الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

كذب المُنجّمون ولو صدقوا ... أهلا غرينبلات ... باي باي غرينبلات

نشر بتاريخ: 04/11/2019 ( آخر تحديث: 03/04/2020 الساعة: 05:11 )

الكاتب: السفير منجد صالح

أنتجت الإدارة الأمريكية الحاليّة، وخاصة منذ وصول كبيرها، كبيرهم، "الذي علّمهم السحر"، "الطاووس الأشقر"، الى عتبة وفناء وبهو وأسرّة البيت الأبيض، مجموعة من جهابذة الكذّابين الأفّاقين في عالم وعلوم وعلم السياسة، "الهرطقة" السياسية، التكتيكيّة والإستراتيجية. مجموعة يُقال فيهم وعنهم وينطبق عليهم المثل، القول المأثور، "وافق شنّ طبقة".
فقد تمّ غزلهم على نفس "المنوال" بنفس الخيوط "المُغمّسة والمدبوغة" بمادة المراوغة والمُداهنة والفذلكة والفلسفة ( التفلّسف) والضحك على الذقون وتقريب البعيد وإبعاد القريب واللعب على الحبال ولعب الثلاث ورقات والتسويف والتأجيل والغزل والهجاء وإستعمال العصا والجزرة والعلقم والسم الزعاف.
والمقصود المباشر بهذه المجموعة، حتى لا نُعيل صبر القاريء العزيز، هم "الثُلاثي النكد"، وليس الثلاثي المرح، ولا ثلاثي أضواء المسرح الظرفاء، لا سمح الله، وإنما "جوقة الثلاثة" أو "الجواكر الثلاثة"، الذين يتولّون زمام مصير الشرق الأوسط، يُرقّصونه بخيوط في أصابعهم، يُلاعبون، ويتلعّبون به، بدُوله ومُلوكه وأمرائه ورؤوسائه ووزراء خارجيّته، "السنفور خالد بن أحمد آل خليفة"، وبحره وبحرينه وخليجه وما ملكت أيديهم من نفط ومال وما ملكت أيمانهم من أرصدة وجواري.
الثلاثي النكد، كوشنير وغرينبلات وفريدمان، وفوقهم "عالبيعة"، "زيادة البيّاع" بومبيّو، وزير الخارجية. يُتقنون علم التنجيم والضرب بالمندل ورمي الزهر "والتبصير" فيما يخص الشق الفلسطيني والعربي من المُداهنة الكُبرى التي أطلقوا عليها إسم "صفقة القرن". ويتقنون علوم العلم وفن الواقع وبناء الأسس الإسمنتية والصخرية "والباطون المسلّح"، فيما يخص الشق الصهيوني، الشق الإسرائيلي من "اللعبة"، صفقة القرن.
فقد طالعنا السيد جيسون غرينبلات، المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي دونالد ترامب للشرق الأوسط، "مقثاته المُفضّلة"، "مزرعة أبوه وإلّي خلّفوه"، ضمن إختصاصه في علم التنجيم والتبصير: "إن الوقت غير ملائم الآن" للإعلان عن خطة السلام المُرتقبة بين إسرائيل والفلسطينيين، والمُسمّاة إعلاميا ب (صفقة القرن). ... ما شاء الله!!! والله هذا الغرينبلات "ما بدّو إلّا شبّة وخرزة زرقاء" حتى لا يصيبوا حدا بالعين. ... "العين تطرقوا"، حسب التعبير الشامي الشهير.
الله أكبر يا ناس!!! ثلاث سنوات وهم "يُجرجرونا" ويُجرجروا العالم وراءهم، نلهث ويلهث حتى نُرى ويرى بصيص"عظمة" من هذه الصفقة. إجتماعات وراء إجتماعات، ولقاءات يتبعها لقاءات، مع الفلسطينيين، مع الإسرائيليين، مع المصريين، مع الأردنيين، مع الخليجيين، مع الأوروبيين، "مع أباليس الأرض"، حتى "يفهموا القضية" -غُشماء -، القصة، المسألة، الحدّوثة، المعضلة، النوتة الموسيقية، المسرحية، "الصفقة".
وعندما "فهموها" وكتبوها وصاغوها ودبلجوها ووضعوا لها موسيقى تصويرية ووضعوها في كاسيت وسي دي، بإنتظار بثّها على التلفاز، على الجمهور، على القاصي والداني، القريب والبعيد، المعني وغير المُكترث ...
وإذا بهم يُتحفونا بخبر أن "الوقت غير ملائم للإعلان"، "الثمرة لم تنضج بعد"، ... ودقّي يا مزيكا!!!!! بعد ثلاثة أعوام والوقت غير مناسب لإعلان الصفقة. ترامب وجوقته تُجّار "شُطّار"، "دوزنوا" صفقة على مقاس إسرائيل، الصفقة الحقيقية، العلم، المعلوم، المبنية على أسس من الباطون المسلّح، وفي نفس الوقت، بنوا قصرا في الهواء، زرعوا مقثاتا في البحر، بيتا من الزبد على رأس جبل، للفسطينيين وللعرب وللمسلمين وحتى للعالم.
