الأحد: 19/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

الإنفكاك عن الإحتلال وحكومة اشتية

نشر بتاريخ: 03/11/2019 ( آخر تحديث: 03/11/2019 الساعة: 16:08 )

الكاتب: ياسر المصري

مر ما يزيد على سبعة شهور على تشكيل حكومة د. محمد اشتية، ولعل الظروف غير العادية والطبيعية التي جاءت عليها هذه الحكومة تدعو الانظار لكي تكون معلقة على كل فعل وسلوك وخطاب ووعد تقدمه هذه الحكومة، وإن هذه الظروف منبثقة ومتولدة من جوانب متعددة منها الداخلي الداخلي سواءا المتعلق بالواقع المعيشي والخدماتي أو السياسي(الإنقسام)، وجانب اخر في الداخلي الداخلي فيما يتعلق بالحالة التي يعيشها المواطن الفلسطيني في القطاع من توغل للاحتياجات امام نقص للإمكانيات بفعل الإنقسام ورعاية دولة الإحتلال لهذا الإنقسام، وكذلك الجانب الخارجي العربي والذي يفيض بميل وقرار عربي واضح لدى البعض بتمرير التطبيع وترك الفلسطيني وحده مواجها للإحتلال والإمريكان فيما يتعلق بتعاطي الإدارة الأمريكية من حيث اعادة التكييف والتعريف للصراع العربي الإسرائيلي على أسس تحقيق كامل الإحتياجات الدينية المزعومة من قبل المستوطنين والأمنية لكيان الإحتلال بما يضمن وجود دولة الإحتلال كدولة إقليمية ذات نفوذ يُشرعه ويَقبله العرب، والجانب الخارجي الإقليمي بإتجاه الإقليم للتعاطي مع محورين لا ثالث لهم والذي كان فيه الإول والذي يصطف تحت شعار مواجهة النفوذ الشيعي (الإيراني) بالمنطقة لتكون دولة الإحتلال جزء مهما في هذا المحور ومعها بعض العرب كدول وحلفاء، ومحور آخر تقوده ايران ويضم سوريا المنتصرة على قرار تغير نظامها وتقسيمها ووضعها رهينة مجزأة لنفوذ محاور القوى في الإقليم.
كل هذه الجوانب تميل نحو تعزيز سلبيتها وطبيعتها بما يأتي عليها وبما تواجهه الحكومة من حصار مالي وهذه الضغوطات التي تقوم على أساس تشريع الإحتلال كبديل عن تنفيذ التسوية التي كانت تقوم على حل وفق منظور ومحددات حل الدولتين، حيث قام الإحتلال بتفريغ هذا الحل من مضمونه وتجاوزه منذ سنوات، وطوال العشر سنوات السابقة فإن دولة الإحتلال كانت تبحث عن تشريع يتوافق مع تنفيذها لبديل التسوية والذي عرفته وتطبق بنوده( الفصل الإستعماري بالإستيطان بين محافظات الضفة الفلسطينية، ثلاثة قوانين اسرائيلية متعلقة بتنفيذ القوانين الإسرائيلية بالضفة، توسيع صاحيات الإدارة المدنية العسكرية والتي تعبر عن سلطة الإحتلال وقد ورد بخصوص هذه الإدارة نص في اتفاقية اوسلو- البند السادس الفقرة أ ينص على نقل صلاحيات هذه الإدارة للسطلة وحلها وإنهاء عملها على الأدراضي المحتلة العام 1967-) وفق ما يعرفه المستعمرون المستوطنون والأحزاب الدينية اليهودية بالضم، وإن إصطلاح الضم فيما كان يواجهه من تعريف رغم تطبيقه وتنفيذ كل ما يحتاجه من أعمدة واقعية مازال عالقا في اطلاقه وتشريعه في الإخراج الذي يسعى له المتطرفون اليمينيين ما بين أن يكون كلي أو جزئي لأراضي الضفة الفلسطينية بعد إخراج غزة من واقعية الوحدة الجغرافية والسياسية من الحالة الفلسطينية، وما جاء تابع لهذا الإخراج من اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لدولة الإحتلال ونقله لسفارة بلاده إليها، ليكون الشكل في الصراع مع دولة الإحتلال يرتكز على مواجهة مشروع الضم ومواجهة محاولات دولة الإحتلال لتغيير مظهر وشكل الصراع وكأنه صراع ما بين الفلسطينيين وكيانات المستعمرين المستوطنين، مع الحاجة لمعالجة ما تَرسب من سلبيات الماضي وسياساته، كل هذا في صميمه يدلل على ان الحكومة الحالية تواجه إشتباكا عميقا في التعاطي مع كل ما هو قائم وسيأتي، مضافا لهذا مسؤولية الإنتخابات العامة التشريعية والرئاسية في حال تم إقرارها وإعتمادها سبيلا للخروج من مستنقع الإنقسام والإنقلاب.
