الخميس: 25/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

"التوجيهي" والتعليم الإلكتروني

نشر بتاريخ: 30/06/2020 ( آخر تحديث: 30/06/2020 الساعة: 11:01 )

الكاتب: سامر سلامه

أثار إمتحان الثانوية العامة "التوجيهي" لهذا العام حفيظة بعض الطلبة وذويهم لصعوبة الإمتحان في بعض المواد، في تكرار للسجال الذي يدور في أوساط الطلبة وذويهم والخبراء والمهتمين والمسؤولين على حد سواء فيما يتعلق بإمتحان "التوجيهي" وأهميته وجدواه وضرورة الإستمرار به، وسط دعوات مستمرة لإلغاء هذا الإمتحان برمته. وفي مشهد مختلف إلى حد ما هذا العام ونتيجة لإغلاق المدارس والمؤسسات التعليمية المختلفة بسبب كورونا وإستخدام تقنيات التعليم الإلكتروني لإنهاء الفصل الدراسي، قد أثير سجال من نوع آخر حول جدوى التعليم الإلكتروني بين مؤيد ومعارض، الأمر الذي إستحضر النظام التعليمي برمته إلى السطح وسط دعوات متجددة لتطوير هذا النظام الذي بدأت مسيرة تطويره منذ أكثر من عشر سنوات وما زالت عملية التطوير مستمرة، إلا أن الجميع لا يزال في إنتظار لحظة الخروج بالنظام الجديد المنتظر من عنق الزجاجة.

السؤال المطروح دائما فيما يتعلق بإمتحان "التوجيهي"، لماذا لا نزال ندور في حلقة مفرغة؟ ولماذا لم يتم إلغاء هذا الإمتحان بصورته التقليدية حتى الآن؟ أو في اضعف الإيمان، لماذا لم يتم تطويره بالشكل الذي يخفف من الضغط النفسي على الطلبة وذويهم؟ والمفارقة هنا أن هناك شبه إجماع بين المسؤولين والخبراء والمهتمين بقضايا التعليم على ضرورة إلغاء الإمتحان بصورته التقليدية المعروفة. وتطوير أساليب الإمتحان لتتوائم وضرورات ومتطلبات العصر، وأهمها الإستفادة من التطبيقات والتقنيات الإلكترونية التي أصبحت في متناول الجميع، والإرتقاء بالإمتحان من جلسات لتقييم مدى قدرة الطلبة على حفظ المقررات للصف الثاني عشر إلى تقييم مستوى المعرفة التراكمية التي إكتسبها الطلبة خلال مسيرتهم التعليمية على مدار سنوات الدراسة الإثنتي عشر!.

إنني أعتقد أنه رب رميةٍ من غير رامٍ، فإعلان حالة الطواريء بسبب كورونا قد دفع بوزارتي التربية والتعليم العالي لفرض تطبيق تقنيات التعليم الإلكتروني في المدارس ومؤسسات التعليم العالي. فخلال أسبوع واحد فقط إستطاعت مؤسسات التعليم المختلفة من البدء بإستخدام تقنيات التعليم الإلكتروني وتطبيقاته في خطوة سريعة وجريئة إستجابةً لحالة الطواريء ودون ترتيب مسبق أو إستعدادات كبيرة وطويلة يسبقها في العادة إجراء دراسات وأبحاث ونقاشات واسعة حول جدوى هذا التعليم وقدرتنا على تطبيقه والمعيقات التي يمكن أن تواجهنا الأمر الذي يمكن أن يدخلنا في دوامة من التحليل والتخمين والتخوف والتحفظ وما إلى ذلك كما هو حاصل حاليا في أروقة اللجان المكلفة بتطوير منظومة التعليم. فما هي نتيجة هذا القرار السريع و"المتسرع" كما رأه البعض؟ النتيجة: إنهاء العام الدراسي بسلام ونجاح. وبحسب خبرتي مع أبنائي فإن نتائج التعليم الإلكتروني تكاد توازي نتائج التعليم الوجاهي وخاصة أن الطلبة قد خرجوا من ضغط الأيام الدراسية والوظائف البيتية والإمتحانات اليومية التي كانت تستنزف طاقاتهم وقدراتهم وطفولتهم. لا بل أصبح الطلبة يعتمدون بشكل أكبر على قدراتهم ويقومون بعملية البحث والتقصي عبر الإنترنت والمواد التعليمية المتوفرة والنقاش البيني والإستفادة من معلومات وتجارب الآخرين من أصدقاء وزملاء وإخوة وأهل وكأن التعليم الإلكتروني فرض حالة فطرية من التعلم الجماعي وخلق أجواء مدهشة من النقاش الجماعي وممارسة هوايات البحث والتقصي مما جعل من كل بيت غرفة صفية ومختبر ومكتبة ومركز أبحاث في آن واحد. فلا أنكر أنه واكب هذه العملية عدد من التحديات التي فاقت في بعض الأحيان قدرات بعض الطلبة وذويهم وخاصة لمن لم تتوفر لديهم شبكة التواصل مع الإنترنت في بعض المناطق أو وجود جهاز حاسوب واحد لعدة إخوة في البيت الواحد أو تقطع وإنقطاع الإتصال بالإنترنت وغيرها من المعيقات الفنية، إلا أن هذه التحديات قد خلقت إصرار وتحدي من نوع آخر لدى العديدين لتجاوز هذه التحديات والتغلب عليها. فماذا كانت النتيجة في المحصلة النهائية؟ إنتهاء العام الدراسي بنجاح وقد تحققت الأهداف التعليمية بإكتساب الطلبة قدراً لا بأس به من المعارف المطلوبة والمهارات التعلمية المختلفة بالمقارنة مع التعليم الوجاهي.

