السبت: 18/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

بين التعويل والتحويل

نشر بتاريخ: 29/10/2018 ( آخر تحديث: 29/10/2018 الساعة: 12:16 )

الكاتب: رائد محمد الدبعي

الدول عبيد مصالحها، لا زالت تلك الفرضية قادرة على إثبات صحتها، والانبعاث المتجدد منذ فجر التاريخ، فالدول وعلى الرغم من اختلاف أشكال أنظمة الحكم بها، فإن المصلحة تبقى دائما المحدد الأبرز لتوجهاتها، وقراراتها، وتحالفاتها، وتموضعها في معسكر، ضد آخر، أو انتهاجها، لسياسة العزلة، أو الحياد، ومن يظن أن العالم مدينة فاضلة تحتكم إلى قيم العدالة والحرية والمساواة فعليه إعادة قراءته للتاريخ بشكل أكثر عمقا، وواقعية، وعلى الواهمين أن الأمم المتحدة جمعية خيرية، توزع صكوك حق الشعوب بتقرير مصيرها، أن يستيقظوا من وهمهم، إذ أن فرضية أن الحق كفيل بتحقيق النصر، قد دفنت مع أشلاء عشرات الملايين من أصحاب الأرض في الولايات المتحدة الأمريكية، الذين أبادهم المستعمر الأوروبي، مستبدلا حضارتهم وثقافتهم، ولغتهم، وأبنائهم وروايتهم، بلغته وثقافته، وروايته ومستعمريه، مستخدما بشكل بشع، رواية مزورة لجوهر الدين، وهوليود، وتزوير التاريخ وأشياء اخرى.

اسرائيل وامتلاك سر التحويل:
أتقنت الحركة الصهيونية منذ نشأتها العزف على وتر المصالح، واستغلال الفرص، إذ لعبت ولا تزال أدوارا وظيفية متعددة، ساهمت في نشوئها، وتمددها، وتشعب علاقاتها، حتى استطاعت النفوذ، واختراق ساحات كان مجرد التفكير بالاقتراب منها عبثا فكريا قبل عقود من اليوم، حيث نجحت اسرائيل عبر اتقانها لعبة المصالح، بتحويل مواقف عدد من الدول التي كانت ترفض مجرد مناقشة أية علاقة رسمية معها، بما في ذلك الهند، والصين، التي استطاعت اسرائيل النفوذ لهما عبر صناعاتها العسكرية، والأمنية، والتكنولوجية، وأنظمة الرادار، والصناعات الفضائية، والابتكار، وكذلك عدد من دول افريقيا، وأمريكا اللاتينية، التي نفذت إسرائيل لها عبر تميزها في مجال التكنولوجيا، والزراعة، والابتكار، والخدمات الأمنية، والصناعات العسكرية.
من غير الممكن قراءة استقبال نتنياهو قبل يومين في مسقط، برفقة رئيس الموساد، وأركان نظامه الأمني من البوابة الأخلاقية بشكل منفرد، لأن ذلك سيجعل من التحليل ضحلا، وسطحيا، وشعبويا، وبلا نتيجة، وكذلك استقبال قطر، والامارات لفرق رياضية اسرائيلية، ورفع العلم الإسرائيلي، وعزف السلام الوطني لإسرائيل في تلك الدول دون قراءة خريطة المصالح، والتحالفات، واتجاهات الأحداث، إذ أن لسلطنة عمان سجلا حافلا بالانتصار لمصالحها، وانتهاجها خطا مغايرا في سياساتها الخارجية عن الإجماع العربي والخليجي، بدءا من رفضها مقاطعة النظام المصري وقت توقيع اتفاقية كامب ديفيد، مرورا برفضها فتح اراضيها للعراق في حربه ضد ايران، والموافقة على فتحها لأمريكا، في حربها في افغانستان، واحتضانها لمفاوضات الخمسة زائد واحد مع إيران، على الرغم من الموقف السعودي، والاماراتي المعارض، وانتهاءً باستقبال نتنياهو يوم أمس، إذ أن الرابط الكامن بين كل تلك المواقف، هو الرؤية العمانية أن تلك المواقف تندرج في خدمة مصالح النظام الحاكم، وبالتالي فإن تلك الخطوات المتسارعة من قبل أنظمة عربية للتطبيع مع الاحتلال الاسرائيلي، وهذا السباق المحموم على كسب رضا الولايات المتحدة، عبر بوابة عرابها في المنطقة اسرائيل، يجب أن لا يكون مفاجئا للسياسيين، والمحليين، ويجب علينا توقع ارتماء المزيد من الأنظمة العربية والاسلامية في أحضان اسرائيل، وانتظارها للفرصة السانحة لكشف حجم علاقاتها السرية معها منذ سنوات، إذ أن الانظمة التي لا تستطيع تأمين سلطتها، لن تتورع عن التحالف مع الشيطان من أجل الحفاظ على مكتسباتها، والعديد من الأنظمة العربية ألسنتها وقلوب شعوبها معنا، بينما سيوفها مع الأعداء لذات السبب.
الفارق الوحيد في لعبة المصالح بين الدول المتقدمة والمتخلفة، وبين الأنظمة الديمقراطية، والشمولية، أن الأولى ترسم خارطة تحالفاتها لخدمة مواطنيها، ومصالحها القومية، ورفع مستوياتهم الحياتية، عبر الاتفاق والتحالف في قضايا الابتكار والتكنولوجيا والبيئة وعلوم الفضاء والطب، وغيرها من العلوم التي تساهم في تقدم البشرية، بينما الأخرى تزحف على بطونها، مستجدية علاقة مع اسرائيل، بهدف الحفاظ على بقائها في السلطة، والحفاظ على مكتسباتها، واستبدادها لشعوبها، عبر الاستفادة من تاريخ اسرائيل الحافل وقدراتها المميزة في مجال الصناعات الحربية، وأسلحة الدمار الشامل، وخبرتها العملية في مجال القمع، والإرهاب، وترويع الشعوب.