قد يكون ما سبق بعض من صورة شاملة لعناصر الواقع والمحددات التي تعمل وستعمل من خلالها هذه الحكومة، وهذا ما قد يدعو الجميع إلى عدم النظر لتلقف الكم الذي نحتاجه من هذه الحكومة في سلة المنجزات بقدر ما يفرض الواقع من ضرورة تحقيق الممكن تحقيقه وما يمكن البناء عليه مستقبلا وإن مصطلح الإنفكاك والذي حمل في مضمونه وتفصيلاته شعار (الرد على سياسات الإحتلال)، وبرغم أنه يقوم على أساس الإشتباك في تعريفه كسلوك ونتائج، غير أنه يحمل في جوانبه ما يجعل من فرضية سقطت بإن حل الدولتين ممكن وأن السعي لتحقيقه قد يكون نافذا وناجحا فلسطينيا، لعل في تعريف وتوصيف هذا الإنفكاك قد نحمل الإلتباس الذي يبعدنا عن المضمون الذي نسعى له كشعب وجماعة من حيث الإستقلال، ورغم أن كل قرارات المجلس المركزي والوطني وقرارات اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير تشير في مضمون قراراتها ما يدفع باتجاه مواجهة الأمر الواقع بتجاوز دولة الإحتلال للتسوية القائمة على أساس حل الدولتين ومواجهة سياسة إدارة الرئيس الأمريكي ترامب القائمة على إعادة تكييف الإحتلال وتشريعه، غير أن الإنفكاك أمر ليس بالصورة الوردية أو البسيطة وقد يكون في بعض جوانبه يحمل ما تحمله صيغة الرد على الإحتلال بإنهاء السلطة وحلها من حيث الإشكاليات والتعقيدات، نظرا لأن العلاقة مع الإحتلال تقوم على شكل علاقة السجين بسجانه، فلم يكن قرارا فلسطينيا وجود هذا الإحتلال حتى يكون لنا القرار بالإنفكاك عنه، بل سيكون هذا القرار طريقا نضاليا للتعاطي معه، وإن تصور الشارع لمعاني هذا الإنفكاك قد تحمل لبسا من حيث القدرة والإستطاعة، إضافة إلى أن هذا الأمر لا بد وأن يكون متعلق بسيايات طويلة تمتد لسنوات وعليها أن تحمل آليات تتناسب لتحقيق ما نريد وما لا نريد، وهذه لا يمكن لها أن تكون معزولة عن قضايا جوهرية أخرى بما يتعلق بزيادة الضغط على الإحتلال وكل إدواته( أحدها الإستعمار الإستيطاني) حتى تكون هذه الخطوات نافذة ومؤثرة وناجعة لتكون متناسبة مع طبيعة ما يفرضه الإحتلال يوميا على الأرض وما نأمل تحقيقه وإنجازه.
التريث وعدم تحميل هذه الحكومة ما لا تستطيع تحمله، وإعطاءها الوقت الكافي هو السبيل المطلوب لتقييم أدائها، وإن قضية وقف استيراد العجول من دولة الإحتلال كانت أحد آليات تسعى الحكومة من خلال هذا القرار لتفعيل وترجمة شعار الإنفكاك، لكنها ليست المسألة الوحيدة المطروحة وليست الحكومة منفردة تستطيع القيام بها، فالمسؤولية في هذه القضية تتعدد أطراف المسؤولية بها قد تبدأ بالحكومة وتمر بالتاجر و المواطن والمزارع.
الإنفكاك كشعار وآليات هو شكل جديد من النضال بغض النظر عن الرأي الذاتي به كخطوات وسياسات من حيث النتائج والتوجه، غير أن النضال في دلالاته هو كل ما يعني تقصير والحد من سيطرة الإحتلال ونفوذه، وفي الإسهام به يكون واجبا على الجميع.