الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

جائحة كورونا وصفقة القرن.. صفعات عام 2020!

نشر بتاريخ: 20/04/2020 ( آخر تحديث: 20/04/2020 الساعة: 00:50 )

الكاتب: هبة الوعري

(صلوا في رِحالكم صلوا في رِحالكم)... مهما تقسو علينا الحياة وتعصف بنا رياح المحن لا شيء يأتي وقعه كغصة في القلب وحزن في الروح مثل أعتى من هذه الكلمات عندما يصدح بها المؤذن من أعلى مِنبره وحيداً في مسجدٍ خالِ من زِحام المُصلين وبعدها يجهش بالبكاء! كما حالنا جميعاً حين تتحجر دموعنا في المُقل في كل مرة يُرفع فيها الآذان ونحن نسمعه بكل جوارحنا من نوافذ منازلنا ولكن لا حول لنا ولا قوة إلا بالله.

عام 2020 رغم أنه في بدايته لكن لا شيء يُشبهُهُ في أوجاعه وشظايا قسوته علينا ففيه أُغلقت المساجد وأصبح الآذان بدون إقامة وأتت علينا الجمعة بلا جماعة ولا خطبة ولا مصلين.. كما خلا بيت الله الحرام وصحن الكعبة المشرفة من الطائفين في مشهد مؤثر يُبكي الفُؤاد.. وصمتت أجراس الكنائس من ترانيم الآحاد! أُطفِئَت فيهم الأنوار لتشتعل أنوار الوجع في قلوبنا... اللهم تُب علينا إنك أنت التواب الرحيم واغفر لنا وارحمنا.

فهل هو عام النكسات أم الأحزان أو عام خيبات أمل بدأت بصفعة القرن وليس صفقة القرن بإعلان القدس الأبية عاصمة للكيان الصهيوني المحتل قبل شهرين فستزال هذه الصفقة جاثمة على صدورنا للأبد، ثم مروراً بتوصيف المواطنين المقدسيين أصحاب الأرض والهوية ب (المقيمين العرب في القدس!) وأخيراً الشغل الشاغل حديث الساعة فيروس (كورونا) اللهم نجّنا من هذا الوباء وبلّغنا شهر رمضان وقد رفعت عنا وعن جميع البلاد الأمراض والبلاء وأخرِجنا من هذا العام سالمين غانمين يا الله.

من المؤسف جداً أن نرى تعاطف العالم أجمع مع الصين وايطاليا والولايات المتحدة ودول أوروبا لما يعيشوه من كوارث أَلمت بهم بسبب فيروس كورونا المستجد بينما فلسطين الصامدة تعيش أكثر من 60 عاماً تنزف دماء وشهداء وجرحى وويلات، أرضها محتلة وقُدسها تُدنس وأقصاها يُقتحم كل يوم من قبل مستوطنين حاقدين، والمستعمرات الصهيونية التي تلتهم كل يوم أراضينا، وجدار الفصل العنصري الذي قسم شطري الوطن بين القدس والضفة الغربية، وغزة هاشم تموت كل يوم فهي محاصرة براً وبحراً وجواً منذ ثلاثة عشر عاماً وتعيش ظُلمة حالكة أعمت قلوب 2 مليون نسمة يقطنوها عن نور حياتهم وذلك بلا كهرباء! وربع شباب وأطفال قطاع غزة بُتِرت أقدامهم خلال عامين من مسيرات العودة فنراهم يحملون عُكازة الأمل ليتكئوا عليها! ومرضى غزة يموتون وهم ينتظرون جرعات الكيماوي بعد المنع المتكرر لهم من قبل الاحتلال الصهيوني من دخول مستشفيات القدس والضفة الغربية تحت حجج وهمية للمرضى ومرافقيهم، وكم من أحلامٍ وطموحات قُتِلت لشباب غزة وتحطمت أمام بوابات معبر رفح المُغلق، وويلات وشراسة حروب الاحتلال الصهيوني على شعب غزة الأعزل الذي كان دوماً يخوضها وحده بشجاعة باسلة كلُ ذلك ولم نرى تعاطف سواء عربي أو دولي مع قضيتنا على مر السنوات ولكن لنا الله فهو خير الحافظين.