نحن ومراوحة التعويل:
للأسف الشديد، وفي ظل نجاح اسرائيل بسياسة التحويل، والاستقطاب، واختراق الأنظمة، فإننا لا زلنا فلسطينيا نراوح التعويل على المستقبل، وعلى أن يحمل الغيب لنا غدا أفضل من اليوم والبارحة، دون بناء خطة وطنية شاملة، وواضحة المعالم، تتغير أدواتها، وأساليبها، دون أن يتغير الهدف، فتارة نعول على إقناع الولايات المتحدة بحقنا بدولة مستقلة، ومن ثم نعول على فوز هيلاري كلينتون في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ومن ثم نعول أن يخرج ترامب من البيت الأبيض بفضيحة جديدة، ويأتي رئيسا أمريكيا أكثر اعتدالا تجاه القضية الفلسطينية، وربما نعول على أن يأتي جيرمي كوربن لرئاسة الوزراء في بريطانيا، عله يصلح الخطأ التاريخي تجاه شعبنا، ونعول أن يتم إدانة نتنياهو، وتحصل المعجزة، بوصول رئيس وزراء اسرائيلي يؤمن بحق شعبنا بالحرية والاستقلال، ونعول أن نحصل على دولة عبر الأمم المتحدة- على أهمية وضرورة استمرار العمل الدولي، وعبر الأمم المتحدة، وأهمية ما تم تحقيقه في هذا المجال، إلا أن ذلك عاملا مساعدا، وليس حاسما لأنهاء الاحتلال والتحرر الوطني- ونعول على أن تصاب الأنظمة العربية بعدوى المعتصم، وتعود لإعلان إسرائيل عدوا حتى امتثالها للمبادرة العربية، ونعول أن ننهي الانقسام بينما لا زلنا نراوح ذات الأساليب، والأليات، ونتوقع في كل مرة نتائج مغايرة، ونعول أن ننتصر على الاستيطان، بينما نسمع عن تسريب مبان على بعد أمتار من المسجد الأقصى.

هل بالإمكان أكثر مما كان!!
طالما ما زلنا صامدين على ارضنا، فهناك دائما مساحة من الأمل، ولدينا نحن الفلسطينيون الكثير من أدوات النجاح، أولها التداعي لوضع برنامج وطني نضالي مشترك، يقوم على قاعدة الاشتباك الحقيقي واليومي مع الاحتلال، ومغادرة صفوف النخبوية، والشوفينية، والعمل الموسمي، برنامج يشارك في وضعه وتطبيقه الكل الفلسطيني، في الوطن والشتات، وهو الأمر الذي يتطلب صمودا حقيقيا، ومواجهة طويلة، لعل أحد خطواتها الرمزية، تخلي كل من يحمل بطاقة "شخص هام للغاية VIP " التخلي الفوري عنها طوعا، ورفض كل أشكال التصنيف التي يضعها المحتل على أبناء شعبنا، والتي تقوم على مبدأ "كلما أثبت أنك فلسطيني طيب، وبلا سجل نضالي، كلما كانت حياتك أسهل"، وكلما رفضت الذل والخنوع، ورفعت صوتك عاليا، كلما ضيقنا عليك، علينا أن نعيد الاعتبار للطبقة الوسطى في المجتمع، وننتهج حوكمة تقوم على اقتصاديات الصمود المقاوم، ونعيد التفكير بأنماط التدين الشعبوية، علينا أن نبني قراراتنا على المعلومة والتحليل العميق، وأن نعيد الاعتبار للمؤسسة، وأن نعقلن أداؤنا، وقراراتنا، وسلوكنا الجمعي، وأن نعيد الاعتبار للجامعات كقلاع للمقاومة والوعي الوطني، وعلينا أن ندفن عار الإقسام للأبد، لكي لا يدفن هو أحلامنا، وحق أجيالنا القادمة بوطن موحد حر كريم، علينا أن نعيد العلاقة بالجماهير العربية، ونبني الثقة معهم من جديد، لكي يكونوا صوت الضمير الحي الكابح لجماح أنظمتهم بفتح أبوابها مجانا لإسرائيل، وعلينا أن نعي جيدا أن طريق الحرية مؤلم وطويل وصعب المنال، وبان العالم لن يقف معنا ما لم نقف مع أنفسنا، وما لم نملأه ضجيجا يزعج أحلام الواهمين، أن فلسطين هامشا في كتاب التاريخ، ونعيدها إلى مكانها الحقيقي، عنوان الكتاب، وكل سطوره، وما دونها هوامش لا قيمة لها دون النص الفلسطيني .

هذا وإما أن نعول على أن "ليقضي الله أمرا كان مفعولا"