الخميس: 02/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

مقاتلو فتح في قلعة شقيف أذاقوا الاسرائيليين ما لم يذوقوه في تاريخهم

نشر بتاريخ: 06/06/2019 ( آخر تحديث: 07/06/2019 الساعة: 11:43 )

الكاتب: حسن فقيه

قلعة شقيف التي أذل فيها الفتحاويون شارونو بيغن ورئيس الاركان ايتان ومرّغوا أنف تشكيلاتهم العسكرية بالتراب ، هي القلعة الباقية في وجدان شعبنا وتاريخه وتراث ثورته المجيدة ، هذا التراث المقاوم الذي لم ينقطع عن هذه المنطقة من بلادنا بحكاياته ورواياته المثيرة التي نتعطش لتفاصيلها .
ومع كل عيد وكل رمضان وفي كل مساحةٍ من الزمن نسترجع دوماً من فقدنا محبين وشهداء واسرى وطن، فيهلُ بدر ثورتنا الخالد ياسر عرفات الذي لم يغب رغم المؤامرة ونستذكر أن فلسطين كانت تسمى هكذا وستبقى هكذا .
مع بدء الاجتياج الاسرائيلي البري للبنان يوم السادس من حزيران 1982 أعدَّ الجيش الاسرائيلي عُدته ورص صفوفه وحشد قواته لمداهمة عرين فتح وثغرها الصلب - قلعة شقيف اللبنانية - وبعد ما شبع جنده بالزيف والتبختر وضلَّ وضُلِل .
ليحدث ما يحدث ويلقى ما يلقى أن مقاتلي فتح لم يكونوا كبقية الرجال المدافعين عن مواقعهم، والموقع بحد ذاته غير عادي ، فقد حاول الجيش الإسرائيلي احتلال هذا الموقع اكثر من مرة قبل الإجتياح وفقدوا العديد من جنودهم وضباطهم خلالها .
تدرب الجنود الإسرائيليين قبل الإجتياح على القتال ،(وبمختلف الأساليب وفي كافة الظروف، خاصة القتال الليلي) ضد مواقع شبيهة به لمدة طويلة، فهو من الناحية العسكرية"وفي ظل التفوق الإسرائيلي العسكري المطلق في الميادين كافة (ما عدا ارادة القتال) ، وبالمقابل عدم توفر الإمكانات اللازمة للصمود والدفاع عنه مع ثوار فتح ، سوى الأسلحة الخفيفة التي بحوزتهم، والهاونات والقنابل اليدوية ومضادات الدروع المحمولة على الكتف، واسناد مدفعي في ظل عدم توفر الحماية الجوية، مما يضطر المدفعية بالعمل عندما لا يكون في سمائها طيران معاد، لكن تحصينات القلعة من الداخل، بالإضافة للأنفاق التي حفرها المقاتلون بانفسهم وبالتعاون مع وحدات الهندسة(بأشراف الشهيد علي ابو طوق) والتحصينات قبل الحرب، وحقول الألغام التي زرعت حولها" فكانت تعطي المقاتلين امكانية القتال وتعزز الصمود وترفع المعنويات مع كل رتل عسكري يلقى الدمار والموت .
في الحالة الإسرائيلية تبدأ فاتحة الحرب بالعزل والتطويق والقصف التدميري للمواقع، لذلك كان لابد من الإكتفاء الذاتي بكل ما يلزم للحرب، ولكن المشكلة الحقيقية عند وقوع الإصابات، حيث لا إمكانية للإخلاء، ومن الصعوبة بمكان إمدادهم بالتعزيزات بسبب سيطرة سلاح الجو الإسرائيلي على الطرق، لذلك يعتبر هدفا ضعيفا ويسهل السيطرة عليه بحسب النظرية العسكرية، لكن الشهيد يعقوب سمور ابن قبلان (راسم) وإخوانه الأبطال الذين استشهدوا معه، برهنوا للعالم أجمع أن إرادة الثوار أقوى من جبروت الإحتلال وبصوت الواثق المرابط يعلن الأبطال عند عصر 6 حزيران عبر جهاز اللاسلكي" بعد أن استمر القصف الوحشي البري والجوي علينا منذ 4 حزيران، تقوم الدبابات الإسرائيلية بالهجوم على مواقعنا ومن المحاور كافة، اقصفوا كل الطرق المؤدية للقلعة" ولبت مدفعية القوات المشتركة الطلب، وأوقعت الإصابات في صفوف القوات المهاجمة وأعاقت تقدمهم وكسرت حدة الهجوم، ودارت معارك عنيفة على محور أرنون القريبة من القلعة، حيث سقط قائد الهجوم عليها"موشيك كبلينسكي" من لواء جولاني فاستبدلوه ب"جوني هرنيك" الذي قتل أيضا ولم يبق من كتيبته سوى 17 جندي وفقا التقرير الذي نشرته صحيفة الدافار يوم الثالث عشر من حزيران 1982.
