الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

هل سينبعث الإقتصاد الفلسطيني من جديد؟

نشر بتاريخ: 14/05/2020 ( آخر تحديث: 14/05/2020 الساعة: 14:35 )

الكاتب: سامر سلامة

بعد إعلان الحكومة تجديد حالة الطواريء لشهر ثالث جديد في ظل إستمرار خطر إستمرار إنتشار وباء كورونا، أعلن رئيس الوزراء محمد إشتية عن مجموعة من التسهيلات التي من شأنها تخفيف حدة الأزمة الإقتصادية التي بدأ الجميع تلمسها في كافة المناطق، في محاولة مدروسة من الحكومة لمنع إنتشار الوباء بشكل يفقدنا السيطرة عليه من ناحية وحماية الإقتصاد الوطني من الإنهيار الكامل من ناحية أخرى، في مسعى جدي من الحكومة لإحداث التوازن بين الإقتصاد والصحة العامة بعيدا عن المجازفة في أي منهما. وبالرغم من أن عمر الأزمة في فلسطين لا يزيد عن شهرين إلا أن الوباء قد فرض أجندته على الحالة الإقتصادية عندنا ليضيف إلى المشاكل الإقتصادية المترتبة على إستمرار الإحتلال مشكلة أخرى مما سيكون له تداعياته على الإقتصاد الفلسطيني وخاصة على المدى القصير. فالسؤال الذي سنحاول الإجابة عليه هنا: هل التسهيلات الأخيرة يمكن أن تساعد الإقتصاد الوطني على إعادة الإنبعاث من جديد؟

لقد قرأت بعض التحليلات فيما يتعلق بتداعيات كورونا على الإقتصاد الفلسطيني إلا أنني لا أتفق مع الرأي الذي يقول أن الإقتصاد الفلسطيني سيكون الخاسر الأكبر وأن آثار كورونا ستكون مدمرة عليه. إنني لا أنكر أن الإغلاق الشامل الذي جاء تنفيذا لحالة الطواريء المعلنة خلال الشهرين الماضيين قد كشف الكثير من العورات في بنية الإقتصاد الوطني الفلسطيني ولكن في نفس الوقت قد أظهر بشكل واضح ولا ريب فيه أن هناك فرص كامنة في إقتصادنا الوطني لا تزال غير مستغلة أو مستفاد منها حتى الآن وقد كشفت فترة الطواريء أمام العديد من الرياديين تلك الفرص الذين بدأوا فعلا بالإستثمار في تلك الفرص.

نعم إن الإقتصاد الفلسطيني إقتصاد صغير وهش ومحاصر إلا أنني أعتقد أن أزمة كورونا لن تترك آثارا مدمرة عليه وعلى الإقتصادات الصغيرة المشابهة. وإنما الآثار المدمرة ستلحق بالإقتصادات الكبيرة وليس الصغيرة. فما يميز الإقتصاد الفلسطيني أنه يعتمد بشكل شبه كامل على المنشآت الصغيرة ومتناهية الصغر والمتوسطة (99% من المنشآت الإقتصادية الفلسطينية تصنف على أنها متناهية الصغر وصغيرة ومتوسطة) وفي معظم الأحيان فإن ملكية هذه المنشآت هي ملكية عائلية ما يعني أن العائلة هي التي تمول وأفراد العائلة هم الذين يعملون في المنشأة وأفراد العائلة هم الذين يتحملون المسؤولية الأولى والأخيرة عن إستمرار عمل المنشأة وهذا يعني أن المنشأة أثناء الأزمة وبعدها لن تترك لقدرها وإنما سيعمل جميع أفراد ألاسرة بكل جد وإصرار لإستعادة ما تم خسارته خلال فترة الأزمة وما بعدها. وإنني أعتقد أن البرنامج الذي أعلنت عنه الحكومة مؤخرا بالتعاون مع سلطة النقد الفلسطينية والذي سيوفر السيولة النقدية للمنشآت الصغيرة والمتوسطة بشروط ميسرة سيساعد تلك المنشآت على تجاوز أزمة السيولة التي لحقت بها كنتيجة لتوقف أو تعثر عجلة الإنتاج لديها، مما سيساعدها على تجاوز المرحلة الصعبة من إعادة التعافي بعد ذروة الأزمة.

