الإثنين: 03/06/2024 بتوقيت القدس الشريف

لو كنت حماس....

نشر بتاريخ: 04/10/2018 ( آخر تحديث: 04/10/2018 الساعة: 11:11 )

الكاتب: رائد محمد الدبعي

لست أقصد لو كنت أحد مناصريها، أو السائرين بركبها، أو المنتظمين في صفوفها من بعيد، سواء كان بدافع الاعتقاد أن الانضواء تحت مظلة جماعة، أو حركة، أو تنظيم يرفع شعارات دينية، ويستخدمها في التنظير، والاستقطاب، والتحشيد، كاف لنيل رضى الله، ودخول الجنة، أو بدافع الاعجاب بتنظيرها للمقاومة، ومشاركة جزء من أبنائها بها، وتجنيد إعلام الحركة، ومنابر عدد من المساجد، لخلق رأي عام صديق لمواقف الحركة، ورؤاها، سواء كان ذلك في القضايا الوطنية، أو المجتمعية، أو أنماط التدين، إذ كان لحركة حماس أثرا هاما في نشر أنماط التدين السلفية، والوهابية، والتبريرية، والنفعية، والتراجيدية، التي ورثتها من الإخوان المسلمين، مقابل تهميش دور أنماط التدين الجمالية، والانسانية، والصوفية، والعقلانية، والاصلاحية، التي تتعارض مع مصالحها، ورؤاها السياسية، إنما أقصد لو كنت جزءً من القرار داخل حركة حماس، ومن أجل ذلك جاء عنوان المقالة " لو كنت حماس، وليس لو كانت حمساويا .
لو كنت حماس، لتمهلت قبل عقد جلسة لعدد من أعضاء المجلس التشريعي في قطاع غزة، قبل يوم من خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس، تحت شعار "شرعية الرئيس محمود عباس"، ولأخضعت الخطوة لمبادئ "التحليل السياساتي" عبر اختبار مدى جدواها من خلال مجموعة من الأسئلة، والاجابة عنها بموضوعية وعقلانية وعمق، بعيدا عن العاطفة، والتسرع، ومنطق المراهقين السياسيين، في مقدمة تلك الأسئلة، من المستفيد من تلك الجلسة، وماذا ستستفيد حركة حماس منها على مختلف الصعد، وكيف سيستقبل المواطن الفلسطيني تلك الخطوة، وما هي نسبة نجاح الخطوة في تحقيق أهدافها، وما هو الثمن الأخلاقي، والسياسي، والمالي لتلك الخطوة، وأخيرا ما هي البدائل المتاحة .
يظهر جليا عند إخضاع تلك الأسئلة لمعايير موضوعية، حجم الخطأ الذي ارتكبته حماس بمحاولتها استخدام لعبة الشرعية الخطيرة، فهي كمن أطلق الرصاص على نفسه، إذ أن المستفيد الأول من الخطوة هو إسرائيل دون شك، يليها الولايات المتحدة الأمريكية التي تعادي شعبنا، وتستبيح مقدساتنا بشكل غير مسبوق، فيما نصيب حركة حماس منها هو صفر كبير على جميع الصعد، بل إن خسارتها منها مضاعفة، فحركة حماس التي خاطبت الجمهور الفلسطيني في الانتخابات التشريعية عام 2006 قائلة، " أمريكا وإسرائيل تقول لا لحماس، وأنت ماذا تقول " تظهر اليوم أمام ذات المواطن، الذي يشاهد جداريات تشكك بشرعية الرئيس مكتوبة باللغة الانجليزية على مفارق الشوارع الرئيسية في قطاع غزة، بمظهر المتواطئ مع امريكا وإسرائيل، لا سيما وأن توقيت الخطوة يعتبر قاتلا لحماس، إذ أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، لدى الغالبية من المواطنين الفلسطينيين، سواء كانوا من المؤيدين لمساره السياسي، أو المعارضين، هو في الجبهة المضادة للولايات المتحدة، وسياساتها العنصرية تجاه شعبنا، وهو الذي يجعل الثمن السياسي والأخلاقي لتلك الخطوة باهظا على حماس، يضاف إلى كل ذلك، إلى أن حركة حماس التي نجحت في انتخابات المجلس التشريعي عام 2006، تستخدم سلاحا مشرعا في وجهها، فإن كان الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد مضى على انتخابه إثنا عشر عاما، فقد مضى على انتخاب أعضاء المجلس التشريعي أحد عشر عاما، فيما أن الفرق الأهم أن حركة حماس تضع نفسها تحت الضوء عند الحديث عن شرعية الصندوق، كونها تفرض حظرا على صناديق الانتخابات المحلية، والطلابية، والنقابية، منذ انقلابها في قطاع غزة، بينما الرئيس الفلسطيني قد انتخب من قبل المجلس الوطني الفلسطيني رئيسا لمنظمة التحرير الفلسطينية قبل أقل من عام، وهو الأمر الذي يضعف من موقف حماس أكثر وأكثر.