البوصلة الأمريكية تسير بأتجاه واحد، سفينتها تمخر عباب بحر واحد، هواؤها يهبّ نحو شراع قارب واحد، نحو جهة واحدة: إسرائيل ومصلحة إسرائيل وقوة إسرائيل ومنعة إسرائيل ومن أجل عيون إسرائيل الكحيلة.
الصفقة التي لم تولد بعد، وربما لن تولد مُطلقا وأبدا، لانّه لا يوجد حمل أصلا، أو يوجد حمل كذّاب، أنتفاخ بطن ليس إلّا، ربما بفعل الغازات. أو التي وُلدت، من زمان، على مقاس إسرائيل، على قدهاّ، على طريقة الكاوبوي الأمريكي.
لم يوزّعوا جوائز "حلوانا"إحتفاءا بقدوم المولودة الجديدة إلا على إسرائيل. حصلت إسرائيل على نصيب الأسد ونصيب النمر ونصيب الضبع ونصيب الثعلب منها.
ذهب "الحلوان" كلّه لها: سدور النمّورة والهريسة والبقلاوة والبرمة والبلّورية وحتى الكنافة النابلسية الشهيرة وزّعت في "ديوان إسرائيل"، على دولة إسرائيل.
أما الفلسطينيون والعرب، فكانت سدور الحلويات، التي دفعوا ثمنها دما ومالا، تمر من أمامهم، من أمام عيونهم، من أمام سمعهم ويصرهم، من تحت أصابع أرجلهم، من أمام أنوفهم، وبالرغم عن أنوفهم، لتذهب الى المحتل الإسرائيلي. ويبقون هم مع مقولة "شمّ ولا تذوق".
ثلاث سنوات والفلسطينيّون يشمّوا ولم يذوقوا طعما لصفقة القرن، إلا طعم العلقم منها، أما إسرائيل فذاقت وأكلت وهضمت وبلعت أطاييبها كلّها:
أعلنت أمريكا ترامب، بفرمان، القدس "الموحّدة" عاصمة لدولة إسرائيل، "عاصمة للشعب اليهودي"، كما قال ترامب. ونقلت سفارة بلادها الى القدس، الى القدس الشرقية. الى قدس أقداسنا.
وشجّعت أمريكا دول العالم، بالترغيب والترهيب، كي تحذو حذوها، تتخذها مثلا "ومسطرة" تمشي على خطاها لنقل سفارات بلادهم الى قدسنا المحتلة. فإمتثلت غواتيمالا وهندوراس ... "والحبل على الجرّار" ...
وأغلقت أمريكا قنصليّتها في القدس الشرقية، الموجودة فيها منذ ما ينوف على ثلاثمئة عام، لخدمة الشؤون القنصلية للفلسطينيين. وألحقتها وجعلتها "زائدة دودية" في سفارتها "الجديدة"، "مستوطنتها الجديدة" في القدس العربية الإسلامية المسيحية. تتعامل مع الفلسطينيين، بموجب "الوضع الجديد" وكأنّهم إحدى "الجاليات القوميّات"، ضمن مكوّنات المجتمع الإسرائيلي، كالدروز مثلا.
لا تتعامل أمريكا معنا نحن الفلسطينييون كشعب قائم بذاته، نملك شخصيّتنا الإعتبارية وحق تقرير المصير وحق العيش في دولة مستقلة ذات سيادة. وإنّما تتعامل معنا كجالية ضمن دولة إسرائيل، لا حقوق سياسية لنا، وإنما حقوقا إقتصادية. ومن أجل هذا أغلقوا مكتب منظمة التحرير في واشنطن، ذو التمثيل السياسي للفلسطين. أغلقوا المكتب لانّهم عمليا لا يعترفون بحقوق الشعب الفلسطيني السياسية، غير القابلة للتصرّف.
صفقة القرن كذبة كبرى مداهنة كبيرة، "لهّاية" خبيثة، إبرة مورفين لتخدير الشعب الفلسطيني والشعوب العربية حتى يُمرّروا ما خططوا له لصالح إسرائيل، لصالح إسرائيل الكبرى من النيل الى الفرات. وقد أنجزوا الجزأ الأكبر والأهم منها لصالح إسرائيل. أما نصيب العرب والفلسطينيين منها فمزيدا من النهب والسيطرة والفتن والهباء المنثور وذر الرماد في العيون. ... وكذب المنجّمون ولو صدقوا ...
الشعب الفلسطيني المكافح منذ مئة عام ويزيد، والشعوب العربية الأصيلة، قادرة أن تقف في وجه صفقة القرن ووجوه صانعيها، قادرة أن تتحدّاها وأن تُرسلها الى "خبر كان".
أما المُتأمركين والمُتأسرلين من بين ظهرانينا، من أبناء جلدتنا، فلينعموا بالأطايّيب الأمريكية الإسرائيلية!!! بكثرة الشحم واللحم والبندق والفستق والجوز واللوز ... لكن الى حين، ... فذاكرة الشعوب لا تخبو ولا تنطفىء، وإنما تبقى متّقدة، ... جمرا تحت الرماد، فالى حين ... الى حين.