جائحة كورونا... جعلت قُدسنا حزينة وحيدة تبكي حسرة لفراق ناسها وأهلها وروادها والأقصى خالٍ من المصلين كما أن شاطئ غزتنا الجميلة صامتٌ حزين عُمق البحار، والكعبة المشرفة خالية من المعتمرين كل ذلك بسبب فيروس قاتل خبيث صُنع في أمريكياً ليقتل ويدمر كل يوم وكل ثانية لما يحمل معه من أبعاد سياسية ودينية منها التفرقة وإغلاق المساجد لإبعادنا عن التقرب إلى الله ومحاربة الإسلام والمسلمين في كل مكان، شيء يجعلنا نفكر ألف مرة أنحن نعيش آخر أيام في هذا الكون السرمدي؟.. أُلطف بنا يا الله، ولكن هنا تأتي حكمة الله وقوته بأن يُعيد هذا الكائن الخفي الضعيف (فيروس كورونا) تربية الكوكب!.. فمن منا لم يتأثر عند مشاهدة فيديو انتشر عبر مواقع التواصل لصوت الآذان يصدح عالياً ولأول مرة في بعض من الدول الأوروبية الممنوع عندها رفع الآذان من قبل سلطاتهم؛ وكيف اندهش جميع المارة أمام عظمة صوت المؤذن وروعة المشهد وذلك توسلاً وتضرعاً لرب الكون بأن يفك هذه الشدة، كما اجتاح فيديو آخر وبقوة السوشيال ميديا لمقهى موجود في الكيان اليهودي وصوت القرآن الكريم مفتوح بصوت عال داخله وقد خلا من الزائرين تماماً بسبب فيروس كورونا! حقاً هذه المشاهد تهتز لها المشاعر الإنسانية، وهنا نُذكّر بقوله تعالى: " حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ".

حياتنا اليومية مع فيروس كورونا أصبحت تأخذ منحنى آخر حيث انتشرت حملة خليك بالبيت على السوشيال ميديا لتشجيع وإجبار المواطنين على البقاء في منازلهم لتفادي الكوارث، حيث تأثّر أطفالي بهذه الحملة فوجدتهم يطبقونها بطريقتهم الخاصة فقد لبسوا الكمامات والقفازات كما ارتدوا سماعات الطبيب وبدؤوا بتسجيل فيديو جميل بكلمات بريئة طفولية قائلين (خليك بالبيت عشانك وعشانا، وعشان نحمي مجتمعنا خليك بالبيت وإحنا بنحبكم كتير كتير وإن شاء الله بنشوفكم عخير)، هذا وانتشرت فيديوهات رائعة من داخل مراكز الحجر الصحي عبر وسائل التواصل الاجتماعي منها رجل يفاجئ زوجته بإقامة عيد ميلادها داخل مدرسة للحجر الصحي بمدينة غزة، كما فاجئ أطباء سيدة ستينية بعيد ميلادها أيضاً من داخل إحدى الفنادق حيث دقوا عليها باب غرفتها وبعدما فتحت لهم غنوا لها أغنية عيد الميلاد وما هي إلا دموعها تنهار على وجنتيها فرحةً وشكرتهم بكل حب على اللفتة الجميلة.

وفي أسواق مدينة غزة يقوم أصحاب المحال التجارية خاصةً التي تبيع الملابس بعرض المانِيكان على الأبواب الخارجية ومعظمهم عرضوهم بصورة مضحكة حيث ألبسوا جميع المانِيكان الكمامات والقفازات لجلب الزبائن لمحلاتهم وذلك مع تردي الوضع الاقتصادي السيئ الذي يعيشه قطاع غزة منذ سنوات بسبب الحصار الإسرائيلي المشدد.

(صفقة القرن!) كما يسمونها والتي أُعلنت مطلع هذا العام.. وما أدراك ما صفقة القرن فهي صفعة بوجه كل الحكام العرب وكل من تخاذل مع قضيتنا، فهذه الصفقة ما هي إلا مقدمة لزج أفكار وتدشين مصطلحات وتغيير أسماء شوارع في القدس العتيقة، والمؤسف في الموضوع أن الإدارة الأمريكية هي التي أعلنت عن هذه الصفقة المخيبة للآمال مما يؤكد استمرار دعمها وتبنيها للموقف الإسرائيلي فهذه المحايدة اللاشرعية المعهودة مقدمة لتطبيق ما اخترعته (صفقة القرن الأمريكية!) التي رسمت لنا خارطة وهمية لوطن ضائع.. لوطن سُلبت أرضه واغتُصبت حقوقه، لوطن أُجبر ساكنيه على التعايش بين احتلال ظالم وانقسام مُذِل!. لوطن أقصاه يُدنس كل يوم من قبل مستوطنين غاصبين وقدسه تنزف وجعاً لما يحدث على أرضها الطاهرة من إجراءات الاحتلال الصهيوني البشعة بحق ساكنيها، فهذه الصفقة يجب أن تُطْبَع كَنَدبة على أجساد من تواطأ مع قضيتنا.

في ذلك الصباح البارد لفت انتباهي وأنا أتصفح إحدى الجرائد اليومية خبر على الصفحة الأولى عندما أدركت محتواه شعرت بوجع شديد صَعُب عليّ إخفاؤه طيلة يومي حزناً وحسرة على سكان وقدسية زهرة المدائن مسقط رأسي ومؤطئ قدمي...

(المقيمين العرب أو المواطنين غير الإسرائيليين!) هكذا اعتمدت وزارة الخارجية الأمريكية توصيف السكان الفلسطينيين والمواطنين المقدسيين أصحاب الأرض والهوية أصحاب الشهامة حُراس المسجد الأقصى المبارك حُماة ما تبقى من نخوة عربية!...

