقيع الاتفاق. الموقف الاسرائيلي هذا والذي يعتبر اكثر المتحمسين له هو نداف برغمان رئيس جهاز الشاباك نابع من التقدير بأن الذهاب في تهدئة مع حماس سيغضب ويضعف سلطة الرئيس عباس وسيمس بالوضع الامني في الضفة، وبالتالي قد تخسر اسرائيل حالة الهدوء السائدة في الضفة الان. لكن المشكلة الاسرائيلية هي انه لا يوجد لديهم موقف كيف سيتصرفون في حال تذليل العقبات مع حماس واستمرار رفض الرئيس عباس. وكذلك لا يوجد لديهم موقف كيف سيتصرفون في حال اقدم الرئيس عباس على اجراءات جديدة في غزة ردا على اتفاق التهدئة المفترض.
العقبة الثالثة التي تعيق توقيع الاتفاق هو الموقف المصري الذي يفضل ان يتم اتمام المصالحة الفلسطينية الداخلية قبل ان يتم انجاز اتفاق التهدئة او على الاقل بشكل متوازٍ، مصر لا تريد ان تُتهَم بانها تعمق الانفصال وتعمق الانقسام بين غزة والضفة.
لكن ايضا مصر لا تملك اجابة ما الذي يجب ان تفعله في حال عدم انجاز ملف المصالحة قبل انجاز ملف التهدئة. هل ستتجاوز السلطة وتتجاوز الرئيس عباس وبالتالي حرق ما تبقى من جسور بين الطرفين؟ وماذا لو تم التوصل الى اتفاق تهدئة بين اسرائيل وحماس وفي حال نفذ الرئيس ما نسب اليه من تهديدات باتخاذ مزيدا من الخطوات تجاه غزة؟
العقبة الرابعة وهي ملف الاسرى. على الرغم ان اسرائيل وافقت بناء على اصرار حماس باجراء مفاوضات منفصلة حول الاسرى بمعزل عن ملف التهدئة الا ان الموقف الاسرائيلي هو عدم الاقدام على اي خطوات جوهرية لتغيير الوضع الانساني في غزة قبل ان يتم اغلاق هذا الملف.
حتى الان ما زال الفارق كبير بين ما تطلبه حماس وبين استعداد اسرائيل للتنازل عنه. الي ان يتم تقليص هذا الفارق والتوصل الى صفقة لتبادل الاسرى لن يحدث التغيير المنشود.
على اية حال حديث قائد حماس ابو ابراهيم السنوار في غزة امس مع الصحفيين والكتاب وقبل ذلك اللقاءات المتلفزة لقيادات من السلطة وحركة فتح يشير الى ان الطريق ما زالت وطويلة، سواء كانت الطريق التي تؤدي الى اتفاق تهدئة او الطريق التي تؤدي الى المصالحة وانهاء الانقسام.
مع ذلك اسرائيل تدرك ان صيغة الهدوء مقابل الهدوء مع تقديم بعض التسهيلات الطفيفة لن تقبلها حماس ولن تقبلها الفصائل الفلسطينية في غزة، وكذلك مصر تدرك رغم تجنبها الاقدام على خطوات بعيدا عن السلطة الا ان الوضع في غزة لا يمكن ان يستمر على ما هو عليه الان.
الى ذلك الحين سيواصل القادة والمسؤولين الحديث عن المؤامرات وعن المشروع الوطني وحمايته، سيواصلون الصراع على الشرعية والتنافس على احقية التفاوض والتوقيع والتمثيل وسيواصلون اتهام بعضهم البعض بالخيانة والتآمر على القضية الوطنية.
الي ذلك حين ستبقى غزة بدون ماء وبدون كهرباء وبدون ميناء وبدون مطار وبدون اتفاق تهدئة او اتفاق مصالحة. سيواصل الناس جر خيبات املهم ويبكون عجزهم ويندبون حظهم، غارقين في الفقر والبطالة وظلم ذوي القربى.