ارتفعت المعنويات وتعزز الصمود وقاتل الرجال، وأوقعوا خسائر جسيمة في صفوفهم، لذلك تدنت معنويات المهاجمين وتأخروا في احتلال القلعة بسبب استبسال المقاومين، فكثفوا القصف الجوي، ودفعوا المزيد من القوات والتعزيزات يومي 7، 8 حزيران
تلاحقت الهجمات وتناوبت القيادات، واستدعيت الوحدات المظلية التي أعدت للمهام الصعبة .
وكانت آخر برقية لاسلكية تم تسلمها من أبطال القلعة تقول:" إقترب المهاجمون...قررنا الصمود....النصر أو الشهادة".

ووفق الرواية الإسرئيلية الحديثة التي بثتها القناة العاشرة من خلال فلم وثائقي لمدة ساعة اطلقت عليه اسم الجرح ااخضر المفتوح والتي قام بترجمته الدكتور ناصر اللحام على قناة معا فقد شارك في الهجوم على القلعة ، قوة تقدر بـ 1200 جندي تقريباً، مكونة من قوات من لواء غولاني ووحدات من الهندسة والدروع وكتيبة المظليين التي شنت الموجة الأولى للهجوم وتعرضت لنيران كثيفه قبل وصولها الى القلعة ما أدى إلى إصابة قائدها موشيه كابلينسكي بجراح خطيره وتكبيد الكتيبة خسائر كبيره ، تسببت في وقف الهجوم لحين انتظار الدفع بقوات من لواء غولاني إلى أرض المعركة. هذا الحظ العاثر لم يصب وحدة الاستطلاع فحسب , اذا ان قائد القوات العاملة في المنطقة , وفي لحظة معينة تلقي نبأ جاء فيه أن قائد الكتيبة شرقي النبطية قد أصيب بجراح خطيرة, وأن جندي اللاسلكي المرافق له قد قتل . وقبل ذلك بدقائق اعلن قائد الكتيبة أن اثنين من قادة سراياه قد اصيبا بجراح . وبينما كان يفكر فيمن يعينه بدلا من قائد الكتيبة تلقى نبأ جاء فيه أن قائد وحدة الاستطلاع كابلينسكي قد اصيب بعيار ناري في صدره وتولى القيادة بدلا منه موطي جولد مان .وفق ما أورده زئيف تشيف . انقسمت قوة غولاني إلى قسمين: الأول التف حول القلعة لتطهير المواقع القريبة منها في أرنون وكفر تبنيت، واشتبكت مع مواقع للقوات المشتركة، ووقع جزء منها في حقل للألغام؛ اما القسم الثاني فقد اندفع صعوداً عبر طريق أرنون إلى القلعة، لتواجه حيث واجهت القوة الإسرائيلية بمقاومة عنيفة وقصف منسق، أدى إلى تدمير عدد من العربات بينها عربة قائد الهجوم الجديد الرائد جوني هارنيك ومقتل سائقه وأحد مساعديه. أمر هارنيك جنوده بالترجل وترك العربات المدرعة والتوجه سيراً على الأقدام، لكن ما أن تقدموا قليلا حتى فُتحت عليهم أبواب جهنم، فقتل هارنيك وعدد كبير من جنوده. ويقول الجندي الطبيب المرافق للقوة المهاجمة بصوت غاضب لم يبق أحد. تم إرسال قوة جديده بقيادة المقدم دوف، واستغرق الهجوم على القلعة 60 ساعة كان القتال فيها من خندق لخندق، وفي داخل الخندق الواحد، ووصل في آخر مراحله حد استخدام السلاح الأبيض وحتى التشابك بالأيدي ويسهب الجنود الإسرائيليون في الحديث عن 12 ساعة اخرى بعد الخمسين الأولى، قاتل فيها فدائيين حتى استشهادهما صبيحة يوم الاثنين 7 حزيران / يونيو 1982، بعد أن قتلا 7 جنود وأصابا 17 جندياً بجروح. يصف موطي القتال بقوله المعركة لم تكن متكافئة الا ان احدا لم يحاول الاستسلام " لقد قاتلنا لنأخذ منهم العلم " سرية الهندسة بقيادة تسفيكا كانت مهمتها احتلال الموقع الجنوبي اما هو فقد اندفع مع مجموعه مكونه