السبت: 20/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

الإنتخاباتُ هي استقواءُ بالشّعبِ على الإنقسامِ

نشر بتاريخ: 02/10/2019 ( آخر تحديث: 02/10/2019 الساعة: 14:18 )

الكاتب: خليل نزال

جيلٌ فلسطينيٌّ جديدٌ نشأ وتربّى في ظلِّ ثقافةِ الإنقسامِ النّاتجِ عن انقلابِ حماس على الشرعيّةِ وسيطرتِها على غزّة، وهو جيلٌ فقدتْ فلسطينُ طاقاتِهِ كلَّها وتمّ تبديدُ أحلامِهِ وتطلّعاتِهِ نحوَ مستقبَلٍ يليقُ بهِ ويخدِمُ وطنَهُ. لقد ترسّختْ في اللغةِ اليوميّةِ مصطلحاتٌ لا يعي مستخدِمُوها خطورَتَها، مثلَ "شَعبِ غزّة" و "حكومةِ رام الله"، كما تمَّ حَصْرُ الإهتمامِ بهمِّ الرّاتبِ وما يتعرّضُ لهُ من عواملِ القَضْمِ، ناهيكَ عن انتظارِ "المنحةِ" القادمةِ عبرَ مطارِ اللّدِ لتُطيلَ عُمْرَ الإنقسامِ وتُسْكِتَ جيلَ الحالمينَ بالعودةِ، الذينَ تنتهي مسيراتُهم لتحقيقِ حُلمِهم بهجرةٍ جديدةٍ ترمي بهم في فمِ المجهولِ بعيداً عن الوطَنِ، هذا إنْ لمْ تكلّفْهم حياتَهم.

لمْ يعُدْ هناكَ من يُنصِتُ إلى ثرثرةِ المتحدّثينَ عن جولاتٍ جديدةٍ من "الحوار" وآليّاتٍ سحريّةٍ لتنفيذِ ما عجزَ المتحاورونَ عن تنفيذِهِ طوال ما يزيدُ على عقدٍ من الزّمن، ولا أحدَ يثِقُ بنتيجةِ زياراتِ "الوفودِ الأمنيّةِ" والمبعوثين المختصّينَ بإدارةِ الأزماتِ لا بحَلّها، و هُم الذينَ يتمُّ استحداثُ مناصبَ دائمةٍ لهم بحجّةِ متابعةَ الشّأنِ الفلسطينيّ ولا يعملونَ سوى على إطالةِ أمدِ الإنقسام. أمامَ هذا كلّهِ -أو بسببِ هذا كلّهِ- لا ينتظرُ أعداءُ شعبِنا لحظةَ إنهاءِ الإنقسامِ بل يجعلونَها أبعدَ منْ أنْ يُلِمَّ بموعدِها السَّحَرةُ والمُشعوذونَ، فهذهِ فرصتُهم التي نقدّمُها لهم بأيدينا لكي يشدّدوا حصارَهُم علينا ويرفعوا من وتيرةِ استيطانِهم، وإنْ لم ننتبِهْ فسنصحو ذاتَ يومٍ لنجدَ انفسَنا في حالةٍ تستعصي على الحلِّ الذي ننشُدُه.

في هذا السّياقِ علينا فهمُ قرارِ السيّدِ الرئيس أبو مازن بإجراءِ الإنتخاباتِ، فلم يعُدْ أمامَهُ أحدٌ سوى شعبِهِ ليطلُبَ منهُ العَونَ والمَددَ في مواجهةِ هذهِ الحالةِ المستعصيةِ على الفَهمِ، وهي حالةٌ يمكنُ مقارنتُها بحالةِ قلعةٍ محاصَرةٍ بالأعداءِ والطّاعونِ بينما يختلفُ أهلُها ويتقاتلونَ على جِلْدِ ماعزٍ أو ما هو أقلُّ منهُ شأناً وفائدةً. ولا بدّ من القولِ أن الإنتخاباتِ ليست حلّاً سحريّاً لكلِ مشاكِلنا، لكنّها بالتأكيدِ أفضلُ الحلولِ وأقصَرُ الطّرُقِ نحو ترتيبِ البيتِ الفلسطينيِّ. وهي ليست اختراعاً فلسطينيّاً، لكنّها نتاجُ تجربةِ المجتمعاتِ الأخرى وإرثُ حضارَتِنا وثقافَتِنا التي لخّصَت حالَ المؤمنينَ بأنّ "أمرَهُم شورى بينَهُم". وهنا يجبُ أن نقرَّ بأنّ الشّعبَ الفلسطينيَّ يضيفُ إلى العمليةِ الديمقراطيّةِ بُعداً جديداً لم يسبقْهُ إليهِ أحدٌ، وهو تنظيمُ الإنتخاباتِ في ظلِّ، أو رغمَ أنفِ الإحتلالِ، ولهذا أسبابُهُ ومبرّراتُهُ المعروفةُ، ليسَ أقلَّها تشابكُ مرحلةِ التّحرّرِ مع مرحلةِ بناءِ مؤسّساتِ الدّولةِ القادمة.

الإنتخاباتُ هي وسيلةُ تجديدِ الشّرعيةِ بمشاركةِ الشّعبِ، ولا يمكنُ أنْ نبرّرَ عدمَ إجرائها بعدمِ الإستعدادِ لها، إذْ كيفَ يُمكِنُ لأحدٍ أنْ يدّعي أنَّ هذا ليسَ هو وقتُها بعدَ اكثرِ من ١٣ عاماً على آخرِ انتخاباتٍ شاركَ فيها شعبُنا باختيارِ ممثّليهِ الذين يتمترَسُ بعضُهم حتى الآنَ خلفَ شرعيّةِ تلكَ الانتخاباتِ ظانّاً أنّها جرتْ لمرّةٍ واحدةٍ ولا مجالَ لإجرائها ثانيةً. كما أنَّ تنظيمَها في هذا الوقتِ ليسَ انحيازاً لتنظيمٍ أو حزبٍ أو تيّارٍ على حسابِ غيرِهِ، وأكادُ أنْ أجزمَ أنَّ حركةَ فتح التي يرأسُها الأخ أبو مازن هي أقلُّ التنظيماتِ استعداداً لتلكَ الانتخاباتِ وأكثرُها حظّاً -إن لم تتدارَك نفسَها- لتكونَ أوّلَ الفائزينَ بالهزيمة، على الأقلِّ أمامَ نفسِها، ولها في ذلكَ تجربةٌ لا تُنسى!

الإنتخاباتُ حَجرٌ يلقيه الرئيسُ في المياهِ الرّاكدةِ والآسنةِ، وهي معركةٌ يجبُ أنْ نعدَّ لها جيّداً لأنّها ستكونُ فرصةً لإعادةِ طرْحِ موضوعِ السّيادةِ على القُدْسِ الشّرقيّةِ، وفي هذا قَصْمٌ لظَهْرِ صَفًقةِ القرنِ لا يقلُّ شأناً عنْ وأدِ الإنقسامِ وطيِّ صفحتِهِ السّوداءِ إلى الأبَد