السبت: 11/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

الكونفدرالية ودبلوماسية الرد الفلسطيني

نشر بتاريخ: 26/09/2018 ( آخر تحديث: 26/09/2018 الساعة: 11:36 )

الكاتب: د. ياسر عبد الله

جسدت العلاقات الفلسطينية الأردنية خلال السنوات الأخيرة نموذجا للتوافق السياسي والاجتماعي، وكانت مواقف الأردن اتجاه التحديات والجرائم الإسرائيلية حاسمة، وكانت العلاقة متينة – أيضا – في عهد شهداء الامة العربية (المرحوم الحسين بن طلال، والمرحوم ياسر عرفات) فقد سطر جلالة الملك الحسين أسمى المواقف الوطنية حين أجبر اسرائيل على ارسال الترياق الى خالد مشعل والافراج عن احمد ياسين بعد محاولة اغتيال بشعة حاولت منها إسرائيل أن تنال بها من مواطن فلسطيني على أرض الأردن.
واليوم في ظل ظروف أكثر صعوبة وتحديات أكثر خطورة مما سبق؛ أمريكا تطرح صفقة القرن وتريد من الأردن ان ترضخ لإملاءات تخدم الكيان الصهيوني، والأردن ما زالت تتصدى وتقاوم تلك الضغوطات؛ وتأتي قضية الكونفدرالية للضغط على الأردن الرافضة للفكرة؛ فعملية كونفدرالية بين دولتين متجاورتين أمرا لا يعيب الأردن ولا فلسطين وانما رفضا للقرار الأمريكي الصهيوني، فرفض الاردن لأجل منح الفلسطينيين دولة مستقلة كذلك أيضا فالكونفدرالية شأن عربي وقضية قومية (فلسطينية – اردنية) لا علاقة لأمريكيا ولإسرائيل بها.
موقف القيادة الفلسطينية عبر عنه الرئيس الفلسطيني من خلال الموافقة المشروطة فقد ورد في وسائل الاعلام عن قرار الرئيس الفلسطيني: " أريد دولة كونفدرالية مع الأردن وإسرائيل، سألت الإسرائيليين إذا ما كانوا سيوافقون على ذلك العرض". ولكن هذا التصريح لم يقنع الأردن فخرجت الناطقة باسم الحكومة الأردنية" جمانة غنيمات" ترفض الكونفدرالية قائلة " إن "ربط الأردن بالضفة الغربية غير قابل للنقاش وغير ممكن".
والغريب ان التناقض في الموقف الإسرائيلي بين نتانياهو وبارك، فقد أيد نتانياهو الكونفدرالية بين الأردن وفلسطين فقط وهذا مرفوض فلسطينيا على الأقل؛ لان الأردن ترفض الفكرة تماما او النقاش فيها من الأساس، ولكن الغريب ما صرح به بارك رئيس الوزراء الأسبق لإسرائيل أن قرار الرئيس الفلسطيني هو القرار الصحيح، وأن على اسرائيل أن تمنح للفلسطينيين دولة قبل طرح فكرة الكونفدرالية سواء بين الأردن وفلسطين أو حتى بين الدول الثلاث (فلسطين، والأردن، وإسرائيل).
باعتقادي ان تصريحات الرئيس حول الكونفدرالية هي مناورة ذكية لرمي الكرة في ملعب الإسرائيليين والإدارة الامريكية؛ وهو رفض دبلوماسي وسياسي حكيم للفكرة أساسا، والأردن تعرف تماما أن الرئيس الفلسطيني لن يقوم بأي خطوة بما يتعلق بأي أمر يتعلق بالأردن والمقدسات وحتى القضايا الفلسطينية دون التشاور مع ملك الأردن وتوحيد المواقف من أجل الوقوف أمام التحديات الصهيونية التي تعصف بالمنطقة والدول الأكثر تهديدا هي الأردن وفلسطين ومصر.
والغريب أن مواقف دول عربية أخرى تتماشى مع صفقة القرن وتتماشى مع أي طرح أمريكي اسرائيلي من باب فتح الباب أمام التطبيع مع إسرائيل؛ الأمر الذي دفع رئيس حكومة الاحتلال للقول "تطبيع العلاقات بين عدد من الدول العربية ودولة إسرائيل تجري مباشرة أمام عيوننا على نطاق كان من الصعب أن نتخيله في السابق".
لقد أظهرت تصريحات الرئيس الفلسطيني الحنكة والحكمة النابعة من البعد الوطني الموازي لمواقف رفيق دربه الشهيد ياسر عرفات ، وعند رده على قرار الكونفدرالية ووضع شرطا أن تدخل اسرائيل فيها كان قد وضع الكرة في ملعبهم وهو يعي تماما أن حكومة الاحتلال لن تقبل بذلك على الأقل في هذه المرحلة والظروف السياسية في المنطقة فالرئيس الفلسطيني ينسق الجهود العربية في أي قضية وفي مقدمتها الأردن ولن يقبل باي حل لا تقبله الأردن لأن العمق العربي يعني أن نكون أقوياء أمام التهديدات الصهيوامريكية .
ولكن ،،،
المرحلة القادمة هي مرحلة حاسمة لا تقبل الخجل والتردد في الموقفين الأردني والفلسطيني وتتطلب التشاور والتعاون في الوقوف أمام جملة التحديات التي تطرحها الإدارة الامريكية وهي قضية مصيرية في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، وبحاجة الى تكاثف كافة الجهود والابتعاد عن الحلول الفردية ، والمصالح الضيقة ، فما يريده الاحتلال هو التطبيع مع دول عربية جديدة ليس حباً في العلاقات ولكن بهدف زيادة الفرقة بين دول الوطن العربي وتشتت الوحدة العربية ؛ ولتنظر تلك الدول التي تلهث وراء التطبيع مع إسرائيل نتائج العلاقات والاتفاقيات الإسرائيلية مع الأردن ومصر والمفاوضات مع فلسطين؛ اسرائيل تريد أن تفكك الوحدة العربية وهي بالأساس متهتكة إلى أبعد الحدود وبعدها سوف تعمل على السيطرة الاقتصادية؛ فالمخطط الصهيوني للعام 2032 هو ان يتساوى الاقتصادي الصهيوني من الاقتصادي السعودي وقد يبدو خيالا هذا الأمر الآن ولكنه رؤيا صهيونية تسعى إلى تحقيقها وهناك مشاريع ضخمة في المنطقة أعتقد أنها مؤشرٌ على حقيقة المخطط الصهيوني ، وعلى الدول العربية أن تحيد الخلافات ( الخليجية – الخليجية والخلافات بين الدول العربية الأخرى وحتى الخلاف السني- الشيعي ) لأنه أصبح واضحا من المبادرات الامريكية الصهيونية أنها تسعى إلى اللعب على وتر الخلافات العربية- العربية والسنية - الشيعية من أجل تحقيق حلم اليهود في دولتهم من النهر إلى النهر .
وإن استمر الوضع العربي على حاله ولم يحدث أي تغيير حتما سوف تتجاوز التحديات فكرة الكونفدرالية إلى أبعد من ذلك وهو علاقات تطبيع مع غالبية دول الوطن العربي من خلال علاقات اقتصادية المستفيد الوحيد منها هي اسرائيل وباقي الدول العربية سوف تتآكل اقتصادياً وتنهار دولة تلو الأخرى.