الخميس: 25/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

التصفيق باليد أم باللسان،،، عبودية!!!

نشر بتاريخ: 11/08/2020 ( آخر تحديث: 11/08/2020 الساعة: 09:08 )

الكاتب: د. سهير قاسم

تسكن الذاكرة دون غياب في خضم الحدث، تقتحم العقول معلنة حضورها الآني بترابط ذهني ما بين الحاضر والماضي، وعند قراءة أجزاء من التاريخ، والبحث عن مسميات لما يجري من أحداث أطلّت كلمات في العبودية والعبيد، تمعنتُ في ماهيتها ومظاهرها، تساءلتُ، هل اختفت أم تلاشت، أم أنها تبدّلت فتغيّر شكلها ولونها لتحلّ فينا؟ أو ربما حاضرة في عصرنا الحالي، فنعبّر عنها معلنين وجودها الفعلي بوعي أو دون وعي، منكرين وجودها الشكلي؟!

حضارات كبرى قامت على أكتاف العبيد، تبادر لوهلة أنها الإنجاز الكبير، فقد ولّى زمن العبودية! ولكن المشهد نفسه يظلنا بظلاله، ملقياً رداء العبودية وكأنها المصير الحتمي فتلوّنت بأشكال عديدة، اختلطت الصور، كما اختلف الأداء، انظر إلى الملك صاحب التاج يتوسط الحضور، ومن حوله العبيد ورؤوسهم قد أعيتها الطأطأة حباً أو كرهاً، التصفيق تلو التصفيق دون إصغاء، إعلان للولاء، خضوع مطلق يعجّ بالمكان، إنه الملك يا سادة، وها هي العبودية الفعلية حتى وإن غابت عن التنظير النظريات، أصبحنا عبيداً للتصفيق والصمت وظهر معسول الكلام، فاختفت جرأة القول وحكمة الكلام، وباتت المكاسب والتكسب أدوات لمصالح ذاتية آنية.

استحضرت المشهد، جالت الأفكار لتتفحص ما يجري، فلم أجد فروقاً ما بين العبودية في العصرين الماضي والحاضر، حاضرنا قديمنا، مع وجود اختلاف شكلي في البيئات، مسؤول يرتدي تاجاً يتوسط الجمع الغفير، بطانة تحاصر المكان، عبيد حاضرة للتصفيق، اليد وحدها لم تعد كافية، فانبرت الألسنة وتطوعت للتصفيق كأداة تُضاف إلى سابقاتها أو لتنسجم مع تطورات القرن، فتبادر السؤال، أيّ التصفيقين أشد خطراً، اليد أم اللسان؟!

لا بد من وقفة تأمل لواقع العبيد، في كل ركن واقفون مصفقون صامتون طائعون غائبون ومغيّبون منافقون، نراهم في المؤسسة والشارع والطرقات والبيوت، يتقلدون أروقة مزيّفة سيطروا بها على سادتهم كما أقنعوا أنفسهم بأنهم أصحاب حق، لو تأملت وجوههم وضحكاتهم وهمساتهم ولمزاتهم تجد العبودية تجسّدت فيهم، ويصبح الفرق شكلياً لا أكثر، فوجوههم قد تغيرت وتبدلت وبات عليها أقنعة مزركشة وملونة ومبطنة وما شابه من الألوان، يهرولون لتلميع أنفسهم وفكرهم المزيف محاولين تسويق ما هش من فكرهم، ولا يعلمون أن الأقنعة باتت لا تناسبهم، لكنهم ولضعف سادتهم يحصدون المكاسب الآنية المادية التي لا تغنيهم ولا تشبع حاجاتهم.

ونظرة سريعة إلى بعض من الفروق ما بين عبيد الزمانين، فعبيد الحاضر، يعملون بألسنتهم في كل مكان، وفي كل زاوية من زوايا المسؤول أو رب العمل، ألسنتهم لا تكف عن المديح والتصنع المنمّق غير المسؤول، لا أنكر تعبهم في النفاق فهم مدعاة للشفقة، فإذا ما تغير سيد بات عليهم إعادة الكرة في النفاق، كما أنهم يرتدون الألبسة الفاخرة المزركشة التي تختلف عن لباس العبيد القدماء، ناهيك عن تحضر أدواتهم، فحلت ألسنتهم مكان رؤوسهم وأيديهم.

والفرق الكبير يمكن في تحقيق النجاحات، فكلما صفق بلسانه وتنمّق حقق المكاسب، وكلما هز برأسه، حصد أوسمة ودروع، وكلما استغل وسرق كان الأقرب للملك، وهذا يعني تراكم الأخطاء ومجافاة الصواب، فيمر الزمن لتتراكم الأخطاء ليكون علاجها بالخطأ، والنتيجة أنك إذا بحثت يوماً عن حقيقة ضاعت، وإذا بحثت عن قانون بات معوجاً، فكم من السنين سيحتاج الأحفاد للإصلاح، إن كانت هناك محاولات، فربما تغيرت المواقف وتبدلت النظرة للعبيد، وقد نخطط لجعل العبودية نهج حياة يترعرع عليها الأحفاد لتصبح مشروعة، وقد تكون مصدر تفاخر للكثيرين منهم!

تريث قليلاً يا كاتب التاريخ، استنهض قواك، لا تبتعد عن تدوين التاريخ الفعلي، قل لمن حولك أن العبودية لم تغب على مر العصور، هي حاضرة في السطور، سائدة على الأرض، عالقة في النفوس، فهل من قارع للخزان ومصحح للمسار؟ ليبث الأمل بعيداً عن التصفيق باليد واللسان!؟