لو كنت حماس، كنت سأستثمر توجه الرئيس للأمم المتحدة، لأسجل موقفا وطنيا يمكن البناء عليه في جهود إنهاء الانقسام، ولوجهت رسالة لشعبنا، ولحركة فتح، ولرعاة المصالحة، بأننا لا نغامر بالوطن، ولا نتوانى عن دعم أي موقف ضد السياسات الأمريكية والاسرائيلية، وبأننا جزء من النظام السياسي الواعي، والوطني، الملتزم بقضايا أمته وشعبه، ولقرأنا خطاب الرئيس الفلسطيني بعمق، فأيدنا ما يتطابق مع رؤانا، وعارضنا ما يختلف معها، عندها كانت حماس ستظهر معارضة وطنية واعية، إلا أنها للأسف الشديد، اختارت أن تخوض طريقا خاطئا، وذو اتجاه واحد، أشك أنها تمتلك مقومات العودة الاَمنة منه دون أن تدفع ثمنا باهظا .
لو كنت حماس، لوافقت على تمكين الحكومة فورا، لأن ثمن الإصرار على عدم التمكين سيكون باهظا، فإن قامت اسرائيل مثلا، باقتطاع أموال المقاصة، لدفع فواتير فطاع غزة دون تنسيق مع الحكومة الفلسطينية، فإن ذلك سيشكل ورطة حقيقية لحركة حماس، على الصعيدين الوطني، والأخلاقي، كما أن الرئيس الفلسطيني كان واضحا جدا من على منصة الأمم المتحدة، حينما أكد، أن حكومة التوافق، إما أن تكون مسؤولة عن كل شيء في قطاع غزة، كما هي كل الحكومات الطبيعية في العالم، وإما لن تكون مسؤولة عن أي شيء، وهو الأمر الذي سيضع حركة حماس أمام مسؤوليات جديدة، لم تعهدها خلال السنوات العشر الماضية.
حركة حماس لا تمتلك مقومات الحكم المستقر لقطاع غزة على المدى البعيد، فهي لا تمتلك الاعتراف الدولي، ولا شرعية الحكم في ظل حكومة الوفق الوطني، يضاف إلى ذلك تعطل المجلس التشريعي بسبب الانقلاب، كما أن الابقاء على سياسة القمع، والحكم المستبد، من خلال ميليشياتها، وفروعها الأمنية الممتدة في القطاع، وفرض الضرائب الباهظة على المواطنين، لتغطية جزء من النفقات، لن يكون مجديا أمام مسؤولية القطاع بشكل كامل، وهو السيناريو الذي لا تزال حركة حماس تمتلك مخرجا له، من خلال تمكين حقيقي لحكومة الوفاق الوطني، لفترة محددة ومتفق عليها، يليها تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية، من حق حركة حماس، أن تخوضها من جديد.
