السبت: 11/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

لا دولة إلا بتطبيق حق العودة!!

نشر بتاريخ: 28/09/2018 ( آخر تحديث: 28/09/2018 الساعة: 10:56 )

الكاتب: د.محمود فطافطة

بعد قرار الرئيس الأميركي "دونالد ترمب" بنقل السفارة الأميركية من تل ابيب إلى القدس؛ بهدف اقصاء قضية القدس من ملف أي تسوية سياسية قادمة يحاول، الآن، تصفية أو إبطال أهم ملف في الصراع الفلسطيني ــ الاسرائيلي، وهو ملف حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم الأصلية التي طُردوا منها في نكبة العام 1948، ومن ثم في نكسة حزيران من العام 1967.
فهل يستطيع "ترمب" أو نتنياهو، أو سواهما، اجهاض هذا الحق؟ وقبل ذلك علينا أن نحدد ما المقصود بحق العودة؟ وما هي أُسسه ومرتكزاته، وما هو موقف إسرائيل وأميركا من مسألة حق العودة ؟ وكذلك، ما هو موقف القانون الدولي إزاء هذه القضية؟
بداية، أدت حرب 1948 في فلسطين، وما نجم عنها من الأعمال الارهابية التي نفذتها العصابات الصهيونية، إلى اقتلاع وتشريد الجزء الأكبر من أبناء الشعب العربي الفلسطيني من أراضيه، حيث تحول هؤلاء إلى لاجئين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي أكثر من دولة عربية. ولم يتمكن هؤلاء اللاجئون من العودة إلى بيوتهم وأراضيهم بعد توقف الأعمال الحربية، بسبب سعي الحركة الصهيونية الى إقامة دولة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية، وبذلك ظهرت مشكلة اللاجئين الفلسطينيين.
وقد قام "الكونت برنادوت"، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة بشأن قضية فلسطين، بمحاولة لحل مشكلة اللاجئين هذه، ولكن سلطات الاحتلال الاسرائيلي حالت دون ذلك، وبناءً عليه، تقدم الكونت بتقرير الى الجمعية العامة، والمنعقدة في 11/12/1948، متضمناً مقترحات محددة لعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم وممتلكاتهم.
وقد صدر عن هذه الدورة القرار رقم(194)، والمتضمن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، حيث جاء فيه" يجب السماح لللاجئين الراغبين في العودة الى ديارهم والعيش في سلام مع جيرانهم بأن يفعلوا ذلك في أقرب وقت ممكن".
ولم تكتف الجمعية العامة بذلك فحسب، وإنما قامت بتدعيم هذا القرار عن طريق تشكيل (لجنة التوفيق الخاصة بفلسطين) التي عهد إليها بمهمة تسهيل عودة اللاجئين واعادة توطينهم ــ في بيوتهم وأراضيهم ــ وتأهيلهم وتعويض من لا يرغب في العودة، وبذلك اعترف المجتمع الدولي بعدم جواز اجلاء الفلسطينيين عن وطنهم، وأقر بحقهم في العودة؛ باعتباره أمراً مفروغا منه ولا جدال فيه.
ازدادت مشكلة اللاجئين الفلسطينيين بعد حرب حزيران لازدياد أعداد اللاجئين الفلسطينيين نتيجة لهذه الحرب. وقد صدرت قرارات عديدة عن هيئة الأمم المتحدة بخصوص اللاجئين، تضمنت التأكيد على حق فلسطيني 48 بالعودة، بالإضافة إلى إقرارها بحق العودة لنازحي 1967، مما يفيد أن الشرعية الدولية، بالرغم من الظروف المعقدة والمستجدة ، لم تتجاوز حق الفلسطينيين بالعودة، ولم تذوبه أو تطمسه.
ورغم تجاهل إسرائيل لهذا الحق، وبسبب التطورات المعقدة التي واجهت القضية الفلسطينية، أصبح حق العودة عرضة للضياع والتبديد، ومع ذلك، فإن قرار حق العودة ظل يصدر عن الهيئة الدولية باعتباره حقاً من حقوق الشعب العربي غير الثابتة، وغير القابلة للتصرف.
ففي عام 1969، وبفضل تصاعد الحركة الوطنية الفلسطينية، حدث تطور هام في توجهات الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن القضية الفلسطينية التي تحولت يومئذ في قرارات هذه الهيئة الدولية من قضية لاجئين إلى قضية شعب.
