الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

الأغوار العمق الإستراتيجي للدولة الفلسطينية

نشر بتاريخ: 19/09/2019 ( آخر تحديث: 19/09/2019 الساعة: 14:33 )

الكاتب: سامر سلامه

منذ إحتلالها للضفة الغربية في العام 1967 ، تعمل إسرائيل ليلا ونهارا على فرض سيطرتها على منطقة الأغوار والبحر الميت. هذه المنطقة التي تشكل 28% من مساحة الضفة الغربية تمثل العمق الإستراتيجي السياسي والإقتصادي للدولة الفلسطينية القادمة. فإن ضمها أو إلحاقها بدولة الإحتلال سيقضي على أي أمل بإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وينتزع منها أيضا أهم موارها الإقتصادية التي تعزز بقائها ونموها وتطورها الطبيعي مثل باقي الدول في العالم.
إن تصريحات رئيس وزراء دولة الإحتلال نتنياهو حول نيته ضم تلك المناطق لم يأتي في إطار الدعاية الإنتخابية وإنما جاء ضمن عملية ممنهجة وخطط مدروسة قامت بها جميع الحكومات المتعاقبة في إسرائيل. ويأتي إهتمام دولة الإحتلال بهذه المنطقة ليس لأسباب أمنية كما هي ديباجة الإحتلال دائما وإنما لأسباب إقتصادية وسياسية. فخلال الدعاية الإنتخابية الأخيرة ركز نتنياهو على موضوع الأغوار لما تشكله هذه المنطقة من مصلحة إستراتيجية إقتصادية وسياسية لدولة الإحتلال. فنوايا نتنياهو مبيته ولم تأتي لإستمالة الناخب الإسرائيلي الذي يميل للتطرف والتنكر للحقوق الفلسطينية. وما رد الرئيس الفلسطيني محمود عباس القوي والصريح والمباشر بإلغاء جميع الإتفاقيات مع إسرائيل إذا أقدمت الأخيرة على تنفيذ ما يتم الإعلان عنه بضم الأغوار إدراكا منه أن نوايا نتنياهو جادة هذه المرة ولا تندرج ضمن الدعاية أو المزاودة الإنتخابية الإسرائيلية. فالمعركة القامة هي معركة الأغوار وقد تكون المعركة الحاسمة والأخيرة قبل دفن ما يسمى بالمسيرة السلمية. فالسؤال المطروح لماذا الأغوار والبحر الميت؟
فمن الناحية الإقتصادية، تعتبر منطقة الأغوار والبحر الميت المنطقة الأكبر للتطوير والنمو في الضفة الغربية إذ تمثل ما يقارب 28% من مساحة الدولة الفلسطينية. هذه المنطقة تحتوي على مخزون الضفة الغربية الأكبر من الموارد الطبيعية وخاصة الثروة المعدنية التي تقدر حصة فلسطين منها بحسب تقرير البنك الدولي بمليار دولار سنويا أي 7% من إجمالي الناتج المحلي. أضف إلى ذلك تعتبر الأغوار سلة خضار وفواكه فلسطين وسياج الأمن الغذائي للفلسطينيين لما تحتويه المنطقة من مصادر مياه وأراضي خصبة قابلة للزراعة. وإن المنطقة تصنف على أنها منطقة عذراء بالنسبة للفلسطينيين إذ أنها لم تستغل بالشكل المطلوب نتيجة لإستمرار الإحتلال من سلب مقدراتها. فبحسب منظمة بتسيلم الإسرائيلية فإن دولة الإحتلال تسيطر الآن على ما يقارب 77% من مساحة ومقدرات المنطقة الأمر الذي يحرم الإقتصاد الفلسطيني من أهم موارده. وإذا أضفنا أيضا الفرص الإستثمارية السياحية في منطقة البحر الميت فإن ذلك سيضاغف من حصة الإقتصاد الفلسطيني من موارد المنطقة وسيعزز النمو الإقتصادي الدائم والمستمر الأمر الذي سيزيد من فرص العمل للفلسطينيين.
ومن الناحية الديمغرافي ، فإن المنطقة لا تزال فارغة نسبيا إذ يقطن بها ما يقارب 120 ألف فلسطيني موزعين على 29 تجمع سكاني إضافة إلى عشرات التجمعات البدوية المنتشرة في المنطقة. ومنذ العام 1967 تحاول دولة الإحتلال من تشجيع الإستيطان في تلك المنطقة إلا أنها فشلت في ذلك إذ يقدر عدد المستوطنين الساكنين في مستوطنات الأغوار لا تتجاور الخمسة عشر ألف مستوطن بالرغم من جميع الإغراءات المادية التي تقدمها دولة الإحتلال للمستوطنين للعيش في منطقة الأغوار. لذلك نرى أن حكومة الإحتلال كثفت من سيطرتها على الأرض من خلال القواعد العسكرية أو المنشآت الزراعية والصناعية التي تعتمد بشكل كامل على اليد العاملة الفلسطينية.
أما من الناحية السياسية فإن المنطقة تمثل الحدود الدولية المفتوحة الوحيدة للضفة الغربية مع الأردن والعالم كما هي رفح في قطاع غزه. فإن إغلاق هذا المنفذ الدولي أو إبقاء السيطرة عليه من قبل دولة الإحتلال سيقوض ويضعف الدولة الفلسطينية ويجردها من إستقلالها الفعلي ويجعل منها دولة فاقدة السيادة الكاملة ويبقيها تحت رحمة الإحتلال ومزاجه العام أو مزاج السلطة الحاكمة فيه. كما أن منطقة الأغوار تمثل نقطة التواصل الجغرافي الطبيعية بين المناطق الفلسطينية المختلفة. فعزل تلك المناطق سيفقد الدولة الفلسطينية تواصلها الجغرافي ويبقي عليها كمعازل جغرافية غير متواصلة لا يمكن أن تشكل دولة طبيعية ذات حدود دولية معترف بها.
فأمام هذا الواقع لا بد من تسريع تنفيذ خطة الحكومة المتعلقة بالتنمية العنقودية في الأغوار والإعلان عنها عنقود زراعي وسياحي وصناعي وتشجيع الشباب على العيش والعمل في تلك المنطقة من خلال تقديم منح مالية أو أراضي مجانية للراغبين في العيش ولإستثمار في المنطقة وخاصة أن معظم الأراضي في تلك المنطقة إما أراضي وقفية أو حكومية. هذا ولا بد من دعم وتطوير المنطقة الصناعية في أريحا وزيادة الإستثمار في الصناعات الزراعية والتحويلية التي تعتمد على الموارد الطبيعية في المنطقة. وعلى الصعيد الدبلوماسي والدولي فإنه من الضروري اللجوء إلى محكمة الجنايات الدولية لإسترجاع الحقوق المسلوبة والتواصل مع جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ودول عدم الإنحياز ومجموعة ال 77 والصين وغيرها من المنظمات الدولية الحقوقية للضغط على إسرائيل لوقف ممارساتها في منطقة الأغوار. كما أننا بحاجة إلى تفعيل الدبلوماسية الهادئة مع الإتحاد الأوروبي لزيادة تدخله لحماية حل الدولتين والإعتراف بالدولة الفلسطينية لقطع الطريق على إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة من إنهاء حل الدولتين. وإذا فشلت كل هذه المحاولات لا بد من تغيير قواعد العمل واللجوء للنضال من أجل الدولة الواحدة لشعبين وثلاث ديانات على غرار ما حدث في جنوب أفريقيا.