السبت: 20/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

الأمين على الشرف، والقانون.. من سينتصر؟

نشر بتاريخ: 29/07/2020 ( آخر تحديث: 29/07/2020 الساعة: 17:02 )

الكاتب: رولا أبو مسلم



‎إن المفكرين يثورون على الشبان الذين يقدمون على الزواج وفي دمائهم سموم، وفي مجاري نطفة الحياة منهم صديد، ومن الأمم من سنَّت القوانين الصارمة لمنع زواج المبتلى بالعلل الزهرية وبالجنون محافظة على صحة النسل، ولكنني لم أقرأ لمفكر رأيًا في الحيلولة دون الزواج الآلي المجرد عن كل عاطفة، ويتراءى لي أن طفلًا يجني أبواه عليه بإيراثه دمًا أفسدته الأمراض لهو أقل شقاء بنفسه وأقل إضرارًا بالمجتمع من طفل يرث من أبويه عهر العاطفة وضلال الفطرة.
‎لقد تشفي العقاقير أبناء العلل ولكن أي دواء يشفي الطفل الذي زرعه توحش الرجُل المُفترس في أحشاء المرأة المنكسرة الذليلة؟ إنّ مثل هذا الطفل لن يكون إلَّا وحشًا كأبيه أو عبدًا ذليلًا كأُمِّه.
‎هذا ما قاله الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه، أفكر في هذا الكلام من كتابه "هكذا تكلم زرادشت" وأقول لنفسي أين هو الخلل الحقيقي؟ هل صدق نيتشه؟ وهل نحن صنفان يسيران بشكل متوازِ ولكل منهما ردة فعل أساسها قديم ومتأصل؟ وهل يمكن لنا أن نبقيَ على وجود الصنف الجيد ونتخلص من الأشرار؟ ثم من هم الأشرار وكيف صاروا كذلك؟!
‎هل ثمة خطأ ارتكبه أحدهم سابقاً وظلت لعنته تطارد النساء حتى هذا اليوم؟ هل قُتلت حوا ما في سنة ما قبل الميلاد وظلت ذكراها تحوم بيننا على شكل قتيلات جديدات، كل واحدة منهن تقتل بطريقة جديدة غريبة ومرعبة؟!
‎إن كان كذلك؟ لماذا نشاهد ذلك فقط هنا في الشرق؟ كيف تخلص الغرب من هذه اللعنة؟ هذا الغرب الذي تحدث عنه نيتشه في روايته لم يعد كذلك! ثمة تغيير عميق أعاد للنساء حقوقهن ووضع خطأً متساوياً فيه كل الألوان، يضع الإنسان في خانة محترمة لا تفرق بين المرأة والرجل، ولكي نكون دقيقين أكثر، في الغرب تفوقت المرأة وهذا هو العادي، وعدا ذلك نادر ومرفوض ومنبوذ من المجتمع.
‎أين تعيش نساء الشرق؟ إنهن يعشنَ في الشرق تماماً، حيث أن حقوقهن هي مادة دسمة لرجال الشنب واللحى، وللمخاتير ورجال القانون المنتمين للعشيرة، ومؤسسات الأن جي اوز ((NGOs التي يترأسها في الأغلب رجل لا يؤمن بالمساواة مع زوجته في البيت، لكنه مجبر على صرف ميزانية العام في سبيل أنشطة وورشات عمل لم تُحدِث تغييراً فعلياً على أرض الواقع.


‎إذاً ما هو التغيير؟
‎ التغيير هو سن القانون، قانون رادع، منصف، غير مترهل أو متعاون مع العشيرة، لا يؤمن بجريمة الشرف، ولا يتواطؤ مع الجاني لأنه (فار دمه، فقتل).
‎وفي الوقت الذي يلتهب فيه العنف في مجتمعنا، لنتصدر عناوين الأخبار العربية ومواقع التواصل الاجتماعي، وبينما صرنا مواضيعاً رئيسية للبرامج التلفزيونية الجريئة في العالم، لأن نساؤنا يتعرضن للقتل، الخنق والاغتصاب، الحرق أو الانتحار.. إلخ تحت مسمى ذريعة "حماية شرف"، وخلفيات عديدة غير منطقية. وبينما يأتي كل ذلك من أقرب الناس للنساء، الأب والأخ والزوج والحبيب وابن العم... إلخ، وعليه فإننا أمام انحدار خطير للقانون، ويبدو هذا شيئا منظما خاصة في ظل تأثير العشائر على قرار الحكومة باعتماد كافة القوانين التي تحمي المرأة في إطار اتفاقية سيداو وما يندرج تحتها من قوانين تكفل حقوقها وتلحق أقصى العقوبات بحق مرتكبي الجرائم وتنهي جميع أشكال التمييز ضد المرأة وكذلك جميع مظاهر العنف.
‎حان الوقت لإنهاء شخصية "الأمين" على شرف النساء كائن من كان، وليكن القانون هو سيد الموقف، الذي يتعامل مع المواطن كإنسان كامل الحقوق، دون النظر الى جنسه، ودون تمييزه الصريح بحق المرأة.