وفي قرار رقم( 3989) لعام 1973 جاء في نصه: "الاحترام التام لحقوق شعب فلسطين الثابتة وتحقيقها، وخصوصاً حقه في تقرير مصيره، وأن تمتع اللاجئين العرب الفلسطينيين بالحق في العودة الى ديارهم وأملاكهم لا بد منه لتحقيق تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين، ولممارسة شعب فلسطين حقه في تقرير المصير".
وبخصوص الموقف الاسرائيلي، فقد تقدمت إسرائيل بعد تأسيسها بسنواتٍ قليلة، بمذكرة الى لجنة التوفيق الخاصة بفلسطين أشارت الى أن عقارب الساعة لا تعود إلى الوراء، وأن عودة اللاجئين العرب الى اماكنهم السابقة شيء مستحيل. وبعد أن كانت إسرائيل تربط بين عودة اللاجئين وعقدها معاهدة صلح مع العرب عادت وغيرت موقفها، حيث اعتبر أول رئيس وزراء لدولة إسرائيل "بن غوريون"، أن حل مشكلة اللاجئين يكمن في توطينهم في الدول العربية. ومع الزمن تزايد اصرار إسرائيل على تجاهل حق العودة، في محاولة منها لتبديد هذا الحق وطمسه.
وفي هذا المجال يقول مستشار وزير شؤون الأقليات "عاموس جابواغ" في سنة 1953، أن حق العودة للفلسطينيين يعني، وبشكلٍ واضح، تصفية الدولة الصهيونية. أما وزبر الطاقة الإسرائيلي فقد طرح مشروعاً للتسوية في العام 1989، تضمن اشتراطات إسرائيل مقابل إجراء مفاوضات مع منظمة التحرير منها: التخلي التام عن الإرهاب، الاعتراف بإسرائيل في الوجود، التنازل التام عن حق العودة للاجئين . أما اسحق شامير، فقال في خطاب له العام 1990:" سوف نرفض بحزم الشعارات المتعلقة بحق العودة، وكل ما يرمز أو يساعد في تطبيق هذه النظرية البغيضة".
أما بشأن الموقف الأمريكي من حق العودة، فقد تنصلت واشنطن من موافقتها على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، وسعت إلى إلغاء حق العودة للاجئين الفلسطينيين وتوطينهم في الدول العربية. ونقل عن ممثل شخصي للرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت قوله: " إن المنظمة الصهيونية في فلسطين قد التزمت ببرنامج واسع، الغاية منه إنشاء دولة يهودية ذات سيادة، تضم فلسطين وربما شرق الأردن، مع احتمال نقل السكان العربي من فلسطين إلى العراق".
وعلى مدار العقود الماضية، صرح كثير من رؤساء ومسؤولي الولايات المتحدة الأمريكية بأن حق العودة سيضر بالدولة اليهودية، وأن الحل الوحيد والمناسب لهؤلاء اللاجئين هو التوطين. وأن ما قام به ترمب، من الغاء الدعم عن وكالة "الأنروا" يصب في الضغط على الفلسطينيين للقبول بصفقة " القرن" التي إحدى بنودها تصفية اللاجئين وطمس حق العودة لهم نهائياً.
وفيما يتعلق بالقانون الدولي وحق العودة، فقد جاء في المادة (13) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذي هو حجر الأساس في القانون الدولي، ما يلي .1 لكل إنسان حق حرية الانتقال والسكن ضمن حدود كل دولة. 2 لكل إنسان حق مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده، والعودة إلى بلده 3. لن يحرم أي إنسان بصورة اعتباطية من حق الدخول إلى بلده.
الحديث عن هذا الموضوع طويل ومعقد، ولكن خلاصة القول: إن حق العودة هو حق فردي وجماعي ينسجم مع مواثيق القانون الدولي، ولا يغير هذا الحق أي حدث سياسي طارئ ولا يسقطه أي تقادم، وتكفله مبادئ القانون الدولي والاتفاقات والمعاهدات الدولية. ولا يجوز للقيادة الفلسطينية أن تساوم أو تتنازل عن هذا الحق المقدس والطبيعي لكل لاجئ. وعلى الجميع أن يدركوا بأن الدولة لا يمكن لها أن تقوم إلا بعودة أهلها المشردين.. سيبقى هذا الحق سابق لبناء الدولة وليس تابع لإنشائها.
ونختم حديثنا بما قاله الكاتب الإسرائيلي داني روبنشتاين في كتابه (الناس الذين ليس لهم مكان): "أعجب لهؤلاء الفلسطينيين، فشعوب العالم كله تعيش في مكان، أما هم الفلسطينيون، فإن المكان يعيش فيهم". ما يقوله هذا الكاتب هو رد على ترمب ونتنياهو، فلا يمكن لهما اسقاط حق العودة، لا مادياً ولا معنوياً ولا قيمياً.. سيظل الفلسطيني حاملاً حقه بالعودة في ذاكرته إلى أن يعود إلى أرضه التي طُرد منها... وسيعود حتماً..