الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

عائلة الأسير نضال أبو عكر 40 عاما من الملاحقة والمداهمة والاعتقال

نشر بتاريخ: 07/12/2019 ( آخر تحديث: 07/12/2019 الساعة: 15:39 )

الكاتب: عيسى قراقع

ساحة الحرب الإسرائيلية تنتقل إلى البيوت الفلسطينية، الجيش الإسرائيلي وهيئة أركانه العسكرية وقادته وأجهزته الأمنية بأذرعها المختلفة تشن حربا على الفلسطينيين تتمثل بحملات الاعتقال اليومية، جبهة أخرى متوارية تجري على مدار الساعة، مداهمات وملاحقات واعتقالات تطال الكبير والصغير، الرجل والمرأة، ولعل أول خبر فلسطيني تتناقله وسائل الإعلام صباح كل يوم هو أعداد المعتقلين الذين اعتقلوا الليلة الماضية، والتي يتخللها شهداء وجرحى وتخريب وتكسير ورعب وهمجية احتلالية.

حملات الاعتقال أصبحت ظاهرة يومية وجزء من سياسة العنف المنظم ضد الفلسطينيين، وربما يستعدي ذلك هؤلاء الذين يحاولون نزع صفة الاحتلال عن الاحتلال ان يعيشوا ولو ساعة واحدة في ليل مخيم الدهيشة، ان يخرجوا من الإطار والشكل ويدخلوا إلى الصورة، سيجدون عينا مفقوءة للصحفي معاذ عمارنة، وقدما مبتورة للأسير محمود عياد ومئات المعاقين على عرباتهم المتحركة وعكازاتهم، وعشرات الشهداء في كل حارة وبيت وناحية.

لا يوجد مراقبون دوليون في مخيم الدهيشة ليسجلوا يومياته ولياليه القاسية، وليكتبوا في تقاريرهم انه منذ أربعين عاما لا زال جيش الاحتلال يلاحق ويداهم منزل وعائلة الأسير نضال أبو عكر في مخيم الدهيشة، ربما هؤلاء المراقبين أصيبوا بخداع البصر عن السلام الموهوم الذي تحول إلى شكل اخطر من الحرب نفسها، لا اتفاق يحمي الفلسطيني، ولا تصنيف المناطق إلي محميات مرقمة أ،ب، ج، تحمي أي انسان، جيش الاحتلال يدخل غرف النوم بالقنابل والرصاص والكلاب يقتل ويدمر ويزج بالناس في السجون والمعسكرات.

عائلة نضال أبو عكر عائلة لاجئة من قرية رأس أبو عمار التي احتلت عام 1948، دمرت مع 500 قرية فلسطينية في تلك النكبة، هجر سكانها مع أكثر من مليون فلسطيني توزعوا في المنافي والمخيمات، وقد ندم بن غوريون انه سمح للاجئين بالبقاء في فلسطين، كان عليه ان يطردهم خارج الوطن أو يبيدهم عن بكرة أبيهم، ولهذا دولة الاحتلال مشغولة منذ ذلك الوقت بملاحقة المخيم، المخيم خطر على الذاكرة الإسرائيلية المسلحة وعلى الأسطورة.

نضال أبو عكر اعتقل 16 عاما قضى منها 14 عاما في الاعتقال الإداري التعسفي بلا تهمة ولا محاكمة عادلة، اعتقل ابنه محمد لمدة 26 شهرا، واعتقل مرة أخرى ولا يزال يقضي حكما إداريا بالسجن، خاض إضرابا طويلا عن الطعام ضد الاعتقال الإداري الذي تحول إلى سيف مسلط على آلاف الفلسطينيين، اعتقل شقيقه رأفت لمدة 7 سنوات، وشقيقه حازم اعتقل عدة مرات وأصيب بالرصاص وفقد عينه نتيجة ذلك، استشهد شقيقه محمد عام 1990 في الانتفاضة الأولى بعد إصابته برصاص الدمدم، ولقب بالشهيد الحي بسبب دخوله حالات موت متتالية عدة مرات، زوجة نضال منال مصابة بالرصاص في صدرها ولا زالت تعاني جراء الإصابة، والد نضال مريض ومعاق مبتور القدم، والدته مريضة وكبيرة في السن، وعندما تنظر إلى وجهها تكتشف ان الحرب لا زالت تجري في بدنها وتشتعل في نبرات صوتها، بيت أبو عكر ساحة معركة وتدريب لجيش الاحتلال الإسرائيلي.

استمرت ملاحقة الاحتلال لعائلة أبو عكر وخاصة نضال، وخلال شهري تشرين الثاني وكانون الأول من العام 2019 دوهم المنزل أربع مرات، جنود مقنعون مدججون بكل أنواع الأسلحة اقتحموا البيت، فجروا الأبواب، خلعوا النوافذ، اعتدوا على النساء، أيقظوا النائمين، طوقوا الحارة بمئات الجنود، صراخ وزعيق وشتائم وضرب بالبساطير وأعقاب البنادق، فتشوا المنزل، قلبوه رأسا على عقب، وعندما سالهم أبو نضال من انتم؟ أين المسؤول عنكم؟ أجابوا نحن مقاتلين ليس بيننا مسؤول، انها ساحة حرب لجنود منفلتين، عبثوا وصادروا الأجهزة الكهربائية وعربدوا ساعات طويلة، تركوا ورائهم دماء ودمار وسعار حيوانات متوحشة، خرجوا وقالوا مهددين: سنعود، ممنوع ان يبقى نضال طليقا، مصيره السجن فقط.

