الجمعة: 26/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

من الارض مقابل السلام إلى السلام مقابل السلام

نشر بتاريخ: 14/08/2020 ( آخر تحديث: 14/08/2020 الساعة: 18:40 )

الكاتب:




د. وليد سالم

في تطبيعه مع إسرائيل منذ توقيع إتفاق أوسلو مر العالم العربي في مرحلتين ، تمثلت المرحلة الاولى بإشتراط تحقيق السلام مع إسرائيل بقيام هذه الاخيرة بالانسحاب من الاراضي العربية المحتلة عام ١٩٦٧ وقبولها إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام ١٩٦٧ وعودة اللاجئين طبقا للقرار الاممي ١٩٤. إستمرت هذه المرحلة مع بعض الخروقات حتى عام ٢٠١٤ حيث تم الاعلان عن فشل آخر جولة مفاوضات أشرف عليها وزير الخارجية الامريكي جون كيري، لتحل محلها صيغة السلام مقابل السلام ، والتي عنت عدم اشتراط السلام مع إسرائيل بتلبيتها للحقوق الفلسطينية وانسحابها من الاراضي العربية المحتلة عام ١٩٦٧ . فكيف تم هذا التحول ؟ وما مغزاه ؟ وما هي التبعات المترتبة عنه ؟ وكيف يمكن للشعب الفلسطيني أن يتعامل مع هذه التبعات؟
في المرحلة الاولى قامت بعض الدول العربية في تسعينيات القرن الماضي بعقد محادثات متعددة الاطراف في كل من عمان والقاهرة والدوحة والرباط والمنامة من أجل تسهيل المفاوضات ، كما قامت بفتح ممثليات تجارية لقطر وعمان ، ومكتب مصالح لتونس ، ومكتب إتصال للمغرب في تل أبيب، ولكنها كلها قد اشترطت التطبيع الكامل للعلاقات مع إسرائيل بانسحابها من الاراضي العربية المحتلة وتلبية الحقوق الفلسطينية . وقد قامت هذه الدول بوقف علاقاتها مع إسرائيل عام ٢٠٠٠ وذلك مع إندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية. وتلى ذلك بعامين صدور المبادرة العربية للسلام عن قمة بيروت والتي حددت أن التطبيع مع إسرائيل سيكون ممكنا لغير مصر والاردن اللتين وقعتا إتفاقيتي سلام سابقتين ، فقط بعد الانسحاب الاسرائيلي من كل الاراضي العربية المحتلة وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام ١٩٦٧، وعودة اللاجئين. وكلفت المبادرة كلا من مصر والاردن بالتواصل دون غيرهما من الدول العربية مع إسرائيل بشأن الحقوق الفلسطينية وذلك بالتنسيق مع القيادة الفلسطينية.
شذت عن القاعدة في حينه دولة موريتانيا التي قامت بعقد إتفاقية تطبيع كامل مع إسرائيل عام ١٩٩٩ ، واستمرت في علاقاتها مع إسرائيل حتى عام ٢٠٠٩ حيث قطعت العلاقات بسبب الحرب الاسرائيلية على غزة حينذاك. أما قطر وعمان فقد استمرت علاقاتهما مع إسرائيل بين مد وجزر بين عام ٢٠٠٠ و ٢٠٠٩، وانقطعت سيما من جانب قطر بين ٢٠٠٩ إلى ٢٠١٤ بسبب الحروب الاسرائيلية الثلاثة على غزة. ومع عام ٢٠١٤ كان سياق جديد للعلاقة مع إسرائيل قد اكتمل نضوجه لدى بعض دول الخليج العربي ، وتدحرج ليشمل مشاركة اليمن أيضا في مؤتمر وارسو عام ٢٠١٨ والذي نظمته ادارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب من أجل بدء الترتيب لتحالف عربي إسرائيلي ضد إيران ، وطرحت في ذلك الحين أيضا فكرة إنشاء حلف ناتو عربي ، وفي عام ٢٠١٨ زار رئيس الوزراء الاسرائيلي عمان ، وزار وزراء إسرائيليون العديد من دول الخليج خلال العقد الفائت ، كما وتم عقد مؤتمر البحرين للتخطيط للجانب الاقتصادي من خطة القرن في حزيران عام ٢٠١٩، والتقى نتنياهو مع عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس الانتقالي في السودان، وإخيرا قامت دولة الامارات بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل يوم ١٣ آب ٢٠٢٠، ويبدو أن هنالك دولا أخرى يتم العمل على إقناعها بتطبيع العلاقات مع إسرائيل كما جاء في نص البيان الثلاثي الامريكي الاماراتي الاسرائيلي الذي قرأه الرئيس الامريكي دونالد ترامب.

