الأحد: 02/06/2024 بتوقيت القدس الشريف

فرص من ادنى وفرص من أعلى لإنقاذ فلسطين

نشر بتاريخ: 05/03/2019 ( آخر تحديث: 05/03/2019 الساعة: 14:49 )

الكاتب: وليد سالم

عندما تكون في مستشفى لإجراء عملية جراحية لإزالة ورم في الدماغ يكون للأخبار وقع مختلف، وثقيل.
عندما تسمع أخبار فلسطين يوميا، تصل إلى الاستنتاج أن التوجه الميسياني الصهيوني (الديني- العلماني بالمناسبة) متحالفا تحالفا انتهازيا مع التوجه الميسياني الافنجليكاني الغربي، يبغي تحقيق هدف واحد لا غير، وهو أن هذه البلاد هي "ارض شعب إسرائيل لا غير" وأن الحقوق القومية منحصرة على هذا الشعب بالتحديد دون غيره كما جاء في قانون القومية الذي أقره الكنيست الاسرائيلي في تموز الفائت. أما الشعب الفلسطيني فليس له حقوق غير الحقوق الفردية مدنية ودينية. إذا أراد ممارستها بمطواعية وإنصياع فله ذلك، وإن لم يرد فعليه أن يرحل إلى الوطن العربي الكبير.
في إطار هذا الفهم، يصبح المقر الدبلوماسي لإسرائيل أمريكيا وتلغى القنصلية لفلسطين إبتداء من الأمس، وهكذا يصبح الفلسطينيون ملحقون بإسرائيل وبسفارة واشنطن فيها. وهذا الأمر الأخير ليس إلا مظهرا لحقيقة أن واحداً من كل ستة مستوطنين مستعمرين في الضفة هو صهيوني أمريكي الان كما أشارت دراسة للباحثة سارة هيرشهورن العام الفائت استهلكتها عدة سنوات من الإعداد. أمريكا تعمل أيضا على أنهاء السلطة وانهاء قضية اللاجئين والقدس، وتكرس الاستيطان الاستعماري، وبنفس المنهاج تعمل إسرائيل.
في هذا الإطار أيضا هنالك الانتخابات الاسرائيلية في التاسع من نيسان القادم، حيث يسود اليمين ببرامجه المعروفة للضم والتوسع، زد على ذلك أن السيد آفي غباي زعيم حزب العمل أتى لرئاسة الحزب بعد أن كان قطبا في حزب كولانو المنشق عن الليكود، والسادة بني غانتس وموشي يعلون قد خدموا سابقا مع نتنياهو، وأطروحاتهم مع شريكهم السيد يئير لبيد في قائمة "ازرق ابيض" لا تتحدث عن دولة فلسطينية وتبقي الكتل الاستيطانية الاستعمارية وتهويد القدس والجولان وترفض عودة اللاجئين وتحذر غزة من حرب ماحقة.
أما حزب العمل فلا يزيد حديثه عن انسحاب أحادي جزئي مع ابقاء الكتل الاستيطانية الاستعمارية وتهويد القدس ومنع عودة اللاجئين. أي أن أفق الحل السياسي ستبقى منغلقة خلال الأعوام القادمة، مما يتطلب تطوير برنامج المقاومة المدنية الفلسطينية بأوجهه الخمسة بحيث يكون العالم كله ساحته، وهذه الاوجه الخمسة تشمل المقاومة الدبلوماسية والقانونية كأوجه دولية، والمقاطعة الاقتصادية والكفاحات الميدانية الإبداعية وبناء وقائع تنموية على الأرض باتجاه إعادة تعزيز الاعتماد على الذات وتقليص الاعتماد على الدعم الأمريكي ، وإعادتها وتكرارها كما يجري في قرية العقبة والقرى الجديدة باب الشمس والكرامة اللتين يتطلب الأمر إعادة إنشائهما وغيرهما مرارا وتكرارا.
حسنت فعلت سلطتنا بأن رفضت استلام أموال المقاصة، كما أوقفت استلام ما تبقى من أموال أمريكية. هذا ليس موقفا غاضبا ناشئا عن الكرامة فحسب، بل يجب أن يكون مدخلا لبدء وتسطير صفحة جديدة من الكفاح الشعبي من أسفل، مترافقا مع الكفاح الدبلوماسي والقانوني من أعلى، وذلك بعد انسداد أفق الحل السياسي بالمفاوضات.
ولدينا اليوم فرص هامة لتصعيد الكفاح الشعبي وتحقيق انتصارات هامة له لعل يكون منهما اثنان: الأول الكفاح الذي نخوضه على الاقصى وباب الرحمة لمنع إنشاء كنيس يهودي فيه، وهذه معركة تحتاج إلى كل الجهد والرعاية والتضامن والتعاضد حتى تبني على النجاحات التي تحققت حتى الان بشكل مشترك أيضا مع جهود الأردن ومجلس الاوقاف الجديد.
أما الثاني فهو الكفاح الشعبي في غزة، بحيث يصبح مدخلا للتوافق على أهدافه ومآلاته وبرامجه بين م ت ف وبين حماس وبالتالي تثمير نجاحات له، بديلا عن إبقائه مدخلا للعب القوى الدولية بغزة في ضوء صفقة القرن بما لا يتعدى شعار" تحسين ظروف المعيشة" شائن الصيت الذي طرح في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.
وإذا ما احسنا قيادة هذه الأوجه من الكفاح الشعبي، فإنها ستصبح مداخل لإعادة معافاة الوضع العربي الذي بات يعظنا مثقفوه كالإماراتي عبد الخالق عبدالله بأن لا خلاص لنا سوى بالتوافق مع صفقة القرن، وكالمياردير الإماراتي الآخر أحمد الحبتور الذي وعظنا بوجود ديمقراطية في إسرائيل متناسيا جوهر الديمقراطية القائم على ضرورة اعترافها بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وإنفاذها له باتجاه كسب هذا الشعب لحريته. أما ادعاؤه الآخر بديمقراطية إسرائيل داخليا، فسيكون لنا بشأنه رد آخر حيث أن إسرائيل ليست ديمقراطية الا بالوهم ، فيما هي تتراوح بين ديمقراطية إثنية، اثنوقراطية، وديمقراطية الأسياد والأبارتهايد ليس إلا.