اذهبوا أيها الناس إلى بيت نضال أبو عكر، اسمعوا أم نضال وهي تتحدث عن هذه الليالي المتواصلة من الاقتحامات والفزع والاعتداءات، في كل ليلة قصة مخيفة، هي قص-ة الشعب الفلسطيني، قصة المستعربين والقوات الخاصة التي ترصد ليل نهار حركات نضال أبو عكر وأشقائه للانقضاض عليهم واختطافهم، قصة دولة الاحتلال بكل جبروتها تشن عدوانا على أسرة فلسطينية لاجئة، وتجند كل وقتها وخبراتها الأمنية ومعداتها العسكرية للسيطرة عليها.

يقول نضال: احمد الله عندما تشرق الشمس كل صباح ويبدأ يوم جديد دون ان أكون في السجن، نصف حياتي قضيتها بالسجن، وفي كل يوم أجد نفسي خارج السجن اشعر بحياة أخرى، أصبح وجودي طليقا ليوم واحد هو وحده قياس لأرى الغد ولأعتني بوالدي المريضين وارى بعض الأصدقاء، كل حركاتي مع الناس كأنها حركات وداع، كلما اسمع صوت (الزنّانة) في السماء اعرف أنهم فوقي وحولي، يلاحقونني جوا وأرضا ومن شارع إلى شارع، هذه حياتي، على قلق كأني سأكون في السجن بعد قليل أو كأني سأصاب برصاصة.

عندما نزور بيت نضال أبو عكر نجد انه عبارة عن متحف وطني وانساني، تنثال منه كل الحكايات والذكريات، صور شهداء وأسرى، صور القرى المدمرة والمنكوبة، مفاتيح البيوت معلقة على الجدار، مجسمات وهدايا صنعت في السجن، بوسترات، كوفيات، كلمات وشعارات تؤرخ مراحل نضالية متعددة في المخيم، أسماء رحلت وأسماء تقبع في السجن، تاريخ فلسطين كله في هذا البيت، الحارة التي يقع فيها منزل أبو عكر حارة منكوبة، حوله عائلتي الشهيدين ساجد مزهر وأركان مزهر، كل أصدقاء نضال زجوا في السجون، وتقرا على الحائط في صالون البيت عبارة لغسان كنفاني تقول: الوطن ليس شرطا ان يكون أرضا كبيرة، فقد يكون مساحة صغيرة جدا حدودها كتفين.

من يحمي هذه الأسرة؟ من يحمي الأب وألام المريضين؟ من يحمي النساء والأطفال؟ من يحمي النعاس والنوم وهدوء البال؟ الأمم المتحدة أعلنت على لسان نائب رئيس المجلس الاستشاري لمجلس حقوق الإنسان أنهم عاجزون عن وضع حد للانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني، الشرعية الدولية والقانون الدولي والمحكمة الجنائية عاجزون عن توفير الحماية لعائلة نضال أبو عكر، عاجزون عن تمكين مواطن فلسطيني اسمه نضال أبو عكر من المشاركة في احتفالات أعياد الميلاد المجيدة هذا العام، لم يحضر نضال احتفالات إضاءة شجرة الميلاد وسماع الترانيم القدسية، القوات الخاصة الإسرائيلية وفرق الموت تختبئ خلف الشجرة.

حسب الدراسات الأمنية الإسرائيلية فان انسحاب جيش الاحتلال من بيت نضال أبو عكر يعرض دولة إسرائيل لخطر وجودي، لهذا يجب بقاء الاحتلال في البيت، وتحويل بيوت الفلسطينيين إلى أهداف عسكرية وزج اكبر عدد ممكن من السكان في السجون، وحسب الدراسات فالمخيمات دفيئة للثورات والانتفاضات، أحفاد اللاجئون لا زالوا يطاردون بلفور وترامب بالحجارة والقناني الحارقة في أزقة المخيمات.

الحرب على بيت نضال أبو عكر هي حرب على الفلسطينيين وحقهم في الحياة والحرية والكرامة، هي حرب على السلام والاتفاقيات الموقعة وعلى الشرائع الإنسانية والدولية، منذ أكثر من 52 عاما على الاحتلال، وبعد أكثر من 70 عاما على النكبة وبعد أكثر من 25 عاما على توقيع اتفاقيات أوسلو، فان ممارسات الاحتلال تفرز وقائع مرعبة على الأرض، احتلال عميق ومستديم وليس مؤقت، مستوطنات وحواجز وجدران ومعازل وطرق التفافية وسجون، مواصلة السيطرة على ملايين الفلسطينيين دون كلفة، إبقائهم رعايا مجردين من الحقوق البشرية والإنسانية.

من يشتري زمنا قليلا لنضال أبو عكر؟ زمنا بلا ملاحقة واعتقال، من يشتري ليلة دون مداهمة وضرب ورعب ورصاص؟ يتمنى نضال أبو عكر ان يحلم حتى طلوع الفجر...