بين المرحلة الاولى والثانية فوارق سياسية وأخلاقية ، ففي المرحلة الاولى رهنت أنظمة العرب كلها تطبيعها مع إسرائيل بإنسحابها ، كما إلتزمت بقيم التضامن مع الشعب الفلسطيني حتى إستعادة حقوقه، وكذلك التضامن مع سوريا حتى تستعيد هضبة الجولان المحتلة ومع لبنان حتى تستعيد مزارع شبعا وتلال كفار شوبا. أما في المرحلة الثانية فقد إنتقلوا من قيم التضامن المشترك إلى إيثار المصالح الخاصة الضيقة في إطار من إثارة النعرات مع إيران ، ثم التحالف مع إسرائيل ضد ايران من باب أن " عدو عدوي هو صديقي "، وفي إطار ذلك بدأت تصدح أصوات تندد بالشعب الفلسطيني وكفاحه وبحماس وحزب الله وتدير الظهر لحقوق سوريا في استعادة هضبة الجولان المحتل. وانطلق القائلون بذلك للمشاركة في صفقة القرن فحضروا مؤتمرها الاقتصادي في البحرين العام الفائت ، كما حضر سفراء خليجيون مؤتمر الاعلان عن شقها السياسي في مطلع العام الحالي. فما هو مغزى هذه التطورات؟
أولا : تمثل هذه التطورات قطعا مع مسيرة دعم الشعب الفلسطيني وسوريا ولبنان لاستعادة أراضيها المحتلة .
ثانيا : تثير هذه التطورات مواقف أخلاقية إشكالية تعبر عن نفسها بالقول : " لنسعى لمصالحنا ، وما لنا وللشعب الفلسطيني وسوريا ولبنان".
ثالثا : تضرب هذه المواقف في الصميم وحدة الموقف العربي الرسمي حول اعتبار الانسحاب الاسرائيلي شرطا للتطبيع ، وبالتالي فهي تهدد بتمزيق البنى والمؤسسات العربية المشتركة وعلى رأسها جامعة الدول العربية وكل الهيئات والمؤسسات المنبثقة عنها، كما أنها ستعزز الصراعات العربية العربية بين بلدان العالم العربي المختلفة ، وكذلك بين الانظمة وشعوبها ، وتدير الظهر لاتفاقيات العمل العربي المشترك بما فيها اتفاقية الدفاع المشترك، واتفاقيات مقاطعة إسرائيل .
رابعا : تضع هذه التطورات ثروات الخليج في مهب النهب من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل لاستثمارها في برامجهما الصناعية والتكنولوجية والعسكرية، وبذريعة حماية دول الخليج مما يمهد لإفقار هذه الدول على المدى الابعد.
خامسا: تهب هذه التطورات فلسطين كاملة لإسرائيل عبر إقرارها لإستمرار الاحتلال وعدم رفضها للضم الفعلي الجاري على الارض ، وإقرارها بالسيادة الاسرائيلية على القدس عبر قبولها بالصلاة في المسجد الاقص من خلال الدخول إليه من البوابة الاسرائيلية كما ورد في الاعلان الثلاثي الامريكي الاسرائيلي الاماراتي.
سادسا : تفتح الباب أمام حصر الحقوق الفلسطينية في حقوق مدنية ودينية بينما يكون لإسرائيل بحكم إعترافهم بها بدون أن تنسحب حقوقا قومية جماعية حصرية في أرض فلسطين كما جاء بذلك إعلان بلفور الاول عام ١٩١٧ وتكراره باعلان بلفور الثاني المتمثل بصفقة القرن التي ورد في الاتفاقية الثلاثية الامريكية الاسرائيلية انه سيتم العمل معا من أجل تنفيذها.
سابعا : تفتح هذه التطورات شهية إسرائيل لإنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين وتوطينهم بشكل تام خارج فلسطين.
ثامنا : تعزز هذه التطورات من قوة التيار الرافض لاطروحة الارض مقابل السلام داخل إسرائيل ، مما سيمهد لانتقال هذا التيار إلى التوسع الاستيطاني الاستعماري نحو البلدان العربية خارج فلسطين بعد انتهائه من الاجهاز على فلسطين.

إن إدعاء دولة الامارات أنها اوقفت الضم عبر اتفاقها مع إسرائيل لا يصمد أمام حقيقة أن الضم القانوني لم يوقف بل تم تعليقه فقط كما ورد في النص الانجليزي من الاتفاق الثلاثي. كما أن إسرائيل قد استمرت بالضم الفعلي والاحتلال الذين لم يرد أي تنديد أو رفض لهما في الاتفاق الثلاثي، مما يجعل هذا الاتفاق ربحا صافيا لإسرائيل حيث تعترف دولة عربية لأول مرة بسيطرتها الكاملة على كل فلسطين . لا بل وتسعى فوق ذلك للتدخل في الشؤون الداخلية الفلسطينية وإثارة أحلام حول أمكانية تغيير القيادة الفلسطينية بقيادة أخرى.
أمام ذلك كله فإن الخطوة العاجلة تتطلب عقد مؤتمر سريع لمنظمة التعاون الاسلامي من أجل لجم الخطوة الاماراتية والحيلولة دون المزيد من الانهيار بإنضمام دول عربية أخرى إليها. أما الجامعة العربية فلا ينصح بالتوجه إليها مع ما اصابها من انقسام جراء الخطوة الاماراتية التي حظيت بدعم دول أخرى ستمنع إدانتها.