الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

انكسار القوس الإسرائيلية

نشر بتاريخ: 26/01/2020 ( آخر تحديث: 26/01/2020 الساعة: 16:36 )

الكاتب: ناصر دمج

على الرغم من مهابة الاحتفاء الكوني بالذكرى الخامسة والسبعون لضحايا المحرقة النازية من اليهود، إلا إنه كان مثيراً للسخرية من جانب آخر، لأن إسرائيل دولة الاحتلال المشيدة بالخوف والقلق، لن تجد لدى ضيوفها علاجاً لصداعها الفلسطيني.

لهذا رتبت هذا العرض لتخويف شعبنا المجرد من كل سلاح، في لحظة فارقة تستبق الإعلان الأمريكي عن صفقة القرن، حيث سيتم توظيف الأثر الناتج عن تلك الاحتفالية، بدفع القيادة الفلسطينية للموافقة على الصفقة، وإلا لن تجد لها مؤيداً أومريد، لا من العرب ولا من غيرهم.

وفي ظني، أن رفض الرئيس أبو مازن العلني والصريح لصفقة القرن ولغيرها من صنوف الضغوط، قطع الطريق على أي فلسطيني تساوره نفسه بتجاوز هذا الخط، فضلاً عن أنه قدم لخبرة العلاقات الدولية، تجربة جديدة، قوامها إنه يمكن للدول والكيانات الصغيرة أن تقول (لا) مدوية للدول العظمى.

وهذا ما أنطوى على تحطيم كامل؛ لأحد مبادىء الخارجية الأمريكية القائم على أن الدول الصغيرة مجبرة على الانصياع لمشيئة الدول الكبرى.

كما أثبت للعالم بأن الوزن النسبي للدول، ليس قيداً ولا قدراً تذوب في نطاقه مهارات قادة الشعوب المكلفين بتخليصها من محنها وأغلالها التي تعيق انعتاقها.

إنكسار القوس الإسرائيلية

في عام 476م انهارت الإمبراطورية الرومانية الغربية، في عهد الإمبراطور "رومولوس أوغسطس" بعد أن تجاوزت كل حد في القوة والتوسع، وشملت أراضيها 20 إقليماً على جانبي البحر المتوسط، بالإضافة إلى إيطاليا التي شكّلت المركز، وإنجلترا وكلّ مناطق أوروبا الواقعة غرب نهر الراين وجنوب نهر الدانوب، ومعظم دول آسيا الواقعة غرب الفُرات، وجزراً في البحر الأبيض المتوسط.

لكن هذه الإمبراطورية قدر لها أن تزول من الوجود في العام نفسه، بعد أن اجتمع قادة وحكام تلك الاقاليم في روما لمبايعة آخر إمبراطور في مشهد شبيه بمشهد زعماء العالم الذين لبو دعوة إسرائيل لإحياء الذكرى الخامسة والسبعون لضحايا المحرقة.

يستنتج من ذلك، أن عوامل الصعود ملازمة لعوامل الضمور والإضمحلال، وهي سنة ملازمة لحياة البشر والدول على حد سواء.

يعني ذلك، أن انصياع العالم للمشيئة الإسرائيلية يمنحنا فكرة عن حدود النفوذ الإسرائيلي حالياً، وهو متغير لا يعني بالضرورة أن العالم رمى شعبنا عن قوس واحدة وتخلى عنه، إنما يعني أن القوس الإسرائيلية نفسها دشنت مرحلة الانكسار والضمور الإسرائيلي.

لأن نفوذ وجبروت أي دولة ظالمة، لا يمكن له أن يشكل ضمانة لديمومة وجودها، سيما دولة كدولة الاحتلال الاسرائيلي مشيدة على اغتصاب حقوق الآخرين وقهرهم، وهو السبب الذي ينبذه العالم وبسببه قرروا التضامن مع ضحايا المحرقة النازية من اليهود.

فالتاريخ يحتفظ لإسرائيل بسبب واحد لوجودها وهلاكها وهو (الحق)، عندما أيد لعالم حق اليهود بالحياة والوجود، وهو الحق نفسه الذي حرمته إسرائيل على غيرها واستلبته من مالكيه.

ولأن للظلم دورة كاملة يجب أن تبلغ منتهاها، وللحق نصف دورة ليس شرطاً أن تبلغ منتهاها، فعلينا أن لا نندهش من بقاء إسرائيل على قيد الحياة كل هذا الوقت.

ومن تجليات هذا الظلم الذي سحق عظام أصحاب الحق، المطالبون ببذل الصبر دون مقابل، زيارة وزير العدل السعودي الأسبق "محمد بن عبد الكريم العيسى"، لمعسكر الإبادة النازي (أوشفتس) وأمّ هناك جمعاً من المصلّين قرب النصب التذكاري لضحايا المحرقة، وهذا اعتراف من آخر المنكرين لوقوع المحرقة بوقوعها، وقبول رعاة أو مرسلي "محمد بن عبد الكريم العيسى" المساهمة بالجهد العالمي، الذي تبلور بعد الحرب العالمية الثانية لتعويض اليهود ومنحهم دولة ضمن هذا التعويض وحمايتها من كل ما يهدد وجودها والحؤول دون السماح بتكرار المحرقة.

يستنتج من ذلك، أن ما تحققه إسرائيل اليوم هو أكبر من الفائدة العائدة عليها من اتفاقيات السلام التقليدية، فعلى سبيل المثال قدمت العربية السعودية لإسرائيل - خدمات استراتيجية – وهي غير مرتبطة معها باتفاقية سلام أكثر من ما قدمته الأردن ومصر والسلطة الفلسطينية مجتمعين.

يعني ذلك، أن نظرة الإسرائيليين للسلام اختلفت بشكل كلي، ولم يعودوا معنين بإبرام اتفاقيات سلام بشكلها التقليدي؛ بقدر ما هم معنين بأطر ومنصات تعاون أمني مشترك، دون اعتبار وجود اتفاقيات سلام شرطاً لذلك، وهو ما يعني عقلياً تخليهم عن التفاهم مع أطراف لم تعد العلاقة معهم منتجة إستراتيجياً كما هو الحال مع الفلسطينيين، لأن المنفعة التي كان من الممكن أن تتحقق عبرهم أنجزت بدونهم، وهو ما يعني أن إسرائيل انتهت من إتمام مرحلة صعودها نحو حتفها الأكيد.