أعتقد أنه من الضروري أن لا تمر تجربة التعليم الإلكتروني مرَ الكرام، لا بل علينا الإستمرار في تطبيقها بشكل أو بآخر حتى لو إقتضى الأمر لإلغاء يوم دراسي وجاهي لصالح يوم دراسي إلكتروني لكي يتمكن الطلبة من الإستفادة من التقنيات الحديثة وبحر المعلومات المتوفرة على صفحات الشبكة العنكبوتية وإستخدام التطبيقات المختلفة للبحث والتقصي والقيام بالتجارب العلمية وحلقات النقاش الطلابية والحوار المتمدن بين الطلبة وأساتذتهم وذويهم بعيدا عن القمع والترهيب الفكري والمعرفي.

إنني أرى أن تجربة التعليم الإلكتروني التي تم تطبيقها بشكل سريع و"متسرع" يمكن أن تلهم المسؤولين والخبراء لتطبيق هذه التقنيات بشكل مدروس نحو تطوير منظومة التعليم برمتها وتغيير نمطية إمتحان "التوجيهي" وت

"التوجيهي" والتعليم الإلكتروني

بقلم: سامر سلامه

أثار إمتحان الثانوية العامة "التوجيهي" لهذا العام حفيظة بعض الطلبة وذويهم لصعوبة الإمتحان في بعض المواد، في تكرار للسجال الذي يدور في أوساط الطلبة وذويهم والخبراء والمهتمين والمسؤولين على حد سواء فيما يتعلق بإمتحان "التوجيهي" وأهميته وجدواه وضرورة الإستمرار به، وسط دعوات مستمرة لإلغاء هذا الإمتحان برمته. وفي مشهد مختلف إلى حد ما هذا العام ونتيجة لإغلاق المدارس والمؤسسات التعليمية المختلفة بسبب كورونا وإستخدام تقنيات التعليم الإلكتروني لإنهاء الفصل الدراسي، قد أثير سجال من نوع آخر حول جدوى التعليم الإلكتروني بين مؤيد ومعارض، الأمر الذي إستحضر النظام التعليمي برمته إلى السطح وسط دعوات متجددة لتطوير هذا النظام الذي بدأت مسيرة تطويره منذ أكثر من عشر سنوات وما زالت عملية التطوير مستمرة، إلا أن الجميع لا يزال في إنتظار لحظة الخروج بالنظام الجديد المنتظر من عنق الزجاجة.

السؤال المطروح دائما فيما يتعلق بإمتحان "التوجيهي"، لماذا لا نزال ندور في حلقة مفرغة؟ ولماذا لم يتم إلغاء هذا الإمتحان بصورته التقليدية حتى الآن؟ أو في اضعف الإيمان، لماذا لم يتم تطويره بالشكل الذي يخفف من الضغط النفسي على الطلبة وذويهم؟ والمفارقة هنا أن هناك شبه إجماع بين المسؤولين والخبراء والمهتمين بقضايا التعليم على ضرورة إلغاء الإمتحان بصورته التقليدية المعروفة. وتطوير أساليب الإمتحان لتتوائم وضرورات ومتطلبات العصر، وأهمها الإستفادة من التطبيقات والتقنيات الإلكترونية التي أصبحت في متناول الجميع، والإرتقاء بالإمتحان من جلسات لتقييم مدى قدرة الطلبة على حفظ المقررات للصف الثاني عشر إلى تقييم مستوى المعرفة التراكمية التي إكتسبها الطلبة خلال مسيرتهم التعليمية على مدار سنوات الدراسة الإثنتي عشر!.

