الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

الفساد خير ما نستهل به هذا الصباح

نشر بتاريخ: 16/08/2019 ( آخر تحديث: 17/08/2019 الساعة: 00:35 )

الكاتب: باسم التميمي
أمّا قبل :
ونحن على شفا الهاوية، وضياع الهوية؛ فهذا الفساد الحضاري يليق بنا، وصار يعلمنا، ويلهمنا، نكتب وننتقد ونرثي أنفسنا؛ فأصبح افتتاح الكلام ومحور الحديث ولغة الخطاب.
الكل يتهم الكل، فمنّا من حالفه الحظ ، ومنا من ينتظر.
اذا كان هذا الرفض الجمعي للفساد كما يظهر على مواقع التواصل الاجتماعي تعبيراً حقيقيّاً عن الاستياء والرفض فكيف ينمو ويترعرع بيننا ؟ كيف اصبح سافر الحضور لا يتوارى؟ ، بينما نحن نخسف على وجوهنا. هل هو الفساد المالي الاداري السياسي الوطني القيمي؟ أم هو كل ما يحدث بيننا ؟
إن الفساد ظاهرة اصيلة في الأنظمة الدكتاتوية والشمولية وهو رديف لغياب معاني الحكم الرشيد والديمقراطية، وهو آفة الأنظمة، وأساس تحطيم الدول والمؤسسات والحضارات.
لا أحد يقلل من ظاهرة الفساد او يبررها او يشرّعها او يدافع عنها فهي مرفوضة ومنبوذة، لكن الحديث والنقد المتواصل دون وضع آليات للرفض العملي يجعلها ضاهرة مألوفة إن لم تصبح مقبولة، ويجعل من ردّة الفعل تنحصر في اللامبالاة؛  فتتطوع حالة الرفض وتُمَيّع، والأخطر من ذالك -في السياق الفلسطيني- ما يحدث للعقل الجمعي من تغيير للمنظومة المعرفية، واستبدالها بأخرى تتبنى مفاهيم مهزومة، أي احتلال الوعي بإعادة ترتيب الأولويات، وما يسببه من اختلال في المفاهيم النضالية والوطنية؛ ليصبح التطبيع والهرولة بإتجاه العدو بديل الاشتباك والمقاومة، ويعتل النسيج الاجتماعي، وتتفكك بنية المجتمع حامي المشروع الوطني، وهذا كله جزء من الحرب النفسية التي يمارسها العدو الصهيوني تجاهنا، من خلال الاستخدام المدبّر والكفؤ للدعاية، والاشاعة، ولأية تأثيرات نفسية أخرى لإسناد أهدافه بهزيمتنا من الداخل، والتأثير على مشاعر وأفكار شعبنا، في محاولة لتغيير  سلوكه وانتمائه لفلسطين الوطن والقضية، وتشويه صورتنا، لما له من دور وأثر على أفكار ومواقف وسلوك الحلفاء والمناصرين والفئات المحايدة والصديقة، وتكسير الالتفاف الشعبي حول القياده كونه الحاضن لتوجهاتها الوطنية والسياسية لتمرير المؤامرة، وفرض الحلول؛ فالاستعمار بسياسات الليبراليه الجديدة يهدف الى تجزأة العقل وتغيير الاهتمامات ، وحرفها عن المسار الوطني ، بالانشغال في معالجة ظاهر المرض وعرَض المشكلة ، والإنتقال من الجوهر والمتن، إلى الزوايا والهوامش؛ فالفساد والتنسيق الامني وكل مظاهر السوء في بنية السلطه ومؤسساتها هو عرض المشكلة وانحراف النقاش حول إصلاح المنظومه لا يخدم جوهر القضية.
إن المشكله الحقيقيه تتمثل في غياب المشروع الوطني التحرري بعد هزيمة مشروع منظمة التحرير السياسي والجامعة العربية المبني على حل الدولتين (المبادره العربية) برعايه الأمم المتحده والمجتمع الدولي الراعي للعملية السياسية والذي تنكّر لحقوقنا في مسار تفاوضي ، تعامل مع الاحتلال كثابت وحيد؛ لجرِّنا للتسليم  لهذا التيه ، ليكون طريق في اتجاه واحد، ويتركنا في العراء فريسة لغول المرحلة.
وعليه فإن جوهر المشكله يتمثل في فشل المشروع، وانحراف المسار الوطني من التحرير وإنجاز الاستقلال الرحب، إلى ضيق الدولة والسلطة، ليستمر بلدوزر الاقتلاع الصهيوني يفرض على الارض حق القوة في ظل غياب آليات فرض قوة الحق ، ويجسّد الإستعمار وجوده على كامل ترابنا الوطني "دولة اسرائيل  اليهودية " من بحرنا إلي ما بعد نهرنا ؛ وعليه فلا وقف التنسيق، ولاعلاج الفساد على أهميته يحل المشكلة ، اذا لم يكن في سياق اعادة تعريف منظمة التحرير على مستوى الهدف والوسيلة ، للخروج من ثنائية التيه، دولتنان ،أو دولة واحدة، كفاح مسلح،أو مقاومة شعبية
(سلميه) ، وإعادة تأهيل البنيه التنظيمية بشكل ديمقراطي يلملم ذواتنا ويوحّد جهدنا في برنامج نضال وطني شعبي مباح ومتاح ، يجسد مشروعنا التحرري الوطني والقومي ، في مواجهة مشروع الاستعمار الصهيوامريكي الإحلالي نقيض القيم الانسانية ، وعدو الإنسان، لنتمكن من فرض شكلنا التضاريسي على خارطة الوجود ، دولة فلسطينية حرة لشعب من الاحرار ، دولة ديمقراطية علمانية ، تبني مجتمع العدل والحريّة والديمقراطية والمساواة.