من 21 جنديا باتجاه الموقع الشمالي . بعد أن قطع مسافة 150 مترا على الطريق المتعرج الصاعد باتجاه القلعة , كان كل ما يشاهده وميض اطلاق النار الصادر عن ثلثة أو اربع مواقع . نظر خلفه ليرى جنوده , ذهل اذ لم يبق من مجموعته سوى عشرة جنود . تلقى أمرا بالاستمرار في الهجوم مع وعد بارسال تعزيزات سريعة وراءة , تردد بالهجوم اذ ان رشاشا ثقيلا كان يطلق النار من احد المواقع المقابلة وتمكن من قتل اثنان اخران هما يوسي ويارون واصابة أربعة اخرين بجراح . لم يصل الى القناة الرئسية سوى موطي واثنان من جنوده هما افيكام ورازي وتبعهما عامي . اطلقت صليه طويله , جرح افيكام ورازي , حاول جر رازي الى الخلف لكنه سمع صوت قنبلة يدوية تتدحرج , قتل رازي . والرواية الإسرائيلة تحدثت عن وجود 27 مقاتلاً كانوا في القلعة استشهدوا جميعهم. وتصفهم بالمقاتلين البارعين الذين لم يبد احدا منهم رغبة بالاستسلام وكانت المعركة بالنسبة لهم مسألة كرامه . في حين يسهب اشكنازي في الحديث عن كيف حاربوا طوال الليل و" قضينا ساعات طويله ونحن لا نعرف من اين يطلقون النيران , كانت النار تأتي من كل مكان " ظهر يوم الإثنين في 7 حزيران / يونيو 1982 هبطت في القلعة طائرة مروحية تقل رئيس الأركان رفائيل ايتان، وتبعه وزير الدفاع اريك شارون ومعه جيش من المصوريين , الذي صدم بما حدث، لم يكونا على علم بالقتلى الاسرائيلين الذين سقطوا في المعركة , وسارع شارون الى الاعلان أن المعركة لم تسفر عن وقوع اصابات في الجانب الاسرائيلي , فرد عليه ضابط برتبة ملازم ثاني : " ماذا جرى لكم هنا حيث تقف قتل سته من رفاقي " . فوجيء شارون وقبل أن يستوعب تفاصيل المعركة وصل مناحيم بيغن رئيس الوزراء، واشار إلى أن بيغن ايضا لم يكن يعرف حقيقة ما يجري ، وأنه خاطب شارون قائلا، "إن هواء التلال منعش... هل كانت هنا معركه؟"، فرد شارون وهو بحالة صدمة: "جنودنا أعمارهم صغيرة... لقد حاربوا هنا"، وأخفى عنه عدد القتلى. سأل بيغن أحد الجنود أمام عدسات التلفاز: "هل كان لديهم بنادق؟"، فأجاب الجندي "الكثير من البنادق." ثم سأله "هل استسلم أحد؟"، فرد الجندي بغضب وهو يكاد يبكي: "لم يستسلم أحد منهم" وكررها "لم يستسلم أحد". نظر بيغن إلى الأرض فوجد الرصاص يغطيها، ثم نظر إلى شارون إن بيغن فهم ما يجري. قال له شارون: "لماذا جئت الى هنا... القتال ما زال قريبا". غادر بيغن وعلى وجهه علامات الخيبه. ولم يعد منذ ذلك الوقت الى لبنان سواء خلال الحرب او بعدها , واكتفى بتلقي التقارير من بعيد . يقول أحد الجنود إنه بعد مغادرة بيغن وشارون بدقائق أطلق أحد الفدائيين الجرحى من بين الأنقاض بضع رصاصات قبل أن يلفظ أنفاسه، ويعقب قائلا "تخيلوا لو حدث ذلك قبل دقائق"
الرواية الإسرائيلية لا تذكر بوضوح حجم الخسائر : تذكر أن كابلينسكي أصيب بجروح وكذلك قائد كتيبة اخر واثنان من قادة سراياه،وأن هارنيك قتل ، وتشير إلى أسماء عدد من القتلى مثل اكيفا، يارون ، يوسي ، رازي ، جودمان ، أكيشافيز وتجري مقابلات مع عائلاتهم هنا وأخر هناك ، يتم الاشارة إلى خسائر في هذا الموقع او تلك الموجة من الهجوم ، لكن من دون اجمال لحجم اي خسائر تذكر .
