الجمعة: 26/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

مرونة الشركات في ظل الأزمات

نشر بتاريخ: 29/06/2020 ( آخر تحديث: 29/06/2020 الساعة: 17:44 )

الكاتب: أ.بيان الزغير

يتغير العالم بشكل مستمر وتتطور العلوم لتواكب هذا التغير, فالمرونة أصبحت من العوامل الأساسية للبقاء والاستمرار, وبما يخص بيئة الأعمال فالمرونة المؤسسية ضرورة لازمة وملحة في ظل التغيرات المفاجئة والأزمات الطارئة التي يمر بها العالم, حيث قامت المؤسسة البريطانية للمواصفات BSI باستحداث مواصفة رقمها , BS65000تتعلق بالمرونة المؤسسية والتي تعبر عن قدرة المؤسسة على التنبؤ والتوقع والاستجابة للمتغيرات المستمرة والتأقلم مع تلك المتغيرات, بداية من الأمور البسيطة وانتهاء بالأزمات الكبرى التي يمكن أن تمر بها المؤسسة, وذلك يتطلب بُعد استراتيجي يحقق هذا المطلب لضمان البقاء والاستمرار والقدرة على المنافسة.

وبما أن بعض الأزمات لا يمكن تجنبها, فلابد للقائمين على الشركات باختلاف أحجامها وأنماطها أن يمتلكوا المرونة المؤسسية استعداداً للأزمات قبل وقوعها من خلال التوقع والاستشعار والانتباه إلى التغيرات التي تحدث في السوق, والاستجابة السريعة للتغيرات وتلبية متطلبات السوق, والتكيف مع التغيرات للتعامل مع التطورات الطارئة, وذلك بإعداد خطة محكمة قابلة للتعديل والتطوير بشكل مستمر, وهذا الأمر لا يتطلب وضع خطط بديلة أو طارئة فحسب, إذ لا بد من الاستعداد الكامل الذي يضمن نجاح تنفيذ الخطط الطارئة, فوضع خطط مرنة وموضوعية وجاهزة للتنفيذ لمواجهة الأزمات أسهل بكثير من مواجهة الأزمة بدون خطة.

فالأزمات التي تتعرض لها الشركات عبارة عن مشاكل غير متوقعة يعقبها خسائر جسيمة في الأموال أو الأفراد، وقد تكون أسباب حدوث الأزمة داخلية أي من داخل الشركة نفسها، وقد تكون خارجية أي خارجة عن حدود وسيطرة الشركة, فإن لم يتم التعامل معها على الفور وبطريقة علمية ومدروسة ستجد الشركة نفسها في مواجهة كارثة حقيقية.

فلابد من إتباع سياسة إدارة الأزمات والتي تُعبر عن قدرة الشركة في التغلب على الأزمات بالأدوات العلمية والإدارية المختلفة وتجنب سلبياتها والاستفادة من ايجابياتها من خلال فريق عمل متخصص ومدرب من داخل الشركة أو خارجها يهتم بإدارة الأزمات بطريقة فعالة, وهو المسؤول عن توقع المشكلات المحتملة ووضع سيناريوهات وإيجاد حلول مُسبقة لها, وتطوير القدرات العملية وتدريب الموظفين على الأدوار البديلة ومن ثم اتخاذ القرارات الفعالة وقت حدوث الأزمات, وأن يكون على دراية كاملة بأنواع الأزمات المختلفة التي من الممكن أن تواجهها الشركات, سواء كانت أزمة مالية، أزمة موظفين، أزمة تنظيمية، أزمة تكنولوجية, أزمة سياسية أو أزمة طبيعية.

ويجب الإشارة بأن العديد من الشركات قد كرست الكثير من الوقت والموارد لإدارة الأزمات وكانت على استعداد تام, ولكن عندما وقعت الأزمة واجهوا مشاكل في القدرة على التكيف, فلا يكفي وضع الخطط البديلة, لكن يجب عليها أن تكون مستعدة لمواجهة الأزمة والاستجابة لها والتعافي منها واستثمارها, لذلك نجد الشركات المرنة والقادرة على التكيف مع الأزمات لا تستمر في وجودها فحسب, وإنما تنمو وتزدهر في ظل الظروف الطارئة.

وأحد أفضل الطرق لتقييم القدرة على التكييف في الأزمات هي مقارنة أنشطة الاستجابة بالمعايير والنماذج المعترف بها, وأفضل معيار متعارف عليه لتقييم القدرة على التكيف هو المعيار الصادر عن المنظمة الدولية للمعايير (أيزو22316), ويقدم المعيار تفاصيل للمبادئ الرئيسية للقدرة على التكيف والمرونة التنظيمية التي اتفق عليها الخبراء بجميع أنحاء العالم.

وعلى سبيل المثال في ظل جائحة فيروس19 COVIDبرزت بعض الشركات التي انتهجت استراتيجيات ذكية في إدارة الأزمات, حيث قامت شركة (Master Kong) التي تُعتبر أحد أبرز منتجي المعكرونة والمشروبات سريعة التحضير بمراجعة دينامكيات العمل بشكل يومي وإعادة ترتيب أولويات جهود موظفيها بصورة منتظمة. وتوقعت الشركة لجوء السكان إلى الاكتناز القهري ونفاذ المخزون, فحولت تركيزها بعيداً عن قنوات البيع بالتجزئة التقليدية إلى التجارة الالكترونية والمتاجر الصغيرة, وتمكنت من خلال تتبع خطط إعادة فتح متاجر للبيع بالتجزئة من تكييف سلسلة التوريد الخاص على نحو مرن للغاية, نتيجة لذلك شهدت سلسلة التوريد الخاص بها انتعاشاً بنسبة أكثر من 50%بعد بضعة أسابيع من تفشي المرض, وتمكنت من التوريد إلى 60% من المتاجر التي أُعيد فتحها خلال هذه الفترة, وهي نسبة تمثل ثلاثة أضعاف ما قد يحققه المنافسون.

وقام أيضاً حوالي40 مطعماً وفندقا ودور سينما في الصين بإعادة توزيع طواقمهم من الموظفين ومشاركتهم مع شركة (Hema), وهي سلسلة متاجر سوبر ماركت جديدة للبيع بالتجزئة تابعة لشركة " علي بابا" والتي كانت في حاجة ماسة للعمال لتسيير خدمات التوصيل نتيجة الزيادة المفاجئة في عمليات الشراء عبر الانترنت.

كما واضطرت شركة مستحضرات التجميل (Lin Qingxuan)إلى إغلاق 40% من متاجرها خلال الأزمة, بما في ذلك جميع الفروع في مدينة ووهان. ومع ذلك أعادت الشركة توزيع أكثر من 100 أخصائي تجميل من تلك المتاجر وجعلهم مؤثرين على شبكة الإنترنت بالاستفادة من الأدوات الرقمية مثل منصةWeChat) ) لاشتراك الزبائن افتراضياً وزيادة المبيعات عبر الانترنت, نتيجة لذلك حققت الشركة في مدينة ووهان مبيعات بنسبة 200% مقارنة بمبيعات العام السابق.