لو كنت حماس، لطورت أساليب عمل مسيرات العودة الحدودية، وأخضعتها للتقييم، على الرغم من أنها ليست مبادرة حمساوية، وأن مختلف الفصائل، والقوى، والقطاعات المجتمعية شاركت بها، وقدمت الشهداء والجرحى، إلا أن حماس هي من يوجهها، ويحدد مسارها، وقوتها، كونها من يسيطر على القطاع، إذ أن مسيرات العودة التي شكلت مبادرة ملفتة، وجديرة بالإشادة، قد استنفذت هدفها، وأرسلت رسالة غزة للعالم أجمع، إلا أنها اليوم، أضحت بحاجة ماسة إلى تقييم مستمر، وواقعي، وتجديد في الأساليب، بشكل يحافظ على استنزاف طاقة، وراحة، واستقرار الاحتلال، ويحد من استنزاف أرواح أطفالنا، وشبابنا، وصبايانا، دون مقابل، ويضمن سلمية العمل، واستمراره، وتحقيقه لنتائج واضحة، ومحددة، وقابلة للتحقيق، إذ أن سلمية مسيرات العودة، ومشاركة مختلف قطاعات شعبنا بها، كان أحد مقومات نجاحها، والتفاف العالم حول مطالبها، فيما لم يعد واقعيا التوهم أن تلك المسيرات، بشكلها وإدارتها الحاليين، قادرة على تحقيق العودة، أو رفع الحصار عن قطاع غزة .
لو كنت حماس، لاخترت الجانب الصحيح لا الجانب المريح في تحالفاتي، واتفاقاتي المتعلقة بمستقبل المواطنين والوطن والنظام السياسي، ولاخترت التعامل دوما مع الجهة التي تمتلك الشرعية، وتحظى بالاعتراف الدولي، أولا لأن ما يجمعكم مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وبرغم الغمامة التي تعلو أجواء المصالحة في هذا اليوم، أكثر مما يجمعكم مع أي جهة هامشية من هنا أو هناك، إذ أن المعطيات الواضحة على الأرض تثبت لكم يوميا، أن لا هدنة دون موافقة القيادة الفلسطينية الشرعية، ولا حل لمشاكل غزة، إلا عبر بوابة الشرعية الفلسطينية، وحكومة الوفاق الوطني، ولن يفتح العالم لكم نافذة إلا عبر المرور الإجباري بمحطة المصالحة، والتمكين، أما على الصعيد التنظيمي الداخلي، فإن ثمن التوافق مع الرئيس، بما يمثله من شرعية، واعتراف دوليين، قابل للتبرير، واقناع الكوادر الحركية، بينما فتح بوابات جانبية، أقمتم حكمكم خلال السنوات العشر الماضية على مبدأ تخوينها، وعمالتها، وتحالفها مع الاحتلال، هو الأمر الذي سيكون له أثر عميق في نسيج الحركة، وتماسكها .
لو كنت حماس، لوافقت فورا على تنظيم الانتخابات البلدية، والطلابية، والنقابية في قطاع غزة، أولا لكي يكون رفعي لشعارات الديمقراطية، والتعددية، والحرية، حقيقيا ، ولكي لا أصبح محط سخرية، وتندر، وثانيا، وهو الأهم، لكي أعرف مدى شعبية الحركة، لا سيما بين الشباب، يضاف للسبين حتما، أن الانتخابات حق للمواطن واجب التحقيق، فالوطن ليس طائرة مختطفة، والشعب ليسوا رهائن لأي جهة كانت .
لو كنت حماس، لتوقفت فورا عن سياسة القمع الممنج، بدءا بالاعتقال التعسفي، وتكسير العظام، وإغلاق المؤسسات، وحجب الرأي الاَخر، والاعتداءات على المواطنين المعارضين، لا سيما أبناء حركة فتح، وشبيبتها، وبالأخص النساء والطالبات منهم، والناطقين الإعلاميين، لأن تلك السياسة أثبتت عقمها، ولعل قدرة حركة فتح على حشد تجمعات مليونية ما بعد الانقلاب، أثبت عقم تلك الأدوات القمعية، التي أنتجت ثورات في دول محيطة بنا، إذ أن كل الأصوات التي ترفعها حركة حماس، نحو المطالبة بحريات أوسع في الضفة الغربية، ستسقط حتما أمام صورة اياد شبير، الذي تم سحق أقدامه، وتكسير عظامه، بتهمة انتماءه لشبيبة فتح.
واخيرا لو كنت حماس، لانتصرت لشهداء الحركة، وأسراها، وتاريخ الشرفاء من أبنائنا، ولحيدت كل المنتفعين من حكمها للقطاع، لأنهم في كل يوم يسحبون من رصيدها في الشارع الفلسطيني، لحساب أرصدتهم البنكية المتخمة .