كذلك تجاهلت الرواية العبرية اسقاط طائرة (سكاي هوك) وأسر طيارها أهارون اببخعغزي على بعد مئات الأمتار من القلعة ، واسقاط مروحية تحمل عدداً من ضباط الأركان تفحمت جثثهم مع حطام الطائرة التي سقطت أسفل نادي الشقيف بالقرب من النبطية . بالرغم من اشارة زئيف تشيف إلى أن قائد الجبهة الشمالية امر بعدم تحليق أي طائرة مروحية في تلك المنطقة بعد اسقاط تلك الطائرة الا بأمر شخصي
روايات حية من الجنود الاسرائليين نشرتها صحيفة الدافار الاسرائيلية يوم الثالث عشر من حزيران 1982 وعن القتال البطولي الذي دار في القلعة يرويه العديد من ضباط الإحتلال قائلين فقد تحدث الجنرال"شاؤول نكديموت، أحد المشاركين في الهجوم على النبطية والقلعة قائلا:"قلعة شقيف .......... مثلا (13) طائرة قامت بقصف مكثف لهذه القلعة، وكنا نعتقد بأن أطنان القنابل التي ألقيت عليها لم تدمرها فقط، وإنما مسحتها عن وجه الأرض، مسحتها تماما ولن نجد أثرا لفلسطيني واحد، إتضح لنا أنها ما تزال على حالها، وأن أحدا من المقاتلين الفلسطينيين فيها لم يصب بأذى نتيجة لكل ذلك القصف الجوي الطويل، والحقيقة يجب أن أقول هنا بأن المعارك الطاحنة التي دارت حول قلعة الشقيف وفي داخلها والخسائر الكبيرة التي تكبدتها قواتنا في هذه المعارك كانت بمثابة علامات الشؤم بالنسبة لنا يقول (ليرون نحماد) وهو من الجنود الذين خدموا في قلعة الشقيف..... هذا مكان ملعون بالمطلق... لأن الفدائيين يجيدون الاصابة... وهو ملعون لأنك قد تفقد رفاقك في كل لحظة.... وهو مكان ملعون بسببنا لاننا اتينا الى هذا المكان!!! وقائد المنطقة قال لنا امامكم هدفان احدهما قتل مقاتلين فتح والاخر البقاء على قيد الحياة لكن عندما تسمع صوت انطلاق قذيفة الهاون عليك انتظار سبع عشرة ثانية حتى تسقط وتشعر بالخوف الكبير وتدرك انك قد تموت’. فيما قال جندي آخر’ تتساقط عليك قذائف الهاون وتبدأ برؤية خطوط النار تتطاير من فوقك وتعلم ان كل اصابة قد تطيح بجزء من جسدك وترى اشخاص يتفجرون ويصرخون في المقابل لا نطلق طلقة واحدة’. أما الامر الذي زاد من رعب جنود العدو وحيرتهم، هو انهم كانوا يواجهون عدوا غير مرئي، ويمتلك زمام المبادرة وتحولت مهمتهم الى مهمة حماية انفسهم فيما يروي بعض الجنود لحظات الجحيم اثناء تعرضهم للقصف...... وقال عيدان كوريت الذي خدم قلعة شيقف’ الامر المخيف حقا هو أن العدو الذي لم نراه...... فلم نر مقاتلين فتح ولم نعرف كيف يتنقلون وكيف يهاجمون !!!’ وقال آخر’ بدأت بالركض نحو النقطة وكان ذلك الركض الاصعب في حياتي حيث شعرت انني احمل خمسة اطنان وان قدماي تحولتا إلى ما يشبه مادة الباطون ولم اتمكن من التحرك.... واضاف آخر النقطة كانت محترقة ومتفحمة ويتصاعد منها الدخان ورائحة الجلد المحترق والكثير من الغبار حيث لا ترى شيئا وتصعد السلم وتعلو ثم تسقط ثم تعلو وتسقط وتستمر بالركض لترى الجنود مصابين وممددين في الخنادق.’ هذه الحرب كالمصيدة وقد وقعنا فيها كفئران صغيرة!!!!!
في قلعة الشقيف فقد الفلسطينيون 33 مقاتلاً لكننا فقدنا خمسة أضعاف هذا العدد. معركة الشقيف أذهلت بيغن وشارون ورئيس الأركان ايتان فقدنا في معارك الشقيف خيرة ضباطنا وجنودنا.
يا له من ثمن باهظ
وربما أن معركة قلعة الشقيف من المعارك القليلة في التاريخ القديم والحديث التي استطاعت فيها قوة تعادل سرية من فدائي فتح أن ترد هجوماً يشنه لواء من جيش نظامي جيد التسلح والتدريب، ومدعوم بالمظليين والمدفعية والقوات الجوية. وقد تم تقدير نسبة القوى المدافعية للقوى المهاجمة في هذه المعركة 1/15