تأتي هذه الإجراءات البشعة بحق مُلاك الأرض لنزع مواطنتهم المقدسية في محاولة منهم لترسيخ الوصف الأمريكي الجديد لتغيير هوية القدس وتغيير صفة المقدسيين ولفرض واقع بإذن الله لن يتحقق..

فهي إجراءات تعسفية يومية بحق وطننا وقدسنا وأرضنا؛ ولكن هيهات هيهات أن ينالوا من عزيمة شبابها ونسائها وشيوخها وحتى أطفالها فكلهم يمثلون خط الدفاع الأول عنها.

أُصبت بخيبات أمل كبيرة ليس عند قراءتي لهذا الخبر فحسب؛ بل عندما بحثت عن ردود فعل عل وعسى أجد ما يشفي غليلي ويثلج نار قلبي ولكن يبدو أن وباء (كورونا) أعمي عيون العرب عن أي شيء وشلَّ تفكيرهم وأصبح همهم الوحيد (النجاة من الموت!)، كما أنه ليس الوباء وحده من أعمي عيونهم عن هذا الخبر بل هم دوماً خارج نطاق التغطية تجاه ما يحدث داخل قدسنا وأقصانا ومقدساتنا وفي غزتنا المِغوارة وحتى بعد الإعلان عن صفقة القرن فكانت ردود أفعالهم خجولة جداً أمام هذا الحدث الأليم.

ولعل المضحك المُبكي في موضوع جائحة كورونا وعام 2020 ما تناوله رواد مواقع التواصل الاجتماعي من نكت ساخرة تُحاكي الواقع الأليم الذي نعيشه حيث كتب أحدهم عبر صفحته قائلا ً: لو استمر هذا العام هيك شادد حاله راح نرمضن بالجنة هاي السنة إن شاء الله!، كما نشرت شابة عبر صفحتها على الفيس بوك صورة لكعكة عيد ميلادها وعليها كمامة مصنوعة من الحلوى طُبعت فوقها وذلك تماشياً مع الظرف العام!، كما غرد شابٌ آخر: تخيلوا بعد 3 حروب على غزة وعشرات التصعيدات نموت بعطسه وياريته فيروس أصلي بل صيني مقلّد! وطفل نشر على صفحته صورة كَتب عليها: هذا هو الزي الرسمي للعيد هاي السنة والصورة عبارة عن زي لرجل الفضاء ويرتدي كمامة وكونتات! وسيدة كتب على صفحتها: هذا عطري المفضّل هالأيام ووضعت صورة العطر وهو عبارة عن زجاجة ديتول! وكتب رجل ستيني على صفحته: الشعب الفلسطيني حتى لو حجروه داخل طنجرة ضغط إلا ما يطلع من الصفيرة! كما عبر أحد الآباء المحجورين داخل إحدى المدارس على صفحة الفيس بوك الخاصة به قائلا": الدنيا دوارة أنا محبوس بالصف وأولادي بلعبوا في الشارع! وآخر كتب: غزة التي لطالما صدّرت للعالم الورود والفراولة الآن تستقبل منه قاذوراته!

هذا ما فرضه علينا الواقع الذي نعيشه فشعبنا تأثر بجائحة كورونا وأصبح الحديث السائد ليلاً ونهاراً بين الصغار والكبار فقد استطاع هذا الكائن أن يجتث منا كل مظاهر الحياة! ولكن قلوبنا صُبغت بالصبر والحمد لله.

في نهاية مقالي أقول: حينما نتكلم عن فلسطين نتكلم عن أطهر بقعة في العالم... عن الأمل والحياة والألم في عيون حزينة وموجوعة! ورغم كُل هذه الصفعات التي تلقيناها منذ بداية عام 2020 ولكن بإذن الله تعالى ستُزهر شقائق النعمان من جديد، وسنعود نطوف حول الكعبة ونصلي بالأقصى وفي الكنيسة وسنركع ونتضرع لله تعالى شاكرين حامدين.

وبإذن الله ستصدح المنابر من جديد الله أكبر الله أكبر الله أكبر وسط زحام المصليين..

وستعود تكبيرات العيد وأجراس عيد الميلاد..

وسترجع الحارات تضج بأصوات الصغار لتملأ ضحكاتهم المكان فرحاً وبهجة، وسنرجع ننشد كل يوم في طابور الصباح المدرسي موطني موطني هل أراك سالماً منعماً وغانماً مكرماً هل أراك!

اللهم عجل الفرج وارفع عنا الوباء والبلاء، اللهم فك قيد أسرانا البواسل القابعين خلف قضبان زنازين حقيرة فهم يخوضون معركتهم ضد وباءين الاحتلال الصهيوني وفيروس كورونا.

اللهم لا تبتلينا في الشهر الذي نحبه وننتظره من عام لآخر يا الله إنك سميع الدعاء.