السبت: 20/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

فيتامين الكرامة زاد مناعتنا العربية في الغربة

نشر بتاريخ: 30/03/2020 ( آخر تحديث: 30/03/2020 الساعة: 12:22 )

الكاتب: مازن الحساسنة

ويحدثوك : أن بلادنا قاسية ، طاردة ، جاهلة ، متعبة ، يحدثوك : أن شارع الشانزليزيه الباريسي أفضل من الوطن ، وأن شاطئا على الريفيرا الاسبانية تعادل كل البلد ، وأن ساحة التايم سكوير مساحة الحلم .

يكلموك : دوما أن النظام والامان ، والحرية المطلقة والتعليم ، والقانون والتعبير ، والانسان والتقدير ، والابداع والانجاز ، والفن والطب كل ذلك في بلاد الغرب .

يقولون : لك ولي أن لدينا اسوار بداخلها معتقلات ، وجهل يستحوذ المساحات ، ورجعية وتكميم للافواه ، وسيوف لرقاب القامات ، وتجويع للانسان ، وقتل واستبداد ، وتخلف وفوضى ، لدينا كل ذلك والمزيد كما بقولون .

ايها التائهون لما حاصرتم فكرة الوطن ؟ وسلختم جلودكم ؟ وحاربتم الايمان بمقدرات وتاريخ اسلافكم ؟ وشطبتم جهود اجدادكم الذين بنوا عزكم وشرفكم مدماكا فوق مدماك ؟

يا ايها الفتى العربي المهووس بحلم الغرب ، وانت تسير في شوارع برلين ، والمتتبع لخطوات الايطاليين والمتلقي لعادات الانجليز ، والمدافع عن تصرفات الاميركيين والكليم عن انسانية الاسكندنافيين ، و الخطيب عن الفرنسيين .. الا تستجدي الان وانت محاصر ببرودة الغربة وقتا ترمي فيه رأسك على صدر أمك ؟ أن تقبل هامة اباك الواقف على شرفة البيت ينتظرك ؟ الا تبتهل الله اذا مرضت أن تكون بين عشيرتك واهلك ؟ الست في مقياس اولوياتهم انك لاجيء او قادم او عابر ؟ الا ينقصك سلوك أناس مليئة بالجود والكرم والمروءة والفروسية والعطاء والاقدام ؟ الا تتوق لتشاهد تكافل الناس وشهامتهم وتعاونهم وتماسكهم وتعاضدهم ؟ الا تسترق من خزان ذكرياتك كيف تلتئم العائلة في الظرف القاسي ؟ و كيف الجار يوزع نصف رغيفه لجاره ،؟ وبرميل الماء يوزع على بيوت الناس ، اما زلت تسأل كيف تحالف الناس في وطنك يصدون المصائب ؟ وكيف الوجع بات ألم الجميع ؟ والهم توزع على الكل كحصص متساوية .

كيف الصغير أسند الكبير ؟ والفتاة أعانت امها ، والجد اتكأ على الحفيد كي يتوضأ . والصلاة لا تنتهي في دور مليئة بالمؤمنين .

ايها الناظر من شرفة الطابق الخمسون في برح في لاس فيجاس ، ربما ستكون رقما في العداد اليومي ، او ربما تستغيث ذات صباح فلا مجيب ، او لعلك تنادي جدران بيتك الاعجمي فلا تسمع الا صدى اصوات رفاق الصبا في حارتك الاولى .

ايها الثري هناك ، الا ينقصك شرب كوبا من التمر الهندي في ليلة صيف على رصيف السوق العتيق ، الست متلهفا لقطاف زيتون بيارة ابوك ، الا تشتاق لصوت بائع الحلوى ، الا تتوق لزيارة قرية ما زالت حجارتها اقدم من رواياتهم ...

يا سيدي الثري : الوطن لا يباع ولا يهان ولو كان قاسيا وقادرا علينا ، الوطن فوق الاختلاف واعظم من الخلاف واسمى من الاجحاف .

يا سيدي المهاجر : الوطن لحافك في البرد ، وسندك في القهر ، وملاذك من الدهر ، الوطن تركيبة فيها النصر والشهيد والغيم والبحر والطفولة وحكايا سنوات ذهبت ، هو اللكنة و وازقة البلدات القديمة ، وفوانيس رمضان ، هو اكبر من خريطة واجمل من كل الارض ، لا نريد حريتهم ولا سلوكهم ولا قيمهم ولا اخلاقهم ، نريد شيئا من الزمن لنعيش فيه ونبقى فيه ...

نريد مساحة تشبه سواد جبيننا وسمار سواعدنا نريد ان يبقى كبرياؤنا تاج فوق رؤوسنا ، لذلك يا سيدي فيتامين كرامتنا قد زاد مناعتنا العربية في كل الظروف والتحديات ، وساغني دوما موطني موطني