إنني أعتقد أنه رب رميةٍ من غير رامٍ، فإعلان حالة الطواريء بسبب كورونا قد دفع بوزارتي التربية والتعليم العالي لفرض تطبيق تقنيات التعليم الإلكتروني في المدارس ومؤسسات التعليم العالي. فخلال أسبوع واحد فقط إستطاعت مؤسسات التعليم المختلفة من البدء بإستخدام تقنيات التعليم الإلكتروني وتطبيقاته في خطوة سريعة وجريئة إستجابةً لحالة الطواريء ودون ترتيب مسبق أو إستعدادات كبيرة وطويلة يسبقها في العادة إجراء دراسات وأبحاث ونقاشات واسعة حول جدوى هذا التعليم وقدرتنا على تطبيقه والمعيقات التي يمكن أن تواجهنا الأمر الذي يمكن أن يدخلنا في دوامة من التحليل والتخمين والتخوف والتحفظ وما إلى ذلك كما هو حاصل حاليا في أروقة اللجان المكلفة بتطوير منظومة التعليم. فما هي نتيجة هذا القرار السريع و"المتسرع" كما رأه البعض؟ النتيجة: إنهاء العام الدراسي بسلام ونجاح. وبحسب خبرتي مع أبنائي فإن نتائج التعليم الإلكتروني تكاد توازي نتائج التعليم الوجاهي وخاصة أن الطلبة قد خرجوا من ضغط الأيام الدراسية والوظائف البيتية والإمتحانات اليومية التي كانت تستنزف طاقاتهم وقدراتهم وطفولتهم. لا بل أصبح الطلبة يعتمدون بشكل أكبر على قدراتهم ويقومون بعملية البحث والتقصي عبر الإنترنت والمواد التعليمية المتوفرة والنقاش البيني والإستفادة من معلومات وتجارب الآخرين من أصدقاء وزملاء وإخوة وأهل وكأن التعليم الإلكتروني فرض حالة فطرية من التعلم الجماعي وخلق أجواء مدهشة من النقاش الجماعي وممارسة هوايات البحث والتقصي مما جعل من كل بيت غرفة صفية ومختبر ومكتبة ومركز أبحاث في آن واحد. فلا أنكر أنه واكب هذه العملية عدد من التحديات التي فاقت في بعض الأحيان قدرات بعض الطلبة وذويهم وخاصة لمن لم تتوفر لديهم شبكة التواصل مع الإنترنت في بعض المناطق أو وجود جهاز حاسوب واحد لعدة إخوة في البيت الواحد أو تقطع وإنقطاع الإتصال بالإنترنت وغيرها من المعيقات الفنية، إلا أن هذه التحديات قد خلقت إصرار وتحدي من نوع آخر لدى العديدين لتجاوز هذه التحديات والتغلب عليها. فماذا كانت النتيجة في المحصلة النهائية؟ إنتهاء العام الدراسي بنجاح وقد تحققت الأهداف التعليمية بإكتساب الطلبة قدراً لا بأس به من المعارف المطلوبة والمهارات التعلمية المختلفة بالمقارنة مع التعليم الوجاهي.

أعتقد أنه من الضروري أن لا تمر تجربة التعليم الإلكتروني مرَ الكرام، لا بل علينا الإستمرار في تطبيقها بشكل أو بآخر حتى لو إقتضى الأمر لإلغاء يوم دراسي وجاهي لصالح يوم دراسي إلكتروني لكي يتمكن الطلبة من الإستفادة من التقنيات الحديثة وبحر المعلومات المتوفرة على صفحات الشبكة العنكبوتية وإستخدام التطبيقات المختلفة للبحث والتقصي والقيام بالتجارب العلمية وحلقات النقاش الطلابية والحوار المتمدن بين الطلبة وأساتذتهم وذويهم بعيدا عن القمع والترهيب الفكري والمعرفي.

إنني أرى أن تجربة التعليم الإلكتروني التي تم تطبيقها بشكل سريع و"متسرع" يمكن أن تلهم المسؤولين والخبراء لتطبيق هذه التقنيات بشكل مدروس نحو تطوير منظومة التعليم برمتها وتغيير نمطية إمتحان "التوجيهي" وتطوير أدوات القياس المتبعة عبر تطبيقات إلكترونية أو بحثية ستساهم في ترسيخ مفاهيم التعلم التشاركي وتراكم المعرفة.

طوير أدوات القياس المتبعة عبر تطبيقات إلكترونية أو بحثية ستساهم في ترسيخ مفاهيم التعلم التشاركي وتراكم المعرفة.