ومن الفرص الجديدة الكامنة التي ظهرت بشكل جلي خلال فترة الطواريء: العمل عن بعد، والتجارة الإلكترونية، والإنتاج المنزلي، وإستهلاك المنتج الوطني الفلسطيني، وإعادة الإعتبار للعمل في الأرض وزيادة الإكتفاء الذاتي، وإعادة تنظيم علاقات العمل مع دولة الإحتلال، وغيرها من الفرص. فقد نجحت العديد من المؤسسات وخاصة الخدمية منها من الإستمرار في العمل وتقديم خدماتها لزبائنها بشكل شبه كامل عن طريق تطبيقات العمل عن البعد وخاصة في ظل توفر تطبيقات التواصل الشخصي والجماعي عبر الإنترنت وبشكل مجاني مما فتح المجال أمام العديد من المؤسسات من الإستمرار في عملها بشكل إعتيادي. كما أن الأزمة الحالية قد عززت التجارة الإلكترونية والتسوق عبر الإنترنت الأمر الذي فتح فرص جديدة ليس فقط أمام تجاز التجزئة الحاليين وإنما فتح آفاقا جديدة أمام العديد من الرواد الشباب الذين بدأوا فعليا بتجارتهم الإلكترونية خلال الأزمة. كما أن الأزمة قد أعادة الإعتبار للعمل في الزراعة والإنتاج المنزلي الأمر الذي منح العائلات وخاصة الريفية منها فرصا إضافية لإعادة الإستثمار في الزراعة أو الإنتاج المنزلي الذي أيضا وجد له قنواته التسويقية عبر الإنترنت. ومن الملاحظ أيضا أن المجتمع الفلسطيني أخذ بزيادة إستهلاكه للمنتج الوطني الذي زادت فرص تسويقه بسبب عدم توفر المنتج الإسرائيلي في الأسواق أو نتيجة إكتشاف تدني جودة تلك المنتجات بعد تجربة المنتج الوطني مما خلق عادة جديدة لدى المستهلك الفلسطيني. وأخيرا وليس آخرا فإن الأزمة قد فرضت على الإحتلال قبول بحث آليات عمل العمال الفلسطينيين بشروط فلسطينية يمكن تطويرها لمصلحة العامل الفلسطيني على المدى القريب والمتوسط. وعلينا أن لا ننسى أنه بات في حكم المؤكد أن سوق العمل الإسرائيلي يعتمد بشكل أساسي على القوى العاملة الفلسطينية الأمر الذي يفرض علينا إعادة تنظيم علاقة العمل مع الجانب الإسرائيلي بشكل أفضل لضمان فائدة أكبر للعمال وخاصة فيما يتعلق بمحاربة السماسرو والسوق السوداء وزيادة الحماية الإجتماعية للعمال وتوفير الصحة والسلامة المهنية لهم.

وفي الختام فإنني أعتقد أنه وبالرغم أن الوباء قد ترك تداعيات كبيرة على إقتصادنا الوطني وأن الخطر لا يزال قائما إلا أن هذه الجائحة وما بعدها سيكون لها آثاراً إيجابية على المدى المتوسط والبعيد وخاصة إذا تم الإستفادة من الفرص الكامنة سابقة الذكر بشكل جيد ومدروس. فالعديد من الدول ذات الإقتصاد القوي مثل ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية قد بنت إقتصادها بعد كوارث حلت بها وإستطاعت بإمكاناتها الذاتية وبإلهام وإنتماء وجهوزية شعوبها من الإنبعاث من جديد من تحت ركام تلك الكوارث. وإنني أعتقد أننا في فلسطين نمتلك العديد من المقومات والموارد البشرية والمادية التي تمكننا من النهوض من كبوة هذا الوباء.